بايدن يرفض انسحابا متعجلا من أفغانستان

الرئيس الأميركي يعلن أن سحب القوات الأميركية سيبدأ اعتبارا من الأول من مايو على أن يكتمل في 11 سبتمبر، داعيا حركة طالبان إلى تنفيذ التزاماتها وحملها المسؤولية عن اي هجمات تستهدف قوات التحالف الدولي.
مستقبل أفغانستان على المحك بعد تأكيد الانسحاب الأميركي
الانسحاب الأميركي يثير مخاوف من حرب أهلية
محللون يحذرون من موجة عنف بمجرد سحب بايدن للقوات الأميركية

واشنطن/كابول - أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الأربعاء أن بلاده ستبدأ في سحب قواتها بصورة نهائية من أفغانستان اعتبارا من الأول من مايو/أيار على أن تكمل ذلك قبل 11 سبتمبر/أيلول في تصريح موجه لحركة طالبان التي علّقت مشاركتها في مؤتمر اسطنبول الذي يستضيف الفرقاء الأفغان ويهدف لإعطاء دفعة لمحادثات السلام المتعثرة.

وتابع بايدن "الولايات المتحدة ستبدأ انسحابها النهائي في الأول من مايو هذا العام. لن ننفذ خروجا متعجلا. سنفعل ذلك بشكل مسؤول وآمن وبالتنسيق الكامل مع حلفائنا وشركائنا الذين لديهم الآن قوات أكثر منا في أفغانستان"، مضيفا أنه تحدث مع الرئيس السابق جورج دبليو بوش بشأن هذا القرار.

وحثّ حركة طالبان على الوفاء "بالتزامها" لجهة مكافحة الإرهاب. وقال "نحمل طالبان مسؤولية التزامها عدم السماح لأي إرهابي بتهديد الولايات المتحدة أو حلفائها من الأراضي الأفغانية"، مطالبا باكستان خصوصا ببذل المزيد من الجهود لمساعدة أفغانستان.

وأرخى إعلان أميركي سابق بسحب القوات الأميركية من أفغانستان اعتبارا من سبتمبر/ايلول بظلاله على محادثات سلام من المنتظر أن تستضيفها تركيا خلال هذا الشهر بطلب من الولايات المتحدة.

ووجد بايدن نفسه عالقا في التزام تعهد به سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب بسحب جميع القوات في مايو/ايار، حيث أن تنفيذ هذا الالتزام يبدو صعبا بينما لم يمض على تولي الإدارة الأميركية الجديدة بضعة أشهر وهي ملزمة في الوقت ذاته بتنسيق أي انسحاب مع حلفائها الذين ينشرون قوات على الأرض في أفغانستان.

كما أن الانسحاب السريع سيخلف فراغات أمنية خطيرة بينما تبدو القوات الأفغانية غير جاهزة لمواجهة التحديات الأمنية بمفردها، حيث يوفر التحالف الدولي بقيادة واشنطن غطاء جويا مهما في ملاحقة الجماعات الإرهابية وبينها الفرع الأفغاني لتنظيم داعش.

كما يوفر التحالف الدولي معلومات استخباراتية مهمة ساعدت إلى حد كبير في إحباط هجمات ارهابية.

ومن شأن إعلان واشنطن انسحاب كامل القوات الأميركية من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول في الذكرى العشرين لاعتداءات 2001، أن يطمئن من يريدون نهاية الحرب، لكنه يثير قلق من يخشون عودة طالبان إلى الحكم.

اتفاق واشنطن وطالبان لم ينه موجة العنف في أفغانستان
اتفاق واشنطن وطالبان لم ينه موجة العنف في أفغانستان

وسيتم انسحاب الولايات المتحدة بالتنسيق مع حلفائها وبعد أشهر عدة من موعد الأول من مايو/ايار الذي تضمنه اتفاق فبراير/شباط 2020 بين إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وطالبان.

وبعد نزاع استمر عقدين، يستمر طرح التساؤلات عن مستقبل أفغانستان وسط عدم وجود مؤشرات على إمكانية توقف أعمال العنف.

وفي ظل غياب وقف لإطلاق النار قابل للاستمرار بين طالبان والحكومة، يرى العديد من المحللين والسياسيين وحتى المواطنين أن البلاد ليست في منأى من حرب أهلية جديدة، على غرار تلك التي أعقبت الانسحاب السوفييتي أواخر ثمانينات القرن الماضي.

