باحثة مصرية تؤكد أن يوسف وهبي سبق الحكيم في مسرحة الرواية

أسماء بسام تنبه في دراستها "مسرح يوسف وهبي" إلى ضرورة التفات الباحثين في تراث المسرح المصري إلى مسرحيات يوسف وهبي المنقولة إلى أفلام.
يوسف وهبي لم ينعزل عن الحركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد بل شارك فيها في معظم مسرحياته
وهبي تأثَّر في تمصيره لمسرحياته بحديث عيسى بن هشام للمويلحي

أكدت الباحثة د.أسماء بسام في دراستها "مسرح يوسف وهبي" على ضرورة التفات الباحثين في تراث المسرح المصري إلى مسرحيات يوسف وهبي المنقولة إلى أفلام، إذ رأت أنها لم تخصص دراسة بمقارنة أعماله المسرحية بأعماله السينمائية التي أحدثت طفرة في تاريخ السينيما المصرية؛ حيثُ يعتبر يوسف وهبي من أهم رواد المسرح المصري، فهو حلقة واصلة بين الماضي التراجيدي والغنائي والحاضر الكوميديا والفودفيل والمستقبل الميلودراما ومسرح الدم والدموع.
ورأت بسام أن يوسف وهبي نشأ في وقت اتجاه كتاب المسرح إلى المسرحية الغنائية، وأضافت "كانت المسرحية الغنائية هي المسيطرة على أذواقِ الجمهور وقتئذ، ممَّا هيأ الجو لانتشار الموهبة الغنائية، فبدأت ينشأ على تأليف وتلحين المنولوجات مقتبسًا إياها من عروض الفرق المصرية في مصر وقتئذ، ثُمَّ بدأ المسرح الغنائي يتقهقر ليحل محله مسرح عزيز عيد الكوميدي بكوميديا صارخة بذيئة، من هنا تنحَّى يوسف وهبي وانصرف من الغناء إلى التمثيل في مسرحية "حنجل بوبو" الكوميدية، ولكنه فشل فشلاً ذريعًا في تأدية دور الكوميديا، ممَّا اضطره إلى الهجرة إلى إيطاليا لعله يجد مخرجًا لتنمية موهبته في التمثيل، ثُمَّ رجع إلى مصر في وقت ذيوع فن الكوميديا الذي فشل فيه يومًا على يد نجيب الريحاني، فاضطرَّ إلى تغيير هذا اللون واتجه إلى الميلودراما وكوّن فرقة رمسيس التي قدَّم من خلالها مسرحيات الميلودراما والكوميديا الاجتماعية والتراجيدية والمترجمة والممصرة.. الخ، وأحدث طفرة في تاريخ المسرح المصري، واشتدت المنافسة بينه وبين الريحاني، ممَّا اضطرَّ الريحاني أن يتجه إلى النوع الميلودرامي في تقديم مسرحية "ريَّا وسكينة" وبالطبع فشل فشلاً ذريعًا.
ولفتت إلى أن يوسف وهبي تعرَّض للكثير من الهجوم على مسرحياته الدموية التي تثير الجمهور ولا تقدم أي إضافة للواقع المُعاش، كمَّا أخذت الحملة الصحفية في الازدياد، ومن ثَمَّ اتجه نقَّاد في الدفاع عنه تارة، وأخذ هو يدافع عن نفسه وعن مسرحياته تارة أخرى، كما أخذت روز اليوسف تشن حملتها الهجومية ضد مؤلفاته ومسرحياته.

