باحثون عرب يعاينون "تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام" 

زيدان كفافي يؤكد أن الذين عاشوا ويعيشون على أرض شبه الجزيرة العربية، هم عرب قبل أن يكونوا وثنيين ويهود ومسحيين ومسلمين.
تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام، بحاجة إلى دراسة معمقة من الجوانب كافة
الكتاب يخاطب المتخصصين، والباحثين، والمهتمين من الناس، والطلبة

عمان ـ قال رئيس جامعة اليرموك الدكتور، زيدان كفافي، إن "حاضر الجزيرة العربية وما يجري فيها هو مرآة لما جرى في عصور ما قبل الإسلام"، لافتا إلى أن الذين عاشوا ويعيشون على أرض شبه الجزيرة العربية، هم عرب قبل أن يكونوا وثنيين ويهود ومسحيين ومسلمين. 
وأضاف إن "المتتبع لتاريخ الجزيرة وآثارها يرى أن هناك تواصلا تاريخيا وازدهارا حضاريا بين أهاليها في الماضي والحاضر على الرغم من التعددية الثقافية والدينية في مرحلة ما قبل الإسلام". 
وأعتبر كفافي أن تاريخ الجزيرة العربية قبل الإسلام، بحاجة إلى دراسة معمقة من الجوانب كافة، خصوصا أن الجزيرة العربية شكلت، منذ القدم، معبراً بين القارات الثلاث؛ آسيا وأفريقيا وأوروبا.
جاء ذلك خلال حفل إشهار كتابه "تاريخ شبه الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام" بدعم من مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، الذي نظمه منتدى مؤسسة عبدالحميد شومان الثقافي، مساء الاثنين، بمشاركة الباحثين د. معاوية إبراهيم (الأردن)، د. فاطمة المهيري (الإمارات)، د. هند أبو الشعر (الأردن)، د. حسين أبو الحسن (السعودية)، أداره د. سلطان المعاني. 
"لمن يتوجه المؤلف بكتابه الذي بذل في تأليفه الجهد والوقت؟ هل يقدمه للقارئ العربي المثقف، أم أنه كتاب يتوجه للنخبة وللأكاديميين والباحثين؟  وهل يجوز لباحث بحجم الدكتور زيدان أن يصرف الوقت الثمين ليقدم كتابا لا تقرؤه غير فئة محدودة، تناقشه في قاعات المحاضرات المتخصصة المغلقة؟ وهل يجوز لنا أن نستبعد القارئ المثقف ثقافة عادية من توسيع أفق فكره، وتعميق مستواه الفكري، ونقصر خطابنا على النخب من الأكاديميين والمتخصصين؟"، بهذه التساؤلات بدأت د. هند أبو الشعر حديثها عن الكتاب.

حفل إشهار
حجم كبير لكتاب متخصص

وقالت أبو الشعر إن "كتاب تاريخ شبه الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام" يقع في 644 صفحة من القطع المتوسط، وهذا حجم كبير لكتاب متخصص، ويضم ستة عشر فصلا، تتفاوت في حجمها حسب الموضوع، واللافت هو الإهداء، فقد أهدى الدكتور زيدان كتابه إلى (أهل الضاد)". واستشهدت في هذا الصدد بقول كفافي "ما في هذا الكتاب هو من بنات أفكار أجدادنا العرب، ومن صنع أياديهم.. فأين نحن الآن من ذلك؟". 
وأضافت "هذا الإهداء رسالة لها دلالاتها على وعي صاحبها، الذي يهدي أهله من الناطقين بالضاد جهده الكبير، ويعظمّ فضل الأجداد، لكنه يتساءل بإحساس عن موقعنا الآن من حضارة الأجداد من أهل الضاد، ولا أظنه يجد جوابا على هذا السؤال المقلق، المحفزّ!". 
واعتبرت أن الدكتور زيدان حين قام بوضع هذا الكتاب الموسع والمتسلسل ليكون بين أيدي الباحثين مرجعا مأمونا، وسدّ بذلك نقصا في الكتب الجامعية الدقيقة، لافتة إلى أن الكتاب ينطبق عليه وصف "السهل الممتنع" يمكن أن يستمتع القارئ المثقف بمادته، ويتعلم من طريقة تفكير المؤلف ومنهجه، وهذا هو تميز هذا الكتاب.
أما د. معاوية إبراهيم، فرأى أن الكتاب تناول في طياته أحوال التجارة في الجزيرة العربية قبل الاسلام والعقائد والديانات والفنون، والاوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية وسقوط الممالك العربية قبل الاسلام وحتى مجيء اليونان والرومان والفرس للمنطقة.
ولفت إلى أن الكتاب المحتفى به، يغطي عددا من الفصول بما في ذلك جغرافية الجزيرة العربية ومصادر دراسة تاريخ الجزيرة العربية وآثارها قبل الاسلام وتاريخ البحث فيها بما في ذلك عصور ما قبل التاريخ والمجتمعات الرعوية وممالك وقبائل ما قبل الاسلام.
وبين إبراهيم أن د. كفافي انفتح، بكل نشاطه وجهده نحو المؤسسات العلمية في مختلف بلدان العالم التي تولت عدداً كبيراً من المسوحات وأعمال التنقيب الأثرية وإقامة المتاحف والمعارض بما في ذلك المعارض المتنقلة. 

