باحث يرى أن مكافحة الظاهرة الجهادية تتطلب عشرات السنين

الخبير السياسي الألماني المصري عبدالعظيم الدفراوي يؤكد أن هناك خلطا في وسائل الإعلام والمنابر السياسية بين الإسلاموية والسلفية والجهادية.
الكاتب يتطرق إلى دور الدعاية الجهادية "البروباغندا" في انطلاق مشهد الإرهاب
غالباً ما تُدرج السلفية والجهادية تحت لقب "الإسلاموية"
مصطلح "الإسلاموية" يشمل واقعاً شاسعاً لتحديد السلفية والجهادية"

أكد الباحث والخبير السياسي الألماني المصري عبدالعظيم الدفراوي أن هناك خلطا في وسائل الإعلام والمنابر السياسية بين الإسلاموية والسلفية والجهادية. وقال "إذا كان اليوم بعض أتباع هذه التنظيمات أنفسهم يستخدمون المصطلحات الثلاثة، فإنها كانت جميعها من استحداث العلوم الاجتماعية الغربية، الساعية لتحديد الاتجاهات الفكرية المختلفة، التي ظهرت في العالم الإسلامي. إذ غالباً ما تُدرج السلفية والجهادية تحت لقب "الإسلاموية". حيث تشير هذه الأخيرة إلى تنظيمات جد متنوعة، مثل تنظيم النهضة في تونس، المشارك في العملية الديمقراطية، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو حزب الله الشيعي في لبنان؛ لذا فصياغة مصطلح "الإسلاموية" كان من أجل تعيين كل التيارات الموجودة في العالم الإسلامي، الهادفة لجعل مبادئ الإسلام من الركائز الأساسية للأنظمة السياسية أو المجتمعية. بذلك يشمل مصطلح "الإسلاموية" واقعاً شاسعاً لتحديد السلفية والجهادية".
وأضاف الدفراوي في كتابه "الظاهرة الجهادية" الذي ترجمته المغربية أمال ابريطل أستاذة المنطق والفلسفة المعاصرة، وصدر أخيرا عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود "غالباً ما توصف السلفية من جهتها كتيار غير عنيف وغير سياسي، وهذا صحيح على الأرجح بالنسبة لمعظم السلفيين. إلا أنها تُحابي أيضاً بعض المواقف المتطرفة، مما يُسهل إلى حد كبير انزلاقها إلى الجهادية. ويُشتق مصطلح السلفية في حد ذاته من عبارة "السلف الصالح"، أي "القدوة الصالحة" من الرعيل الأول في الإسلام. ومن ثمة تسعى السلفية لتتسم "بالصفاء"، باعتبار القرآن والسنة النبوية، مصدراً وحيداً "للإسلام الحقيقي". فالأمر يتعلق بالتيار الإسلامي السني الذي عرف انتشاراً واسعاً في العالم الإسلامي وكذا في أوروبا".

لا يمكن تفسير الجهادية دون البعد الطائفي الذي يشكل جوهر الحركة الجهادية، وأنَّ هذا الشر لا يمكن هزيمته إلاَّ بالنضال ضد الظلم والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي

