باليرمو.. وكر حمام أبيض!

إذا حضر الكبار، يصبح الخلاف السياسي في ليبيا كذبة كبيرة. المصالح تصالح.

الكل يحب إيطاليا، وسيحبها الليبيون - في مضارب السلطة- قبل أن يقع في حبها باقي الليبيين، الذين سيجنون ثمار مؤتمر باليرمو الدولي، والذي أراهن بكل ما سيضاف إلى أرصدة من سيحضرون مكرهين مرغمين هذا المؤتمر، ويوقعون ويلتزمون وليس كما اعتادوا وتعودوا من قبل، أنه سينجح وسيعفي الليبيين من ويلات مراهقات المتسلطين من إخوانهم.

أبشركم.. سينجح مؤتمر باليرمو بامتياز، وستتغير المجريات وتخلع أقنعة وتلبس أقنعة أخرى، وسيوضع كلاً في المكان الذي يراد له، وتباركهم المستشارة أنجيلا ميركل في المقام الأول، ويبخرهم رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي في حضور الرئيس ترامب والرئيس بوتين، وسيكون على جميع الليبيين الذين ظلوا يقامرون بمصير الأبرياء والضعفاء، أن يلقوا ما في أيديهم، ويمتثلوا طوعاً أو كرها وهم مخيرون في طريقة الامتثال وليس في الامتثال ذاته، لما سيتم إخراجه بمؤتمر باليرمو!

أنبئكم سيحضر الجميع بلا استثناء، وسيتصافحون وكأنهم أخوة بعد أن يرتدي كلاُ قناعه، رغم علمه ويقينه أن كل الحضور يعلمون بأمر القناع ويرون ما تحته، وسيرتدي آخرون من غير الليبيين أقنعة، لن تغني عنهم شيئا، ولن تضيف لهم شيئا، فاللعبة انتهت ولم يعد هنالك مجال لإرهاق الأوربيين والأميركان ودول الجوار أكثر مما حدث.

سيمشي كونتي واثق الخطى وملكاً – بكسر اللام وفتحها- وسيكون شهي الكبرياء، وسيكون على الفرقاء الليبيين، الذين لم ينظروا إلى التعساء في بلدهم، وعز لقاءهم وتباعدت أطماعهم أن يلتقوا في باليرمو كما شاءت لهم الأقدار وأراد زعماء أوروبا، وإن أنكروا بعضهم وتعاملوا كغرباء وغرماء، وحاول كلٌ منهم أن يركض وراء أطماعه وغاياته الشخصية، فإن كل مشيئاتهم ستخفق وتحبط وتعلو برغمهم مشيئة الحظ الذي صار اسمه إيطاليا.

لن تعطى حريات للفرقاء الليبيين، ولن تطلق أيدٍ، وستوضع القيود في المعاصم، وسيجبر الجميع على صون الوعود، وستلتئم كل الجراح وتغلق كل الملفات، وسيتعلم الجميع تذكر العهود ونسيان الخلافات، ولن يجد التذكار مكاناً ليجلس فيه بثيابه الرثة الملطخة بشعارات بدائية وقيم زيرية (نسبة للزير) وقناعات جاهلية ملوثة، وسيكون كل شيء بنكهة المذل المنعم.

سترون ما أقول بأم أعينكم.. ولن ينقص مؤتمر باليرمو إلا صداح أم كلثوم الملوكي، وسيمثل وجود الرئيس السيسي ضمانة إضافية لما سيتفق عليه الفرقاء، وسيحضر كل العرب وجامعتهم وكذلك أفارقة واتحادهم، ليشهد الجميع على نهاية العبث ونجاح إيطاليا فيما فشل فيه العرب وفرنسا.

الصراع في حب إيطاليا سيكون على أشده بين أميركا وروسيا، وستكون ألمانيا وفرنسا محرجتين من إبداء الكره أو حتى الحسد، وستبتلع كل الدول التي أرادت إطالة الأزمة الليبية ومفاقمتها سكاكينها، وتنسى أطماعها ومصالحها التي تجنيها من شقاق الليبيين وتذعن دون قيد، لأن مؤتمر باليرمو يعد بداية مرحلة جديدة، وضعت استراتيجياتها بدقة ومنذ فترة.

حان وقت سطوع إيطاليا، وعودة عبق الرومان إلى دهاليز السياسية، فما يحدث في أوروبا يؤكد انهيار اتحادها وتغير موازينها، والدور الذي ستلعبه إيطاليا سيعيد الحياة إلي كل ما حكمت عليه ألمانيا بالشلل، خصوصاً وأن كونتي رجل "الريح تحطب له".

ستجدون ما أقول.. وستعلمون أن الخلاف السياسي كذبة كبيرة، وأن المصالح تصالح!