برلمانات الربيع العربي.. العراقي إنموذجا؟

النظام الديمقراطي في العراق يعني ولاية الفقيه والفساد وانعدام المسؤولية.

بعد عشرات السنين من الحكم الشمولي في كثير من بلدان العالم وتحديدا البلدان الشرق اوسطية والعربية، نجحت مجموعة من القوى باحداث تغييرات حادة في بنية تلك الانظمة السياسية وتحويلها من نمط شمولي الى اخر تعددي وباساليب اختلفت من دولة الى اخرى، حيث مارس البعض منها طريقة صناديق الاقتراع في انتخاب مؤسسات الدولة الجديدة وخاصة المؤسسة التشريعية (البرلمان) كما حصل في كل من العراق وتونس. وبينما اختطت تونس طريقا ابعدها قليلا عن الخيارات الدينية، كثفت الطبقة السياسية العراقية توجهها الديني والمذهبي واصبحت معظم القوى السياسية المهيمنة باستثناء اقليم كردستان، تنحو باتجاه ولاية الفقيه وان لم تعلن بشكل صريح، حيث تأتمر السلطات الثلاث بتوجيهات المرجعية الشيعية وتعليماتها كما حصل في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، التي خضعت لتوجيهات المرجعية المتضمنة عدم تجريب المجرب، بمعنى عدم استخدام المسؤولين السابقين في ادارة الدولة، وهذا يعني ان الفقيه او المرجعية هو الذي يحدد شكل وكوادر الحكومة.

وفي العراق نموذج جيد للدول التي تم تغيير نظامها السياسي من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة واسقطت نظامه الشمولي، ثم بعد ذلك توالت عملية التغيير مع حلفاء اخرين لاسقاط أنظمة الحزب الواحد والقائد الضرورة في ما سمي ببلدان الربيع العربي، حيث تعرضت كثير من المفاهيم والمصطلحات إلى تغييرات حادة أفقدتها معانيها الأصلية، وتحولت مؤسسات الخدمة الوطنية إما إلى ميليشيات مناطقية أو حزبية أو دينية أو مذهبية، وتلاشى أي مفهوم جامع للمواطنة وخدماتها الرفيعة، أو إلى قيادات لا يجمعها إلا التكسب ونهش المال العام تحت مسميات الامتيازات الواقية والحمايات القبلية، التي أدت إلى تفكك المجتمعات وتباعد الارتباطات بين مكونات وطبقات تلك الشعوب والدول.

هذه الامتيازات التي تجاوزت مثيلاتها في كل بلدان العالم قياسا بالمستوى المعاشي لتلك البلدان، بل أصبحت هدفاً لكل مُتاجر ومُغامر للحصول على كنز علي بابا ولصوصه الثلاثمائة وملحقاتهم من وزراء الغفلة وتُجار الصفقات القذرة، حتى أصبح البلد واحداً من أفشل البلدان وأفسدها في العالم، وأصبحت مدنه بما فيها العاصمة بقايا مدن كانت ذات يوم حواضر، ترتع فيها اليوم عصابات وميليشيات ونكرات اعتلت منصات الحكم والإدارة في أبشع حقب التاريخ التي تمر فيها الشعوب، وفي تعرضهم لانتقادات حول الامتيازات سواء من الصحافة والاعلام او من الاهالي في احتجاجاتهم، يٲتیك الجواب كارثيا مؤلما، حيث يدعون بأن تلك الامتيازات المالية تحمي صاحبها من الانحراف أو الاختراق أو الخيانة والتحول الى عميل لصالح مخابرات او دول اجنبية، وعلى هذا المبدأ يجب على الحكومة والشعب توفير مليارات من الاموال لأعضاء البرلمان والحكومة والرئاسات وكوادر الدولة المتقدمة لكي يتمتعوا برفاهية لا مثيل لها، تمنعهم من الخيانة أو العمالة أو السرقة؛ أي منطق أو مبدأ وطني هذا، وأي أخلاق تلك التي تدفع القائمين على السلطة والمال والتشريع بالربط بين الوطنية والانتماء والشرف الشخصي والمال وامتيازاته للنواب والوزراء وكبار المسؤولين؟

لتكن البداية بالغاء كافة الامتيازات والمعاشات المتضخمة وخضوع كل الدرجات الوظيفية لقانون الخدمة العامة، بما يحقق العدالة والمساوة ويرفع هذا التقاتل على المناصب وملحقاتها من منافذ السرقة والاختلاس والعمولات القذرة!