وقال الخبير المستقل نيشانك متواني "الحرب ستشتد وستصبح أكثر قذارة وستتواصل حتى تستولي حركة طالبان على الحكم في ما سيتبقى من كابول"، مضيفا أن "الانسحاب الأميركي سيدمر أي أمل لدى الأفغان الذين يؤمنون بحكومة تستند إلى تقاسم السلطة والمصالحة والسلام الدائم".

وأعلنت بعثة المساعدة للأمم المتحدة في أفغانستان الأربعاء أن 573 مدنيا قتلوا وأصيب 1210 في الربع الأول من هذا العام.

وعلق رئيس البرلمان الأفغاني مير رحمن رحماني بالقول إن "التجارب المؤلمة الماضية ستتكرر".

وتقول السلطات الأفغانية إن 300 ألف جندي وشرطي ينفذون حاليا 98 بالمئة من العمليات ضد المتمردين، لكن سلاح الجو الأميركي لا يزال يضطلع بدور أساسي عبر تقديمه إسنادا حيويا للعمليات على الأرض.

ويرى العديد من المحللين أن عزم القوات الأفغانية سيكون على المحك إذا غاب هذا الدعم الجوي.

وقال المحلل السياسي فؤاد كوشي إن القوات الحكومية "ستصمد ما دامت تتلقى تمويلا"، مضيفا "لكن القضية لا تكمن في معرفة ما إذا كانت تملك القدرة، بل في مدى قدرة هذا النظام وهذه الحكومة الفاسدة على البقاء".

وتسيطر طالبان أو تدعي السيطرة على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية وخصوصا قسم كبير من المناطق الريفية والطرق الإستراتيجية. لكن المتمردين لم يسيطروا يوما على المدن الكبرى أو على الأقل لم يستحوذوا عليها لوقت طويل.

ورغم ذلك، يواصلون ترهيب سكان تلك المدن الذين يواجهون في شكل شبه يومي تفجيرات واغتيالات محددة الأهداف.

الانسحاب الأميركي المتعجل سيخلف فراغات أمنية خطيرة يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة
الانسحاب الأميركي المتعجل سيخلف فراغات أمنية خطيرة يمكن أن تستغلها الجماعات المتطرفة

وأعد الرئيس الأفغاني أشرف غني خطة تشمل اتفاقا سياسيا مع طالبان ووقفا لإطلاق النار وانتخابات رئاسية.

ويؤيد الأميركيون تشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها طالبان.

لكن المتمردين رفضوا على الدوام الانتخابات على أنواعها. وفي رأيهم أن أفغانستان يجب أن تصير مجددا إمارة يحكمها مجلس ديني، مستعيدين بذلك حقبة حكمهم بين 1996 و2001.

وجرت أربعة انتخابات رئاسية منذ 2001 وأيد ملايين الأفغان هذا النظام الديمقراطي التعددي رغم اتهامات عدة بالتزوير. واليوم، يخشى محللون كثيرون أن تكون المكتسبات الديمقراطية خلال العقدين الأخيرين من دون طائل.

وقال متواني إن "قرار بايدن الانسحاب من أفغانستان يضمن عودة طالبان وقبل ذلك انهيار الحكومة واندلاع حرب أهلية متعددة البعد والقضاء على الديمقراطية".

وتبدو النجاحات التي أحرزت في الأعوام الأخيرة على صعيد حقوق النساء مهددة. وكان نظام طالبان حرم النساء غالبية حقوقهن عبر حظر توجه البنات إلى المدارس وصولا إلى رجم النساء المتهمات بالزنى.

ومنذ 2001 ورغم أنهن لا يشكلن سوى أقلية، دخلت بعض النساء سوق العمل وتمكن من أن يصبحن نائبات ووزيرات وصحافيات وحتى قاضيات.

وكررت طالبان أنها ستحترم الحقوق الممنوحة للنساء بموجب الشريعة الإسلامية، لكن موقفها لا يزال ملتبسا.

وقالت مريم صافي مديرة مركز الأبحاث الأفغاني دروبس "حين يقولون إنهم سيحمون حقوق النساء، فإنما بحسب تفسيرهم للشريعة"، مضيفة "غير أن هذا التفسير لحقوق النساء لن يكون مختلفا عن تجربتنا السابقة مع نظام طالبان".

وتعتبر أفغانستان أحد البلدان الأشد فقرا في العالم وتعول بالكامل على المساعدة الأجنبية.

وصحيح أن البلاد تملك ثروات معدنية قد تكون مفيدة ماليا إذا تم استثمارها، لكن الوضع الأمني حال دون ذلك.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وعد المانحون الدوليون بمساعدة مالية حتى العام 2024، لكن لا شيء يضمن أنهم لن يبدلوا رأيهم بعد انسحاب القوات الأجنبية.