وأضاف "شهد التاريخ الإسلامي عدداً كبيراً من الطوائف السياسية والدينية ذات المعتقدات المتنوعة جداً، والتي ارتبطت بها علوم الأخرويات المختلفة تماماً. لكن الجديد بالنسبة للحركة الجهادية المعاصرة يتمثل في كونها الطائفة الوحيدة في الإسلام التي جعلت "الاستشهاد -الانتحاري" عنصراً أو مبدأ أساسياً في معتقدها. بالإضافة إلى ذلك ظهرت الحركة في أواخر القرن العشرين في ظل العولمة التي أصبح فيها الإنترنت والفيديو، وشبكات التواصل الاجتماعي من وسائل الإعلام المتاحة في مليارات البيوت، هكذا استطاعت الحركة الجهادية نشر دعايتها السياسية في جميع أنحاء العالم، لاسيما نشر قصتها الكبرى وثقافتها للاستشهاد، مع أسطورتها الأخروية وكوزمولوجيتها، فخلقت بفضل ذلك كله هوية جماعية. وحتى تكون أسطورة الخلاص ذات مصداقية، وجب على الجهاديين بالفعل خلق أساطيرهم الخاصة وكوزمولجيتهم، التي تشكل صميم دعايتهم، وتتألف من "أبطال المقاتلين"، من أولياء الله "الشهداء"، من أمراء الجهاد "أمراء الجماعة"، وفي الوقت الحاضر من خليفة هو عبارة عن دمية. حيث تدعي أسطورة الخلاص هاته بأن خطايا الشباب، الذين التحقوا بميادين الجهاد سوف تُغفَر لهم، وأن أولئك الذين يستشهدون في القتال، وعلى الأفضل في الهجمات الانتحارية، سيدخلون الجنة من غير حساب قبل المسلمين الآخرين الذين سيضطرون إلى انتظار يوم الحساب.
وأوضح الدفراوي "من جهة أخرى، فقد حظيت هذه القصة الكبرى بالمصداقية من باب تزوير التاريخ، بما يتطلب أولاً وقبل كل شيء نفي التاريخانية والرجوع إلى زمن أسطوري مفترض. يعدّ الجهاديون أنفسهم أنهم يجسدون في أرض الواقع الجماعة الإسلامية الحقيقية والوحيدة. كما يؤكد هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم مقاتلين في سبيل الله، أن القرآن والسنة والأحاديث النبوية ستكون هي المصادر الوحيدة للعقيدة، ويجب أن تُفهم هذه المصادر ويُحرم تأويلها. هكذا يرفض الجهاديون أكثر من ألف سنة من التراث الفكري لكبار المفكرين والعلماء المسلمين، ويعدّونها ضلالات لا تغتفر. في المقابل ظلوا يكتبون تاريخهم الدموي الذي لا علاقة له بالإسلام، فهذا لا يُطرح فقط على مستوى ابتكارات الجهاد السايبري، أو حتى بخصوص شعائر وطقوس للموتى على المستوى المرئي "البصري"، المحظور لحد الآن من طرف أهل السنة. بل إن هذه الأكذوبة الهائلة تشكل جوهر الجهادية في حد ذاتها، باعتباره جوهراً بسيطاً ورهيباً؛ إذ يُفهم الجهاد على وجه الحصر كقتال مسلح يقود إلى الدخول للجنة، وليس كجهد وإيمان عميق للقيام بالتغيرات السياسية والاجتماعية. هكذا نجحت الجهادية في فرض هذه الأكذوبة، وجعل الجهاد العالمي - والأفضل من ذلك هو الاستشهاد في سبيل الله، ولاسيما العمليات الاستشهادية الكاميكاز - طريق الخلاص الوحيد، وهو فريضة على كل مؤمن".
ورأى أن الحركة الجهادية هي طائفة يُعد فيها أولئك الذين كرسوا حياتهم للجهاد وللاستشهاد، هم وحدهم المسلمون الحقيقيون، عكس ما جاءت به مبادئ الشريعة الإسلامية، التي تقر أن كل شخص نطق بشهادتي الإيمان "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" يُعد أخاً أو أختاً. وبذلك فإن معظم المسلمين ينظرون إلى الجهاديين على أنهم انحرفوا على جادة الصواب وينتمون إلى "الفرقة الضالة". من ناحية أخرى، تؤدي أسطورة الخلاص الجهادية، إلى توحيد مجموعة كاملة من الناس حول المشروع نفسه، سواء كانوا من البلدان العربية أو من البلدان الغربية، بما فيهم المجموعات المجتمعية أو السكانية على الرغم من تباين مصالحهم ودوافعهم للغاية. 
إن تحديد الحركية الجهادية مع تنظيماتها العديدة المتنافسة، باعتبارها طائفة تحمل قاسماً مشتركاً يتمثل في أسطورة الخلاص، يسمح أيضاً بفهم أفضل للأشكال المتعددة لتنظيمها. فالأكيد أن معظم التنظيمات تتوافر على نواة صلبة، وعلى تراتبية جد متمركزة، والقادرة على إقامة مجموعة من التحالفات المعقدة والمتقلبة، مثل تحالف تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي مع تنظيم القاعدة المركزية، والتحاق العديد من المجموعات الأخرى، مثل بوكوحرام بتنظيم داعش. لكن يوجد أيضاً في هذه الثقافة الطائفية للجهاد أو الثقافة المضادة، شبكات صغيرة حرة تعدّ وفق قاعدة منظر الجهاد أبو مصعب السوري "نظاماً وليس تنظيماً"، والتي تتبع حالياً مصفوفة مدمرة من الحركة الجهادية، غالباً ما تنعكس في الهجمات المنتظمة والارتجالية تقريباً، حيث يتم اختيار الأهداف بكل حرية كما هو الحال في هجوم نيس يوم 14 يوليو/تموز 2016".

