باقازي يوازن 'بين معلقتي امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى'

الباحث السعودي الراحل يستفيد في دراسته من الإنجاز النقدي السابق ويضيف إليه ملامح من الإنجاز المعاصر وخاصة فيما يتعلق بنظرية الألوان وعلاقة اللغة باللون إلى جانب تذوقه وإحساسه الخاص بكلتا المعلقتين.

في محاولة جديدة لقراءة تراثنا الشعري تأتي "بين معلقتي امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى دراسة موازنة" للباحث السعودي الدكتور عبدالله أحمد باقازي الذي رحل عن عالمنا عام 2024، وقد صدرت دراسته عن نادي الطائف الأدبي بالطائف.

لقد استفاد د. باقازي في دراسته هذه من الإنجاز النقدي السابق وأضاف إليه ملامح من الإنجاز المعاصر وخاصة فيما يتعلق بنظرية الألوان وعلاقة اللغة باللون إلى جانب تذوقه وإحساسه الخاص بكلتا المعلقتين.

وقد بدأ د. باقازي دراسته بإبراز أهم ملامح معلقة امرئ القيس التي كانت من أبرزها ملمح الطلل وملمح الفرس وملمح المطر وملمح ما بعد المطر، إضافه إلى  العنصر التشبيهي، كما تحدث عن عدة لوحات تشكيلية في هذه المعلقة الشهيرة والتي استخلصها من الملامح السابقة، فكانت لوحة الطلل ولوحة الليل ولوحة الفرس ولوحة المطر ولوحة ما بعد المطر.

أما عن معلقة زهير بن أبي سلمى فكان أبرز ملامحها ملمح الطلل وملمح الظائعن وملمح المديح وملمح الحرب وملمح الحكمة، في حين كانت اللوحات التشكيلية لهذه المعلقة هي لوحة الطلل ولوحة الظعائن ولوحة المديح ولوحة الحرب.

وبعد إجراء موازنة دقيقة بين المعلقتين استطاع المؤلف أن يرصد عددًا من النتائج جاءت على النحو التالي:

 في ملمح الطلل: جاءت معلقة امرئ القيس في صورة مخاطبة لصاحبيه، وظهر عامل الحزن بوضوح، وغاب الحيوان على الرغم من ظهور أثاره، وبرز العنصر النباتي في المعلقة، ولم يظهر العنصر الزمني، كما يتضمن عدم ظهور ملامح الطلل بوضوح. أما في معلقة زهير فقد غاب جانب المخاطبة، وعلى الرغم من وجود الحزن الصامت إلا أن هذا الحزن لم يظهر بوضوح، ويلاحظ عدم وجود عنصر النبات، وفي حين ظهر بوضوح العنصر الزمني وملامح الطلل، والحيوان.

عنصر الحيوان والطير: ظهر عنصر الحيوان والطير بوضوح في معلقة امرئ القيس، وتنوع وتعدد هذا العنصر، في حين أنه لم يظهر هذا العنصر بكثرة في معلقة زهير.

الملمح التاريخي: ظهر جانب تاريخية المكان في معلقة امرئ القيس بمعنى اقتصار المعلقة على ذكر الأماكن دون الأسماء اللهم إلا بعض الأسماء النسوية التي لا تاريخية لها، في حين ظهر جانب تاريخية المكان والأسماء في معلقة زهير حيث تميزت المعلقة بذكر الأسماء التاريخية فضلاً عن ذكر الأماكن.

ملمح الحرب: في معلقة امرئ القيس لا نلمس أثرًا لملمح الحرب، وإنما نلمس إحساسًا بانتصار وهمي للشاعر من خلال وصفه لفرسه الخارق، وانتصار ذلك الفرس على الوحوش، أما في معلقة زهير فإن ملمح الحرب يشكل محور المعلقة وقضيتها الرئيسية حيث دارت معظم أجزاء المعلقة حول ذلك الأمر، وحيث يعد ملمح الحرب وثيقة تاريخية فنية.

الملمح الاجتماعي: لم يظهر الملمح الاجتماعي بشكل واضح في معلقة، امرئ القيس رغم إشاراته إلى بعض المظاهر الاجتماعية، في حين ظهر هذا الملمح بوضوح في معلقة زهير.

الملمح الزمني: تميز الملمح الزمني في معلقة امرئ القيس بالإيقاع القصير وأن أخذ شكلاً بطيئاً حيث إحساس الشاعر بالليل الطويل والهم، في حين تميز هذا الملمح بالإيقاع الطويل في معلقة زهير حيث الإشارة إلى عشرين حجة وثمانين حولاً.

الملمح النفسي: وقد تمثلت مظاهر هذا الملمح في معلقة امرئ القيس في الهم والحزن والشوق الذاتي للانتصار والتأمل، وكان حزن الشاعر صريحاً وواضحاً ومصحوباً بالبكاء والدموع، في حين تمثلت مظاهر هذا الملمح في معلقة زهير في الهمّ والتأمل والتوق للانتصار، وقد اتخذت هذه المظاهر الطابع الجماعي.

الملمح الإنساني: حيث كانت الرؤية في معلقة امرئ القيس مزيجًا من الانفعال / الفن، في حين كانت الرؤية الإنسانية في معلقة زهير مزيجًا من التأمل / العقل.

الملمح الفني: برز جانب التشبيه بوفرة، وكان متعددًا ومتلونًا في معلقة امرئ القيس، في حين ظهر التشبيه في معلقة زهير بشكل محدود وغير متعدد. أما عنصر اللون فقد ظهر بوضوح في معلقة امرئ القيس وتميز بوفرته وتعدده وبلغت الألوان خمسة هي: الأبيض، والأسود، والأصفر، والبني (الكمين) والأحمر، في حين كان بروز جانب اللون في معلقة زهير بدرجة أقل حيث ظهرت ثلاثة ألوان فقط هي الأسود والأحمر والأزرق.

وفي جانب القافية: فقد جاءت قافية معلقة امرئ القيس لامية مكسورة تعكس حدة معاناة الشاعر وهمومه الشديدة، على حين كانت قافية معلقة زهير ميمية مكسورة عكست حرارة الحرب التي عاشها الشاعر وحمحمة لهيبها المستعر.

والخلاصة أن الملمح الفني في معلقة امرئ القيس كان أشد بروزًا مما هو عليه في معلقة زهير بن أبي سلمى.

لا شك أنها رحلة تاريخية وفنية وشعرية ممتعة تلك التي اصطحبنا خلالها الدكتور عبد الله باقازي من خلال موازنته بين معلقتين من أشهر معلقات العرب، ولا شك أننا في حاجة إلى المزيد من هذه القراءات الجديدة لتراثنا الشعري والنقدي أيضاً، حتى نكون جادين حقًّا في قراءة ودراسة وتقديم تراثنا المتعدد الجوانب إلى الدارسين وإلى الأجيال الحالية والقادمة.