'برسفيرنس' يثب بنجاح على المريخ لحسم السؤال الأكبر للبشرية

أضخم مركبة تُرسل إلى الكوكب الأحمر وأكثرها تعقيدا تهبط على سطحه مجهزة بأحدث ما توصل اليه العلم على كوكبنا للرد على تساؤل وحيد: هل كان هناك أي حياة يوماً خارج الأرض.
للمرة الأولى الهدف العلني لمهمة لناسا هو إيجاد آثار لحياة سابقة على المريخ
العلماء يبعثون عما يسمونه بصمات حيوية، هي آثار لحياة جرثومية
الأعضاء الـ450 المشرفين على هذه المرحلة سيعملون من غرف جلوس منازلهم في أقطار العالم كافة
ميكروفون هو 'الأول على سطح المريخ' سيوفر معلومات عن صلابة الصخرة وأصواتا من الكوكب
ناسا تسعى لجعل مروحية ترتفع في هواء توازي سماكته 1 % من تلك الموجودة في الارض
ستتم تجربة إنتاج الأكسجين مباشرة في الموقع، بواسطة جهاز بحجم بطارية سيارة سميّ 'موكسي'

واشنطن - هبط الروبوت الجوال "برسفيرنس" التابع لوكالة ناسا مساء الخميس على سطح المريخ، بعد رحلة فضائية استمرت سبعة أشهر وعقود من العمل ومليارات الدولارات المنفقة للرد على تساؤل وحيد: هل كان هناك أي حياة يوماً خارج الأرض؟

للمرة الأولى، يكون الهدف العلني للمهمة الفضائية الأميركية إيجاد آثار لحياة سابقة على الكوكب الأحمر من طريق جمع حوالى ثلاثين عينة صخرية على مدى سنوات.

وسيتعين نقل الأنابيب المختومة إلى الأرض عبر مهمة لاحقة في العقد المقبل، بهدف تحليلها وربما إيجاد جواب على "أحد الأسئلة التي تؤرقنا منذ قرون، وهو: هل نحن وحدنا في العالم؟"، على ما قال معاون مدير ناسا لشؤون العلوم توماس زوربوشن.

وتشكل برسيفرنس أضخم مركبة تُرسل إلى المريخ وأكثرها تعقيدا. وهي صُنعت في مختبر "جت بروبلشن" الشهير في كاليفورنيا ويقرب وزنها من طن، وقد جُهزت بذراع آلية يفوق طولها المترين إضافة إلى 19 كاميرا.

وهي ستقوم الخميس بمهمة تنطوي على مجازفة كبيرة في أخطر موقع هبوط على الإطلاق بسبب تضاريسه وهو فوهة جيزيرو.

وبعيد الساعة 20:30 ت غ، دخلت العربة الفضائية الغلاف الجوي للمريخ بسرعة 20 ألف كيلومتر في الساعة، مع حماية من درعها الحرارية التي القيت بعد فتح مظلة أسرع من الصوت. كما أن ثمانية محركات موجهة صوب سطح الكوكب أبطأت حركته قبل نشر إطاراته الستة تمهيدا للنزول عبر أسلاك معلقة من طبقة الهبوط حتى الاحتكاك بالسطح.

وتمكن مسبار "برسيفرنس" من إرسال أولى صوره بعد فترة وجيزة من وصوله.

وفي دليل على أن المهمة أتت نتيجة تعاون دولي، يتابع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صممت بلاده أحد الأدوات العلمية الكثيرة في المسبار، مجريات الهبوط من مقر المركز الوطني للدراسات الفضائية في باريس.

ضربة حظ؟

ويرى الباحثون أن فوهة جيزيرو كانت تضم قبل أكثر من ثلاثة مليارات ونصف مليار سنة بحيرة عميقة بعرض يقرب من 50 كيلومترا.

