باحث يمني يرى أن الزمن مكون من مكونات الصُّورة الشعرية

عبدالعزيز الزراعي يلقي الضوء في كتابه "الزمن في الصًّورة الشعرية.. دراسة لسانية في شعر البردوني" على عنصر جوهري من عناصر هذا الخطاب وهو الصُّورة الشعرية.
النَسَق الزمني للصورة الشعرية معالجة لسانية شمولية تنتقل من الجملة الشعرية الصغرى إلى البنى الكبرى المتمثلة في النصوص والخطابات الشعرية
الباحث اليمني يتناول الأثر الانزياحي الذي أحدثته الصُّورة فزحزحت الأفعال عن مقولاتها الزمنية المعجمية

ظلَّتِ الصُّورة الشعريةُ محلَ اهتمامِ علماءِ الشعريةِ زَمَناً طويلاً، وظل الزمن محل اهتمامِ الجميعِ؛ علماء الشعريةِ، والفلاسفةِ، وعلماءِ المنطقِ، واللسانيين، غير أن هؤلاء الأخيرينَ استطاعوا في السنوات الأخيرة أن يُحدِثوا ثورةً لسانيةً ألقتْ بظلالها على مجالاتٍ لم تكنْ لتصل إليها، والتقتْ في كنفِها ظواهرُ لم تكن لتجتمع من قبل، ومنها الزمن والصورة الشعرية موضوعُ هذا الكتاب "الزمن في الصًّورة الشعرية.. دراسة لسانية في شعر البردوني" للشاعر والناقد اليمني د.عبد العزيز ناصر الزراعي، والصادر أخيرا عن دار الانتشار العربي.
يلقي الزراعي الضوء في كتابه الصادر عن دار الانتشار العربي على عنصر جوهري من عناصر هذا الخطاب وهو الصُّورة الشعرية، محددا زاويةً من زوايا الصُّورة وهي الزمن؛ ليحلل بنياته اللغوية وعلاقاته ودلالاته وإحالاته، على المستويات التركيبية والدلالية والتداولية، بحثاً عن إسهامات الزمن (زمن الصُّورة الشعرية) في تحقيق انسجام الخطاب الشعري، وتحقيق وظائفه الخطابية وعلى رأسها الوظيفة الشعرية، متخذا الخطابَ الشعريَّ لدى الشاعر اليمني عبدالله البردوني أنموذجاً للتطبيق.
ومن ثم النَسَق الزمني للصورة الشعرية معالجة لسانية شمولية تنتقل من الجملة الشعرية الصغرى إلى البنى الكبرى المتمثلة في النصوص والخطابات الشعرية، ونظراً إلى الطبيعة التأليفية لمتغيري البحث (الزَّمَن) و(الصُّورة الشعرية)، وتكونهما من نَسَقين مختلفين سعينا إلى تشييد للنَسَق المشترك بينهما، فقد انتهج الزراعي في سبيل ذلك مسارين اثنين: الأول عرض عناصر كل نَسَق على حدة من خلال الأدبيات اللسانية واستنباط الفرضيات منها، والتي أشارت جميعها إلى توازي النَسَقين وإمكانيات تفاعلهما واندماجهما في نسَق أكبر هو النَسَق اللساني، والتواصل إلى نتائج مثلت فرضيات إجرائية ثم وفقاً لها مقاربة التشييد لنَسَق واحد. والثاني تشييد النَسَق الزمني للصورة الشعرية، وقد انطلق من فرضيات المسلك الأول وتوجيهات النَسَق اللساني نفسه المكون من ثلاثة مستويات بنيوية (الدلالي، التركيبي، التداولي)، فاتخذ التشييد ثلاثة مستويات إجرائية: التشييد المعجمي والدلالي والتركيبي.
فيما يتعلق بالتشييد المعجمي والدلالي درس الزراعي الأثر الانزياحي الذي أحدثته الصُّورة فزحزحت الأفعال عن مقولاتها الزمنية المعجمية كجهة الإتمام، والأنشطة، والإنجاز، والحالة ـ والتدرج والعادة.. إلخ، ويتعالق هذا المستوى مع علم الدلالة المعجمي. كما عالج في هذا المستوى قواعد دلالة أزمنة النص الكبرى موظفا مقولاتِ علم النص في قواعد الانسجام كـ (التضام، والسببية.. إلخ)، موضحا كيف حقق الزمَن قواعد انسجامه، وتم استثمار قواعد التوليد الدلالي والمعجمي في تفسير كثير من البنى الزمنية التي لا تبدو متسقة التركيب، وكذا تفسير علاقات السبق والتواقت والولاء الزمَنية التي يبدو بناؤها غير متسق في السلاسل الزمنية المكونة للنصوص الشعرية.

