'بربريّ، عصريّ، متحضّر' يشكل مقاربة معرفية حول مفهوم الحضارة عبر العصور

كتاب إبراهيم كالين يؤكد أهمية امتلاك تصورات متكاملة ومتوازنة في كل المجالات السياسية والقانونية والتكنولوجية والفنية لأجل اقامة حضارة إنسانية ومستدامة مبنية على العقل والفضيلة والسلام.
الفوارق الرئيسية بين الحضارات ناجمة عن اختلافات على صعيد النظرة العالمية وتصور الوجود

صدرت عن الدار العربية للعلوم ناشرون ترجمة النسخة التركية من كتاب “Barbar, Modern, Medeni"  وجاءت النسخة العربية بعنوان "بربري، عصري، متحضر" وعنوان فرعي "ملاحظات حول الحضارة" والكتاب من تأليف الكاتب التركي إبراهيم كالين ومراجعة وتحرير مركز التعريب والبرمجة في بيروت.
يشكل كتاب "بربري.. عصري.. متحضر" مقاربة معرفية حول مفهوم الحضارة عبر العصور. إذ تمكن، مؤلفه المؤرخ التركي إبراهيم كالين وبمنهجية تحليليّة – تفكيكية فاعلة، من إبراز الهوة المعرفيّة بين عالمين يتباعدان، عالم الحضارة المهيمنة وعالم الحضارات الأخرى التي تبحث عن حضارة بديلة للأولى، فتستهلك الموضوع، لكن دون الإقدام على إبداعه أو صنعه.
في ظل هذا الهم المعرفي – التأريخي، يسعى المؤلف إلى توطيد نظرية عدم إمكانية تأسيس حضارة، إلا من خلال نظرة عالمية وتصور وجود وفكر علمي وإحساس جمالي معين. لأن المقاربات المجزأة لا تسمح بإقامة علاقة متوازنة بين الإنسان والوجود. وبمعنى آخر أهمية امتلاك تصور متكامل ومتوازن في كل المجالات السياسية والقانونية والتكنولوجية والفنية. واعتباره شرط لا بد منه لأجل حضارة إنسانية ومستدامة مبنية على العقل والفضيلة والسلام.
يتطرق الكتاب إلى تاريخ حضارات الصين والهند والأزتيك والحضارات الأوروبية، في سياق ملاحظات مفهومية وتجارب تاريخية، فيعرض أمثلة عن كيفية وجود حالات من البربرية والحداثة والتحضر في آن معاً. 
ثم يحلّل مفهوم الحضارة على صعيدين رئيسيين تاريخي ومفهومي. ويتوقف (أولاً) عند المعاني التاريخية والسياسية والاجتماعية للكلمة ويشير إلى مجالات استخداماتها المختلفة.
 وهذا ما سيقدّم لنا دلائل مهمة حول الطبوغرافيا الغنية لمصطلح الحضارة في المجتمعات المختلفة من جهة، وكيف تحوَّل مع ميلاد الحداثة واضطلع بوظائف متنوعة من جهة أخرى. 
ويعمل ثانياً على وضع تعريف للحضارة وإرساء أسس إطار فلسفي يستند إلى هذا التعريف. ثم يربط بين فكرة الحضارة والنظرة العالمية وتصور الوجود، ويقف عند المعاني التي تعبر عنها بالنسبة للإنسان والمجتمع والطبيعة، ليؤكد أن الفوارق الرئيسية بين الحضارات إنما هي ناجمة عن اختلافات على صعيد النظرة العالمية وتصور الوجود. 
وأما ثالثا فتكمن فيها غاية الكتاب، وهي إجراء محاسبة حضارية. ولهذا الغرض يورد المؤلف رأياً يقول: إن فكرة الحضارة السائدة اليوم تؤدي بنا إلى ما هو ضد – الحضارة، ويُجري تقييماً موجزاً حول مساعي الوصول لحضارة بديلة.