وقال المسؤول المساعد في المهمة كن ويليفورد "لدينا أدلة قوية جدا على أن المريخ كان يضم حياة في ماض سحيق"، مضيفا "السؤال هو: هل الحياة على الأرض هي بسبب خطأ ما أو ضربة حظ؟"

ومن المقرر البدء بسحب أولى العينات هذا الصيف. ويمكن اعتماد مسارات عدة للحفر في أوساط مختلفة بينها خصوصا النهر والبحيرة القديمة والدلتا المشكّلة من النهر الذي كان يصب فيها.

ويبحث العلماء عما يسمونه بصمات حيوية، هي آثار لحياة جرثومية "قد تتخذ أشكالا شتى"، بينها مثلا أشكال "كيميائية" أو "تغييرات في البيئة"، بحسب مديرة علم الأحياء الفلكي في وكالة ناسا ماري فويتك.

وقد أبدت حماستها الكبيرة إزاء المهمة قائلة "نحن خبراء علم الأحياء الفلكي نحلم بهذه المهمة منذ عقود".

وعدّد العالم المشارك في المشروع كن فارلي الاحتمالات المتوقعة لنتائج المهمة قائلا "إما نجد (آثار) حياة وسيكون ذلك اكتشافا استثنائيا، أو لا يحصل ذلك... ما سيؤشر إلى أن كل البيئات القابلة للسكن ليست مأهولة"، وسيتعين تاليا البحث في مواضع أخرى.

وأشار إلى أن الأعضاء المشرفين على هذه المرحلة والبالغ عددهم حوالى 450 شخصا سيعملون في ظروف استثنائية بسبب جائحة كوفيد-19. وأوضح أن أعضاء الفريق سينفذون المهام الموكلة إليهم "من غرف جلوس منازلهم في أقطار العالم كافة".

كاميرا بالليزر والصوت والضوء

وستساهم كاميرا "سوبركام" التي صممها فرنسيون، والمثبتة في أعلى الروبوت الجوال "برسفيرنس" في درس الصخور بالصوت والضوء، بواسطة أشعة الليزر والميكروفون، بحثًا عن آثار حياة سابقة على الكوكب الأحمر.

وجُهّز الروبوت بجهازيين أوروبيين آخرين هما "ميدا" الإسباني المخصص لقياس العوامل المتغيرة في الغلاف الجوي للمريخ، و"ريمفاكس" النرويجي المخصص لسبر باطن سطح الكوكب.

وتوازي "سوبركام" حجم علبة حذاء، ويبلغ وزنها نحو خمسة كيلوغرامات، وهي ستعمل بـ"قوتها الخارقة" من أعلى الروبوت، وتتكامل مع أدوات التحليل والتحكم الأميركية الصنع الإضافية المثبتة في هيكل الروبوت الجوال.

وقال مصمم الكاميرا عالم الفيزياء الفلكية سيلفستر موريس من معهد أبحاث الفيزياء الفلكية والكواكب "إنها بمثابة ساعة جيوفيزيائية تحدد الاتجاه الذي ينبغي اعتماده لأخذ عينة وفحص بيئتها". وكان موريس صمم أيضاً الشقيقة الكبرى "تشيم كام" التي لا تزال تعمل في المركبة الأميركية "كوريوسيتي" منذ عام 2012.

وأشار موريس إلى أن "سوبركام" ستتولى في البداية إجراء تحاليل كيميائية أساسية مماثلة لتلك التي أجرتها "تشيم كام".

فرأس الكاميرا الجديدة مزوّد جهاز ليزر، من شأن أشعته إذا أُطلقت على صخرة يصل حجمها إلى سبعة أمتار، أن تجعل جزءاً صغيراً منها يتبخر على شكل بلازما. ويتم تحليل الضوء المنبعث بواسطة مطياف يكشف عن "العناصر التي تتكون منها الصخور"، مثل الحديد أو السيليكا أو الألومنيوم. وتتولى كاميرا عالية الدقة، بالألوان هذه المرة، استكمال هذه الملاحظة الأولى لتحديد مميزات الأهداف المختارة.

لكنّ "البحث عن أثار الحياة يتطلب إضافة إلى الكيمياء وتحليل الجزيئات، إجراء تحاليل تتعلق بعلم المعادن" ، على ما أوضح الباحث في معهد أبحاث الفيزياء الفلكية والكواكب، من خلال "إضافة ثلاث تقنيات".

