باماكو تنفي ووزارة الدين تؤكد تفويضها للتفاوض مع الجهاديين

الحكومة في مالي تعلن أنها علمت بتفويض وزارة الشؤون الدينية بالتفاوض مع الجهاديين من وسائل إعلام، في تطور يشير إلى انقسامات وحالة من الإرباك وسط توتر مع فرنسا التي تتهمها باماكو بالتخلي عنها.
ماكرون لم يختر الحرب في مالي بل ورثها ولم ينجح بالفوز بها
حقيقة المناقشات بين مالي وبعض الجماعات الجهادية لم تكن موضع شك

باماكو - نفت حكومة مالي مساء الخميس تكليف أي شخص بالتفاوض مع جهاديين معيّنين، بعد أيام من إعلان بهذا الصدد من قبل إحدى وزاراتها، مشيرة إلى أنها علمت بهذا الأمر على أهميته وحساسيته من وسائل الإعلام !

ويسلط هذا الإعلان الضوء على انقسامات وحالة من الإرباك حول الحوار مع جماعات متطرفة في خضم توتر مع فرنسي التي قررت إنهاء عملية برخان العسكرية بعد نحو سبع سنوات من إطلاقها من دون أن تنجح في تحقيق أهدافها، ما شكل ضغوطا شديدة على الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الذي تتهمه باماكو بالتخلي عنها.

وجاء في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أن "الحكومة تبلغ الرأي العام الوطني والدولي بأنه حتى الآن لم يتم تفويض أي منظمة وطنية أو دولية رسميا للقيام بهذا الأمر".

وأضاف البيان "عندما ترى حكومة جمهورية مالي أنه من المناسب بدء مفاوضات مع جماعات مسلحة أيا كانت، سيبلّغ الشعب المالي من خلال القنوات المناسبة".

وتؤكد الحكومة أنها علمت "من الصحافة" أن البلاد بدأت مفاوضات مع قادة جهاديين، لكن وزارة الشؤون الدينية أصدرت بيانا الأسبوع الماضي قالت فيها إنها كلّفت رسميا بملف الحوار مع بعض الجماعات الجهادية.

ونقل البيان عن وزير الشؤون الدينية محمدو كوني قوله إن مكتبه كلف بـ"مهمة المساعي الحميدة مع جماعات مسلحة متطرفة" وهو بدوره كلف المجلس الإسلامي الأعلى في مالي بالتنفيذ "الميداني" خلال اجتماع عقد في 12 أكتوبر/تشرين الأول. والمجلس الإسلامي الأعلى هو هيئة للحوار مع السلطات يجمع القادة والمنظمات الدينية.

وكانت صور الاجتماع بين المجلس والوزير المالي الذي "يشرح" للمجلس "مهمات المساعي الحميدة" منشورة على حساب الوزارة في فيسبوك. وقال رئيس ديوان الوزارة دام سيك "اتضح إداريا الآن أن وزارتنا هي المسؤولة عن الملف".

ولم تكن حقيقة المناقشات بين السلطات في مالي وبعض الجماعات الجهادية موضع شك للخبراء منذ فترة طويلة حتى قبل أن يقر الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا منذ إطاحته على يد الجيش، بوجود اتصالات في هذا الصدد في فبراير/شباط 2020.

ويبدو أن حوارا مع الجهاديين يتعلق بشكل أساسي بالزعيمين الجهاديين أمادو كوفا وإياد أغ غالي ومجموعتيهما المرتبطتين بتنظيم القاعدة وليس تنظيم الدولة الإسلامية. ولطالما أبدت فرنسا، الحليف الرئيسي لمالي، رفضها لهذا الحوار.

وتشهد العلاقات بين باماكو وباريس أخطر أزماتها منذ بدء الانخراط الفرنسي في البلاد عام 2013. وندد رئيس وزراء مالي بقرار فرنسا تقليص عديدها في منطقة الساحل بحلول العام 2023 وقال إن فرنسا "تخلت في منتصف الطريق" عنها.

وتعتبر باريس أن لجوء باماكو المحتمل إلى شركة فاغنر الخاصة الروسية يتعارض مع الوجود الفرنسي.

وعلقت صحيفة 'لوموند' الفرنسية في عددها اليوم الجمعة عن حالة الفتوتر في العلاقات بين مالي وفرنسا، متحدثة عن "عزم الحكومة الانتقالية المالية التفاوض مع تنظيم القاعدة ما يؤجج حالة التوتر القائمة مع باريس".

وعرضت صحيفة 'لوفيغارو' بدورها لهذا التطور، مشيرة إلى أن شوغيل مايغا رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في مالي يستفز فرنسا بنزعته الشعبوية.

وجعلت صحيفة 'ليبيراسيون' من التطورات  المتعلقة بتقليص فرنسا عديد قواتها في مالي موضوعا لغلافها، مخصصة ملفا كاملا لهذه التطورات، مشيرة إلى أفول عملية برخان العسكرية التي أطلقت قبل نحو سبع سنوات وبدأت تلملم أوراقها هذه الأيام.  

ووصفت الصحيفة في افتتاحيتها قرار ماكرون بإنهاء عملية برخان العسكرية وتقليص عدد القوات الفرنسية من 5100 جندي إلى نحو 2500 جندي واقتصار مهامه على المشورة العسكرية والمساعدات اللوجستية، بأنه "عاقل" لأن برخان هي "حرب لم يخترها ماكرون لا بل ورثها ولم ينجح بالفوز بها".

كما تحدثت عن "تجاوزات كلفتها مئة مليون يورو سنة 2019 عدا عن الخسائر بالأرواح التي بلغت 52 قتيل في صفوف الجيش الفرنسي".

وتحدثت الصحيفة الفرنسية كذلك عن تراجع وتردي مستوى العلاقات بين باريس وباماكو، مضيفة أن الأمر ذاته ينسحب على الوضع على الأرض بين عناصر الجيش الفرنسي والمدنيين الماليين، خاصة منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.