برلمان لبنان يقرّ موازنة تقفز على متطلبات الاصلاح الاقتصادي

الموازنة ترصد زيادة كبيرة في إيرادات الدولة المكتسبة من خلال ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية.
الموازنة تتضمن إجراءات تستهدف من حققوا مكاسب غير مشروعة خلال الأزمة المالية

بيروت - أقر مجلس النواب اللبناني مشروع قانون الموازنة لعام 2024 بعد إدخال تعديلات عليه لكن خبراء قالوا إن مشروع القانون أهمل تضمين إصلاحات حاسمة من شأنها أن تساعد البلاد على الخروج من الانهيار المالي الذي دمر القطاع العام منذ ما يقرب من خمس سنوات.
وتمت الموافقة على مشروع القانون في وقت متأخر أمس الجمعة بعد ثلاثة أيام من الخلافات والتي شملت عدة مشاحنات في قاعة البرلمان مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، مما سلط الضوء على الانقسامات العميقة التي أصابت السياسة اللبنانية بالشلل وأطالت أمد الفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام.
وتوقعت الموازنة، التي تم تعديلها على مدار أشهر من النسخة التي قدمها ميقاتي إلى مجلس النواب، زيادة كبيرة في إيرادات الدولة المكتسبة من خلال ضريبة القيمة المضافة والرسوم الجمركية.
وتضمنت أيضا إجراءات تستهدف على ما يبدو أولئك الذين حققوا مكاسب غير مشروعة خلال الأزمة المالية في لبنان، من خلال تغريم الشركات التي استفادت بشكل غير عادل من منصة صرف العملات السابقة للمصرف المركزي والتجار الذين استخدموا دعم المصرف للواردات لتحقيق أرباح.
ومنذ أن بدأ الاقتصاد اللبناني في الانهيار عام 2019، فقدت العملة حوالي 95 بالمئة من قيمتها، ومنعت البنوك معظم المودعين من سحب مدخراتهم وبات أكثر من 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.
واندلعت الأزمة بعد عقود من الإسراف في الإنفاق وفساد النخبة الحاكمة التي قاد بعض أفرادها البنوك التي قدمت قروضا كبيرة للدولة.
وتقدر الحكومة إجمالي خسائر القطاع المالي بأكثر من 70 مليار دولار معظمها تراكم لدى البنك المركزي.
ومنعت المصالح الخاصة للطبقة السياسية والاقتصادية الإصلاحات الرئيسية التي طلبها صندوق النقد الدولي لتقديم حزمة مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للبنان. وتشمل هذه الإصلاحات إقرار تشريعات لحل أزمة لبنان المصرفية وتوحيد أسعار الصرف المتعددة لليرة اللبنانية.
وحث صندوق النقد الدولي لبنان على النظر في زيادة الإنفاق الاجتماعي "بهدف حماية الفئات الأكثر ضعفا". وقال الصندوق في العام الماضي إن لبنان "سيغرق في أزمة لن تنتهي أبدا" ما لم ينفذ إصلاحات سريعة.
لكن ميقاتي قال أمام النواب في جلسة أمس الجمعة "استطعنا وقف الانهيار وبدأنا بالتعافي الجاد". وطلب نحو 40 من أعضاء مجلس النواب، البالغ عددهم 128، التعليق على الموازنة واعترض كثيرون على تصريحاته.

استطعنا وقف الانهيار وبدأنا بالتعافي الجاد

واستخدمت مسودة موازنة 2024 سعر صرف قدره 89 ألف ليرة لبنانية للدولار في معظم الحسابات، بينما حددت حسابات أخرى بسعر 50 ألف ليرة.
وخفض البنك المركزي العام الماضي سعر الصرف الرسمي للعملة من 1500 ليرة، وهو سعر ربط الليرة بالدولار الذي استمر عقودا، إلى 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
وتتضمن الموازنة التي تم إقرارها عجزا محسوبا بنسبة صفر بالمئة، مع تساوي النفقات تماما مع الإيرادات. وقال أعضاء في مجلس النواب إن استخدام أسعار صرف مختلفة في الموازنة سيعطي انطباعا بأن الدولة تكسب أكثر مما يحدث في الواقع.
وقال النائب مارك ضو لرويترز إن الفارق سيكون في صالحهم، لذلك قد يكون لدى الحكومة من الناحية الفنية فائض بالليرة اللبنانية في عام 2024، لكن هذا لا يعني أنه سيكون لديها ما يكفي من المال للإنفاق الفعلي بالدولار.
وذكرت مؤسسة (مبادرة سياسات الغد) البحثية أن مشروع الموازنة يؤدي إلى "إثقال كاهل الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل بشكل غير متناسب مقارنة بالأسر الغنية" من خلال خفض حد دفع ضريبة القيمة المضافة بالنسبة للشركات وتقديم إعفاءات ضريبية للشركات الكبرى.
واعتبر سامي زغيب، الخبير الاقتصادي اللبناني في مبادرة سياسات الغد، أن الميزانية مثال على "الكيمياء" الاقتصادية اللبنانية.
وقال لرويترز إنها لا تخدم أي غرض اقتصادي أو أي رؤية محددة تتجاوز تكرار دورة الانحدار الفوضوي للدولة والاقتصاد والمجتمع.