وتطلق "سوبر كام" أشعة ليزر خضراء اللون يصل مداها إلى 12 متراً، مرتبطة بمطياف "رامان" الذي يراقب كيفية تنظيم ذرات المادة.

ويتولى مطياف يعمل بالأشعة تحت الحمراء استكمال هذه الملاحظة من خلال تحليله حتى الأفق الطريقة التي ينعكس بها ضوء الشمس على الهدف.

أخيراً، سيوفر ميكروفون هو "الأول على سطح المريخ" معلومات عن صلابة الصخرة، وذلك بفضل تحليل الصوت الذي يحدثه اصطدام طلقة الليزر بها.

وستكون "سوبركام" التي تعمل مِن بُعد مكمّلةً لـ"جهازَي الاحتكاك" الأميركيين "بيكسل" و"شرلوك". ويقع الجهازان في طرف ذراع مفصلية، في الجزء السفلي من العربة الجوالة ، وتتمثل مهمة الأول في درس التركيب الكيميائي، في حين يختص الثاني بالسعي إلى إيجاد بصمة حيوية على الصخور. وستساعد طلقات الليزر من "سوبركام" في تحديد أفضل الأهداف و"تنظيف" السطح قبل فحصه بواسطة "بيكسل" و"شرلوك".

وقال سيلفستر موريس إن "الفكرة تتمثل في أن جهازاً معيناً ينبغي أن يجيب عن مجموعة أسئلة ، وأن السؤال يجب أن يجد إجابته بأدوات عدة".

وأضاف "إذا توصلنا من خلال جهاز واحد إلى أن ثمة آثاراً للحياة، فسيتعين تأكيد هذا الاستنتاج بالأدوات الأخرى". أما الخلاصة النهائية، فستكون لدى العودة إلى الأرض، بعد بضع سنوات ، بالعينات التي سيكون "برسفيرنس" جمعها.

وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج "سوبركام" ثمرة عمل "فريق كبير" ضمّ نحو 200 شخص من 14 مختبرا وطنيا ونحو مئة آخرين يعملون لدى الجهات المصنّعة.

طوافة وآلة أكسجين

غير أن الأشهر الأولى من المهمة لن تكون مخصصة لهذا الهدف الأول، إذ من المقرر إجراء تجارب موازية.

وتسعى ناسا خصوصا إلى أن تثبت أن من الممكن تسيير مركبة تعمل بمحركات إلى كوكب آخر. ومن المفترض أن تنجح المروحية المسماة "إنجينوينيتي" في الارتفاع في هواء توازي سماكته 1 % من تلك الموجودة في الغلاف الجوي الأرضي.

ويتمثل الهدف الآخر في الإعداد لمهام بشرية مستقبلية، من خلال تجربة إنتاج الأكسجين مباشرة في الموقع، بواسطة جهاز سميّ "موكسي". ومن المفترض أن يكون هذا الجهاز، وهو بحجم بطارية سيارة، قادراً على إنتاج حوالى عشرة غرامات من الأكسجين في ساعة واحدة، من طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للمريخ، على غرار ما تفعل النباتات.

وهذا الأكسجين سيمكّن مستوطنين بشريين مستقبلاً من التنفس، وسيُستخدَم كذلك كوقود.

واستثمرت "ناسا" نحو 2.4 مليار دولار لبناء وإطلاق مهمة "مارس 2020". وتقدر تكلفة الهبوط والعمليات في الموقع مبدئياً بـ 300 مليون دولار.

وسيكون "برسيفرنس" خامس مسبار يسير على سطح المريخ، وكلها أميركية منذ أول مهمة سنة 1997، كما أن أحدها وهو المسبار "كوريوسيتي" لا يزال ناشطا.

غير أن الصين وضعت أخيرا مركبتها "تيانوين-1" في مدار المريخ وهي تحوي روبوتا مسيّراً من المتوقع هبوطه على سطح المريخ في أيار/مايو.