 

أين نحن الآن من ذلك؟
مرجع مأمون

وبحسب إبراهيم، فإن أهمية هذا الكتاب تأتي من خلال ما قدمه كفافي من معلومات لعدد كبير من المواقع والشواهد الأثرية والتاريخية المهددة بالخطر أو حتى بالزوال من خلال البنى التحتية والمشاريع الانشائية في مختلف مناطق الجزيرة العربية.
د. حسين أبو الحسن، رأى أن كتب التاريخ لا تختلف كثيرا عن كتب الأدب، سواء كانت قصة أم رواية أم شعرا أو نثرا أو غيرها من فنون الأدب، فكتب التاريخ تحكي قصة، أبطالها أقوام عاشوا على نطاق جغرافي محدد، في فترة زمنية محددة، وتأتي تفاصيل القصة بحسب الموضوع وما يتوفر لدى المؤرخ من مواد علمية ومكتشفات أثرية.
وبين أن مؤلف كتابنا الذي نحتفي بتدشينه في هذه الأمسية المباركة، أبدع باقتدار في بحث أدق التفاصيل في موضوعه، حيث إن مخرجات كتابه مبنية على حقائق وتفسيرات علمية جاءت نتاج أعمال ميدانية دقيقة استخدم فيها أحدث الأساليب العلمية.
وقال إن "الدكتور كفافي - مؤلف هذا الكتاب - يعتبر علما بارزا في مجاله، فهو الباحث والأكاديمي الذي أسهم بإنتاجه العلمي الغزير في سد جزء من النقص الذي يعتري المكتبة العربية والأجنبية عن تاريخ وتراث منطقتنا العربية". 
وأضاف "لم يكن كفافي كذلك، بارعاً في البحث العلمي فقط بل أجاد وأفاد في جوانب عدة من أهمها وأبرزها الجانب الإداري، فإضافة الى تسلمه لمراكز قيادية عليا في الأردن أسهم بفكره وخبرته العلمية والإدارية في خدمة المملكة العربية السعودية، حيث كانت له إسهامات فاعلة أثناء تدريسه في قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود". 
وعن دقة ما نقله الدكتور كفافي في كتابه المنشور، لفت أبو الحسن إلى أن المعلومات في كتب التاريخ تأتي وفق ما يتوفر للمؤلف من مواد في حينه وقد تأتي مكتشفات لاحقة إما تؤكد ما كتب أو تصححه.
لكن د. فاطمة المهيري، اعتبرت أن الكتاب، بالغ الأهمية، وتكمن هذه الأهمية بحسب المهيري في موضوعه الذي يتناول التاريخ القديم لمنطقة كانت وما تزال معبراً بين القارات، وبسبب هذا الموقع، وما يشمل عليه من مصادر طبيعية، كانت المنطقة عبر العصور من أكثر مناطق العالم تأثيراً وجذباً. 
وقالت إن "هذا الكتاب الذي بين أيدينا يشكل إضافة علمية متميزة في مجاله، ومما لا شك فيه، فإن أراضي الجزيرة العربية لا تزال حبلى بالمعلومات التي تنتظر المكتشفين والدارسين لتقديم إضاءات إضافية حول تاريخ الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام".
ودعت المهيري المؤلف أن يلحق هذه الطبعة من الكتاب بطبعات مزيدة ومنقحة وفق ما يظهر من معلومات جديدة، فلا يزال ميدان البحث في تاريخ شبه الجزيرة العربية خصباً. 
وحول الهدف من نشر الكتاب، نقلت المهيري على لسان المؤلف قوله "وحسمت أمري على ضرورة نشر هذا السفر لتسهيل الأمر ليس فقط على القارئ المهتم، بل والطالب المبتدئ في دراسة تاريخ الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام، فأكون بذلك قد قدمت خدمة لهذه الشريحة من الناس". 
فيما قال الأكاديمي، د. سلطان المعاني خلال تقديمه للحفل، إن "الكتاب الذي بين أيدينا يخاطب المتخصصين، والباحثين، والمهتمين من الناس، والطلبة في دراسة تاريخ وآثار شبه الجزيرة العربية".
وأضاف "لا شك أن الدكتور زيدان كفافي أبدع في معالجته لتاريخ شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك دراسة آلية عمل المكتشفات الأثرية، ودراسة أحوال الماضي". 
وكفافي، حاصل على دكتوراه في الآثار من جامعة برلين الحرة بألمانيا الغربية. حصد جوائز عدة، منها "وسام الملك عبدالله للتميز" من الدرجة الثانية، كما تم اختياره النجم الأردني للعلوم العام 2017، وقد صدر له 11 كتاباً، ونحو 200 بحث علمي منشور في مجلات محكمة.