الصُّورة الشعرية تعمل كموجه تداولي من أجل الوظيفة الشعرية في الخطاب، إما عبر الالتفات الزمني في الصيغة الصرفية، وإما عن طريق توجيه دلالة الجهة المعجمية أو الجِهَة التركيبية للأفعال لتحقيق وظائف شعرية كثيرة، كالتوازي الدلالي والمعجمي، والتوازي التركيبي

وعلى مستوى التشييد التركيبي عالج الزراعي الزمن تركيبياً داخل الصورة الشعرية معالجة لسانية موظفا معظم مقولات الاتجاهات اللسانية التركيبية في دراسة الجِهَة الزمنية والموجه والوجه، متأملا صيغ الزمن الصرفية وإمكانيات تحولها في الصُّورة الشعرية، ودرس أيضا الانزياح في جهات التركيب الزمنية (جِهَة الاكتمال، وجهة التدرج، وجهة العادة وجهة التكرار) وتفاعل ذلك مع سِمَات العدد والتفريد والتعريف في المركبات الاسمية، وكذا درس آليات دمج الجمل والإمكانات الزمنية التي يمنحها التركيب في الصورة الشعرية.
كذا تفحص الزراعي إمكانية اعتبار (الصُّورة الشعرية) ضمن المُوَجِّهَات التركيبية لبناء الزمن ودلالته في الجملة العربية بشكل عام. ليخرج من دراسة تركيب الجملة (البنى الصغرى) إلى تركيب النص (البنى الكبرى) معالجا الترابط التركيبي لأزمنة الصُّورة الشعرية في نص كامل، وواقفا عند النقاط الزمنية الثلاث المكونه كل نص: (الزمن المعطى الأولى، والأزمنة الإشارية والأزمنة الإحالية) وتوجيهات الصُّورة الشعرية لعلاقات ربطها ودمجها، من خلال قواعد لاتساق كالعطف والإدماج التركيبي، والتشبيه بأداة التشبيه والالتفات الزمني والتركيبي، وكل هذا لم يحدث بمعزل عن التفاعل مع معطيات المستويين الآخرين (الدلالي والتداولي).
أما على مستوى التشييد التداولي فعالج الزراعي أزمنة الصُّورة من خلال سياقها التداولي الداخلي الذي يشكله الانزياح بشكل كبير، أي ما تفرضه الصُّورة من متوالية زمنية ذات سِمَات تتناغم مع طبيعى الصُّورة والوظيفة الشعرية. ثم معالجتها من خلال سياقها التداولي الخارجي المتمثل في جملة التصورات الموجودة في الخطاب الشعري كجنس أدبي، وطبيعة الإحالة الزمنية في هذا الجنس، ومن ضمن السياق الخارجي، زمن القول ومكانه وحالة صاحب القول. وكذلك من ضمن السياق الخارجي لأزمنة الصُّورة المعرفة بالعالم والتراكمات الثقافية لأمة معينة متمثلة في أزمنة تناصية؛ فقد يرفض التركيب والدلالة العلاقة الزمنية بين عناصر الصُّورة فيسوغها السياق التداولي لزمن الصُّورة في الموروث الثقافي الجمعي.
ورأى الزراعي أن كون اللسانيات علم يطمح إلى أن يُفَسِر النظامَ اللساني المتكامل للإنسان فإن دراسته للنَسَق الزمني ـ داخل أي لغة ـ ستظل قاصرة ما لم تتجاوز نَسَق الجملة إلى انساق النصوص أولاً، وتتجاوز ثانياً الخطاب العادي إلى أجناس الخطابات الأخرى، ومنها الخطاب الشعري على الخصوص. وفي المقابل فإن أي دراسة لسانية لوظيفة اللغة الشعرية ستظل قاصرة ما لم تتجاوز أولاً الانزياح في الجملة إلى الانزياحات في النص وتعالقاتها، ومن ثم تتجاوز ثانياً الانزياحَ في الدلالة إلى الانزياح الزمني، باعتبار أن كل العلامات اللغوية وخصوصاً الأفعال مَوْسُومةٌ زَمَنِيًّا، وأن أيَّ انزياحٍ في بنيتها الدلالية سينسحبُ على بنيتها الزمنية والجهية المعجمية والتركيبية.