الفكر الإسلامي
تزوير التاريخ

وأكد الدفراوي إن مسيرة الحياة الجهادية من جبال الأفغان لحد اليوم، لا يمكن تفسيرها مطلقاً دون البعد الطائفي الذي يشكل جوهر الحركة الجهادية. نحن اليوم أمام ثلاثة أجيال من الجهاديين: الجيل الأول انطلق من غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان إلى الجزائر في التسعينيات، مروراً بالبوسنة؛ في حين يمثل الجيل الثاني تنظيم القاعدة، ويتموضع الجيل الثالث بين غزو العراق سنة 2003 وظهور داعش. حالياً يستلهم الجهاديون التاريخيون من الجيلين الأول والثاني الشباب صغار السن، حيث نجد اميدي كوليبالي أحد منفدي الهجوم على سوبر ماركت كاشير، ومرشده جمال بغال، الذي بعد أن كان مقاتلاً في الأوساط الجهادية الأوروبية في التسعينيات، التحق بأفغانستان سنة 2000. ففي هذا الجهاد بين الأجيال ذي الهندسة المتغيرة، يمكن لتنظيمين متنافسين أن يدعيا أنهما طرف لسلسلة الهجمات نفسها، كما تشهد على ذلك الهجمات المنسقة ضد صحيفة شارلي إيبدو من قبل الإخوة كواشي باسم تنظيم القاعدة في اليمن، وكذا حصار سوبر ماركت كاشير على يد اميدي كوليبالي باسم تنظيم داعش. 
إن الإسمنت الذي يربط الجهادية وأتباعها في الضواحي الفرنسية بشاب سوري أو شيشاني، على الرغم من أهدافهما المختلفة جداً، يتمثل في الأساطير المركزية للخلاص والاستشهاد الكاذب. ومع ذلك، فهذا لا يعني أن قادة تنظيم داعش لا يسعون لأهداف جيوستراتيجية، سياسية أو اقتصادية، لكن دون الطابع الطائفي للجهادية لن تتحقق مشاريعهم".
ولفت أن تدمير خلافة داعش اللعبة عسكرياً، لا يعني نهاية الجهادية. إذ لم تنجح الحملة العسكرية ولا مكافحة الإرهاب في مواجهة هذه الظاهرة؛ لأن محاربتها تتطلب مقاربة كلية وشاملة من شأنها أن تسلط الضوء على مختلف الأسباب الجذرية للظاهرة الجهادية. أي دحضها إيديولوجياً، والنضال ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي والاستبعاد والإقصاء الاجتماعي بأوروبا، ولاسيما مع جيراننا في جنوب البحر الأبيض المتوسط، الذين يحتاجون إلى تضامننا وإلى خطة وبرنامج مارشال، وهذا في مصلحة أوروبا أولاً. كما يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دوراً مهماً في هذا المجال. وبشكل خاص مجال السمعي البصري، الذي غالباً ما يقع في فخ دعاية بروباكوندا تنظيم داعش، فبدلاً من تركيز الانتباه على صور التدمير المريبة، وصور اللاجئين والأعمال الوحشية المرتكبة من طرف الجهاديين، كان ينبغي فسح المجال أكثر للمجتمع المدني لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، لا يزال بعض النشطاء والفنانين منذ الربيع العربي يقاومون، بصعوبات كبيرة، تطرف الجهاديين والأنظمة الاستبدادية؛ إذ يؤكدون أننا - نحن الأوروبيين - تجمعنا مع جيراننا في جنوب البحر الأبيض المتوسط أشياء كثيرة أكثر مما تفرقنا.
وخلص الدفراوي إلى أن مكافحة الظاهرة الجهادية ستتطلب عشرات السنين من الجهود الجماعية المتضافرة لمجتمعاتنا، كما ستتطلب أيضاً رؤية مجتمعية قوية وشجاعة لمواجهة كذب الجهادية، واقتراح بديل حقيقي لها.
يذكر الكتاب تتبع تاريخ ومسار الظاهرة الجهادية، وكذا إيديولوجيتها ودور الدعاية في انتشار وتطور هذه الحركة، مستهلاً الكتاب بالتمييز بين الإسلاموية والسلفية والجهادية، مستعرضاً ومحللاً نشأة الجهاد العالمي ومسار تطوره وبلورته، انطلاقاً من غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان إلى الجزائر في التسعينيات، مروراً بالبوسنة؛ ثم صعود تنظيم القاعدة، وأخيراً ظهور تنظيم داعش وتوسعه الصاعق. 
كما تطرق الكاتب إلى دور الدعاية الجهادية "البروباغندا" في انطلاق مشهد الإرهاب، متناولاً المشكلات التي فرضتها الحركة الجهادية، وكذا السياسات المتخذة من أجل مكافحة التطرف في بعض الدول وخاصة في فرنسا، محللاً في الختام أطروحات زملائه المتخصصين "أوليفييه روا، جيل كيبل..."، مستخلصاً أنه لا يمكن تفسير الجهادية دون البعد الطائفي الذي يشكل جوهر الحركة الجهادية، وأنَّ هذا الشر لا يمكن هزيمته إلاَّ بالنضال ضد الظلم والإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، كما تتطلب محاربة هذه الظاهرة مقاربة كلية وشاملة، ورؤية مجتمعية قوية وشجاعة لمواجهة ودحض الإيديولوجية الجهادية.