وأكدت بسام أن يوسف وهبي لم ينعزل عن الحركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد بل شارك فيها في معظم مسرحياته، فنجده يشارك بثلاثية الأولاد في المجال الاجتماعي ودراسة مشكلات المجتمع، والتعرض لبعض الأمراض الاجتماعية المنتشرة آنذاك.
وأشارت إلى أن وهبي اشترك في الفرقة القومية وترأسها في وقت إغلاق مسرحه، وقرر مرارًا وتكرارًا بأن يعتزل التمثيل، بسبب قلة الإعانة، بل عدم وجود إعانة حكومية في الأساس وقت ذاك، كما حاول في التغيير من مسرحياته إلى أفلام وانصرف من المسرح إلى السينما.
وقالت بسام إن وهبي قام بتمصير بعض مسرحياته من بيئات غربية مختلفة، من الروسية، والفرنسية، والإيطالية، وعمد في تمصيره لهذه المسرحيات إلى اختيارها ملائمة للظروف الاجتماعية، كما غيَّر في بعضها بما يلائم العادات والتقاليد المصرية ؛ حيثُ قام بتمصير أسماء شخصياته، وأماكن المسرحيات، والزمان وحذف مالا تتفق مع العادات والتقاليد المصرية، وإضافة ما يتفق، والإبقاء على ما هو يتناسب مع الظروف الاجتماعية التي انتشرت في المجتمع المصري آنذاك.
ورأت أن وهبي تأثَّر في تمصيره لمسرحياته بحديث عيسى بن هشام للمويلحي، وحشا حوارها بالأمثال العامية، وضمنها بالقرآن الكريم، كما ضمَّنها أيضًا بالاقتباس من التراث الشعبي، والعهد الجديد، والشعر العربي القديم، واعتمد فيها على الأثر الغربي يؤازره الأثر المصري. ولم يأخذ يوسف أسلوب النقل والتمصير فقط بل ذهب إلى أبعد حدود الاقتباس وأخذ يوسف يمسرح الرواية الأجنبية، وينقلها على المسرح المصري، من هنا تحدثتُ عن هذه الظاهرة "مسرحة الرواية"، موضحة الفرق بين المسرحية والرواية والوقوف على تقنيات السرد وتقنيات المسرحة.
وأكدت بسام أن يوسف وهبي سبق توفيق الحكيم في عملية المسرحة الفنية للرواية. وأشارت إلى أنها درستُ تحليل الشخصيات ونقد للحدث عند يوسف وهبي، كما درست الشخصيات التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وشخصيات الطبقة الأرستقراطية، وشخصيات نسائية، مع نقد لبنية المسرحية الاجتماعية التي ممَّا لا شك فيه أنها تنتقد المجتمع المصري آنذاك، إذ لم يعد في فترة ذيوع هذا اللون لأصحاب الأراضي الزراعية أي صفة لسيادة المجتمع وذلك لبروز الدور الذي لعبته الطبقة البرجوازية في الحياة الاقتصادية والسياسية في المجتمع، وإفسادها الحياة بظاهرة التمدين التي تخنثُ الشاب، وتفسد الحياة على الفتاة. 

Egyptian Theater
د. أسماء بسام

دراسة بسام اعتمدت على منهج تاريخي وصفي تحليلي مقارن، وجاءت في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، حيث تعرضت في الفصل الأول إلى "تاريخ مسرح يوسف وهبي" نشأته وحياته والعوامل المؤثرة في تكوينه الفكري والنفسي، وكذلك محاولاته في تأليف المنولوجات، والتي كانت إرهاصًا لإبداعه المسرحي، وأشارت إلى بعض معاصريه في محاولة للوقوف على خارطة الإبداع المسرحي في عصره وموقفه منها وموقعه فيها؛ وقالت إن "بداية المسرح الغنائي التي كان يتزعمها سلامة حجازي جعلت يوسف وهبي يسايرها في تأليفه للمنولوجات الغنائية، وبعد انصراف المسرح عن المسرحية الغنائية واتجاهه للفودفيل والكوميديا على يد عزيز عيد، أخذ يوسف وهبي ينصرف إليها بمشاركته في المسرحية الكوميدية "حنجل بوبو"، في هذه الفترة ملكت الكوميديا زمام المسرح المصري ممَّا جعل أبيض وحجازي يوحدا فرقتيهما بهذا اللون، ولكنهما فشلا، وفي فترة التنافس الشديدة التي نشأت بينه وبين الريحاني، جعلت الريحاني يفلت من زمام الكوميديا بمسرحية ميلودرامية بعنوان "ريَّا وسكينة" لمجاراة يوسف وهبي في هذا اللون ولكنه سرعان ما فشل فشلاً ذريعًا.
ودرست بسام في الفصل الثاني "التمصير في مسرح يوسف وهبي دراسة مقارنة" الظروف التي أدت إلى ازدهار التمصير آنذاك، وعرضت لخارطة التمصير عند يوسف وهبي والمعاصرين له، وحللت أسباب اختيار يوسف وهبي مسرحيات أجنبية بعينها من خلال دراسة مقارنة في مسرحيات ملائمة للتمصير مثل: مسرحية "بنات الريف" الممصرة عن رواية "البعث" لتولستوى، مسرحية "بيومي أفندي" الممصرة عن "الأب ليبونار" لجان إيكار، ومسرحية "أولاد الفقراء" الممصرة عن "الشرف" لهرمان سودرمان، مسرحية "زوجاتنا" الممصرة عن "العرائس" لبيير وولف.
وحول "مسرحة الرواية عند يوسف وهبي" خصصت بسام الفصل الثالث حيث تعرضتُ لمسرحة الرواية عند يوسف وهبي: في مسرحيتي "بنات الريف"،"راسبوتين". أمَّا الفصل الرابع فجاء بعنوان "دراسات نقدية في مسرحيات يوسف وهبي "الميلودراما – مسرح الدم والدموع – المسرحية التَّاريخية – المسرحية الاجتماعية".