وأضاف "بما أن الصورَ الشعرية هي الانزياحاتُ عن مَسْرَحِ النص، والتمدداتُ خارجَه وداخَله، رأينا أنها هي أحوج ما يكون إلى قواعد التماسك النصي، بل تكْمُنُ عبقرية النص الشعري في قدرته على إعادة هذه الصور الجامحة إلى فضاء النص عبر قواعد انسجامِه واتساقِه، والمُلاَحَظُ أن الصورة الشعريةَ غالباً هي التي تمنح الأجزاءَ الأخرى في النص نظامَ تماسكِها، وتخلق لها منطقاً جديداً تنتظم فيه، ومن ثم فإن أزمنَتَها هي التي تمنحُ أزمنةَ النصِّ إحالاتِها، وتماسكها النحوي والمعجمي، وتؤولها تأويلاً منزاحاً عن تأويلها الوضعي؛ لذا يرى أن دراسِة قواعدِ انسجامِ الزمن الشعري ينبغي أن تنطَلِقَ من دراسِة أزمنةِ الصُورةَ، لأن الزمن الشعري زمنٌ لا يمشي إلى الأمام دائماً، إنه زمن غير متسلسل ولا سردي، إنه زمنٌ متكَسِّر، وحيثما تكسَّر الزَّمَن وُجِدَتِ الصُّورة غالباً؛ لأنها انتقالٌ من فضاءٍ إلى فضاءٍ آخرَ، ومن ثم انتقالٌ من زمنٍ إلى زمنٍ آخر.
ولفت الزراعي إلى أن أهمية دراسته بالإضافة إلى الأهَميَّة النابعة من افتقار المكتبة العربية واليمنية إلى دراسةٍ علميةٍ وافيةٍ تتناول الزَّمَن في الصُّورة الشعرية تناولاً لسانياً؛ تَكْمنُ الأهَميَّة العلميَّةُ للكتاب في أنه يحاولُ أن يقدم جديداً في النظر إلى الاستعارة والمجاز من ناحية الزمن فيخدم بذلك علماء الشعرية، ومن جِهَة أخرى يضيف إلى أدبيات اللسانيات الزمنية موجهاً أو وجهاً زَمَنِياً يُمْكِنُ إدراجُه ضمن قواعد التوليد الدلالي، وحوسَبَتُهُ من خلال نظرية السِّمَات الجوهرية والعَرَضِيَّة للأفعالِ والمحمولات.

دراسات أدبية
عبدالعزيز الزراعي

وأكد إن المهمَّةَ الصعبةَ التي اضطلع بها في كتابه هذا تمثَّلتْ في التشييد والبناء لنَسقَ لسانيٍّ مركبٍ من نَسَقين مختلفين نسبياً هما: النَسَق اللساني للزمن في اللغة العربية، والنَسَق اللساني للصورة الشعرية، وهما وإن كانا نَسَقين معطيين سلفاً في النظام اللساني للغات الطبيعية، إلا أن الباحثين ـ أقله في اللغة العربية ـ لم يتفقوا بعدُ على بنيات موحدة وثابتة لكل نَسَق على حدة، فضلاً عن تركبهما في نَسَق واحد هو الخطاب الشعري.
تكوّن الكتابُ من من ثلاثة فصول، الأول للصورة الشعرية وتناولاتها اللسانية؛ حيث تَناول مفهومَ الصُّورة الشعريةِ وإشكالاتهِ المختلفةَ، ثم عرض التناولاتِ اللسانيةَ للصورة الشعرية على مستوى المعجم والدلالة، وعلى مستوى التركيب، وعلى مستوى التداول، ليخْرجَ من كل ذلك بخلاصةٍ وتركيبٍ يحددان التعريفَ الإجرائي للصورة الشعرية وأنساقَها اللغويةَ نصيبَ المكونات الزمَنية فيها، وإجراءات تحليل الصور الشعرية لسانياً والقرائن اللغوية الداله عليها. 
أما الفصل الثاني فتم تخصيصه للزمَن وتناولاته اللسانية، باتجاهاته الثلاثة التركيبي، والدلالي، والتداولي، على مستوى الجملة وعلى مستوى النص، ليخرج من كل ذلك بافتراضات لتشييد النَسَق الزمني للصورة الشعرية. وفي الفصل الثالث يتم تفصيل التشييد والتطبيق؛ فقد تم فيه تشييد النَسَق الزمني للصورة الشعرية من خلال نماذج تطبيقية من شعر البردوني.
وإجمالاً وصل الزراعي إلى عدد من النتائج يُمْكِن تلخيص بعضها في الآتي: أولا أن الزمن مكون من مكونات الصُّورة الشعرية، وأن علاقة الأفعال الزمنية المعجمية تنتظم فيما بينها في مِحْوَر مُجَاوَرَة؛ وعليه فإن النَسَق الزمني للصورة الشعرية نَسَق مؤلف وموجه من قبل علاقات المُجَاوَرَة وعلاقات المُشَابَهَة.
ثانيا أن الأفعال كلها يمكنها الانتقال من نمط جهي إلى نمط جهي آخر عبر توجيه من الصُّورة الشعرية، إما عبر استبدالات فعلية استعارية أو كنائية، أو عبر تشبيهات ـ وأن استعارة الأفعال يحمل تمثيلاً جِهِيًّا في النَسَق الزمني، أي أن الاستعارة الفعلية تمظهر خصائص جِهِيًّة غير مرئية في الفعل المحذوف (المشبه) أو غير متوافرة فيه كخاصية الامتداد والتدرج.. إلخ، كما أن استعارة الأفعال لبعض الأفعال قد تأتي لتعبر عن بنية مِحْوَرِيَّة لا ينهض بها الفعل المستعار له، والتي بدورها تعكس زوايا نظر جِهِيَّة وزمنية. وكلما كان التقارب بين الفعلين كبيراً من حيث الجِهَة المعجمية والأدوار المِحْوَرِية كانت الصُّورة أو الاستعارة ميتة أو أقرب للحقيقة، وأبعد عن الشعرية.
ثالثا أن الصُّورة الشعرية تعمل على توجيه الجِهَة المعجمية لمختلف الأفعال مستثمرة العلاقات الجِهِيَّة بينها، وكذلك العلاقات الزمنية الدلالية سواء في مِحَور المَجَاوَرَة أو المُشَابَهَة، لربط المتواليات الزمَنية في الخطاب وتحقيق انسجامها، وبما يضمن أيضاً تكرارها أو اختزالها لتحقيق وظائف شعرية وسردية كثيرة، وذلك عبر آليات أهمها: (التضام الجهي) و(الربط الدلالي بالتمطيط أو بالكمش).
رابعا أن الصُّورة الشعرية تعمل على توجية الزمن الصرفي في الفعل، إما عبر أزمنة تناصية أو تصورية أو تداولية.
خامسا أن الخرق التركيبي الذي تقوم به الصُّورة الشعرية في إسناد الأحداث إلى كيانات مجازية؛ يؤدي إلى خرق لسمات التأليف الزمني للجهة التركيبية، ومن ثم تفقد الأحداث إحالاتها الواقعية الفردية بسبب ذلك الخرق، ويزدوج فيها تأويل الجهات التركيبية نحو (جِهَة التدرج) وجهة (الاكتمال)، لأنها جهات تتساوق فقط مع السمة (+ محدود) في الاسم.
سادسا أن الصُّورة الشعرية تعمل على توجيه علاقات الإدماج الزمني في الجمل وذلك لأغراض عدة شعرية وتركيبية ودلالية، فقد تأتي الصُّورة الشعرية في شكل حال جملة اسمية، فتجعل الحدث المدمج حالة ممتدة قبل الحدث وبعده، وتلغي فيه جِهَة التدرج المتواقتة.
سابعا أن الصُّورة في الأزمنة المدمجة على شكل جهات تتجه أحياناً لتوسيع الفعل الرئيس وتمديد مساحاته الزمنية، وأن ذلك التحوير والتوسيع أو التضييق في البنية الزمنية لحدث ما يحقق وظائف نصية تؤدي إلى انسجام الزَّمَن النصي كاملاً، من تلك الوظائف النصية تسويغ العطف بين متواليات الأحداث وتجاوز قيوده الزمنية والتركيبية والدلالية.
ثامنا أن الصُّورة الشعرية (المجاز بأنواعه) هي التي تجعل المدلول منفصماً في اللغة الشعرية بين التأويل الزمني المتحقق والتأويل اللازمني، وذلك بسبب الانحراف الذي يتم من خلال الانتقال من السمات الجوهرية للدال إلى السمات العرضية التي تكون عامة ومشتركة في العادة. والصُّورة بذلك تحقق للخطاب الشعري وظيفته الحجاجية المتمثلة في التعميم والمشهدة، من أجل الإقناع والتأثير، ولتبقى رسالته خالدة ومطلقة.
تاسعا أن الصُّورة الشعرية تعمل كموجه تداولي من أجل الوظيفة الشعرية في الخطاب، إما عبر الالتفات الزمني في الصيغة الصرفية، وإما عن طريق توجيه دلالة الجهة المعجمية أو الجِهَة التركيبية للأفعال لتحقيق وظائف شعرية كثيرة، كالتوازي الدلالي والمعجمي، والتوازي التركيبي.