برلين تجهز لقطع الطريق أمام التغلغل القطري التركي في ليبيا

ألمانيا التي لا تزال تعاني من تداعيات الحرب في سوريا وأزمة اللاجئين، أيقنت أن التجربة لا يجب أن تتكرر في ليبيا التي تحولت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

برلين - تحاول ألمانيا تدارك خطأ رفضها المشاركة منذ سنوات في حل الأزمة الليبية التي تتعقد يوما بعد يوم مع تعاظم المنافسة الفرنسية الإيطالية حسب مصالحها، عبر استضافة مؤتمر دولي ينهي الأزمة المتفاقمة في البلد الغارق في فوضى سلاح الميليشيات والإرهابيين وتدفق المهاجرين غير الشرعيين على أوروبا منذ رحيل الرئيس السابق معمر القذافي.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اليوم الأربعاء إن بلادها ستقوم بدورها لتجنب نشوب حرب بالوكالة في ليبيا محذرة من أن الوضع هناك ينذر بزعزعة استقرار أفريقيا بأسرها.

وقالت ميركل في كلمة أمام البرلمان الألماني "هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادا مثل التي شهدناها في سوريا.. ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة وستقوم ألمانيا بدورها".

وأضافت "إذا لم تستقر الأوضاع في ليبيا فإن استقرار المنطقة الأفريقية بأسرها سيتزعزع".

ويقول خبراء أن ليبيا هي صراع أوروبا الحالي مع النفوذ التركي والإسلام السياسي في المنطقة مثلما مثلت سوريا صراعا بين الولايات المتحدة إيران بمليشياتها في الشرق الأوسط.

ولم يعد يخفى ذلك الدعم العسكري الذي قدمته تركيا ولاتزال تحاول تطويره علنا إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانب حكومة فائز السراج.

برلين التي لا تزال تعاني من تداعيات الحرب في سوريا وأزمة اللاجئين الذين استقبلتهم بالآلاف على أراضيها منذ سنوات، أيقنت أن التجربة لا يجب أن تكرر في ليبيا التي تحولت إلى نقطة عبور للمهاجرين غير النظاميين نحو أوروبا.

ولا تخفي الحكومة الألمانية تخوفها من تسلل الإرهابيين والمتشددين الإسلاميين الذين يشاركون في عمليات القتال مع حكومة الوفاق إلى أوروبا بمساعدة عصابات تهريب البشر المستفيدة من حالة الفوضى التي تغرق فيها البلاد منذ الإطاحة بنظام القذافي.

وفي تصريحات سابقة لصحيفة "بيلد" الألمانية قالت وزيرة الدفاع الألمانية، إن "ألمانيا مستعدة للمساعدة في فرض الأمن في ليبيا ومحاربة إرهاب المتشددين الإسلاميين فقط إذا نجح الليبيون في تشكيل حكومة وحدة وطنية".

وامتنعت ألمانيا عن التدخل في الأزمة الليبية منذ بدايتها، حيث رفضت في 2011 دعوة ليبية لإرسال مراقبين لمراقبة وقف لإطلاق النار بين "القوات الحكومية" و"المقاومين" قائلة إن الأمم المتحدة فقط هي التي يجب أن تتولى هذه المهمة.

تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر المتوسط كابوس أوروبا
تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر المتوسط كابوس يلازم أوروبا 

وواجهت برلين انتقادات حادة من البلدان الأوروبية سبب موقفها. كما امتنعت آنذاك عن التصويت على قرار لمجلس الأمن الدولي يجيز القيام بعمل عسكري لحماية المدنيين في ليبيا أيدته حليفتاها بريطانيا وفرنسا بسبب مخاوف من وقوع ضحايا من المدنيين .

ومنذ مايو/أيار الماضي تحاول ميركل إيجاد توافقات وتفاهمات بين القطبين الفرنسي والإيطالي المتنافسان في ليبيا.

وقالت ميركل أنها ستقوم بإسهامها كي تتوصل فرنسا وإيطاليا لموقف موحد في الملف الليبي، في إشارة لما يشاع حول دعم باريس وروما لأحد طرفي النزاع، قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر وحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج.

وتحاول برلين التحرك بمبادرة من أجل توحيد الصف الأوروبي وخلق سياسية ورؤية أوروبية موحدة للتعاطي مع الملف الليبي، بعيدا عن التحرك بشكل منفرد حتى تتجنب المزيد من الانقسام في الموقف الأوروبي خصوصا مع اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد.

وكشفت مصادر أن برلين بصدد تجهيز مؤتمر دولي حول ليبيا ستحاول خلالها البلدان الأوروبية تدارك الأخطاء التي أدت إلى فشل مؤتمري باريس في مايو وباليرمو في نوفمبر من العام الماضي حول ليبيا خصوصا مع تزايد خطر تدفق اللاجئين غير الشرعيين وخاصة الإرهابيين إلى أوروبا.

ومن المنتظر أن يعقد المؤتمر الجديد في ألمانيا خلال شهر نوفمبر المقبل، وأجرت ميركل حوارات جادة بشأنه مع قادة بعض الدول المهتمة بالأزمة الليبية ممن حضروا قمة الدول السبع في فرنسا أواخر الشهر الماضي.

ويقول مراقبون للشأن الليبي إن الرؤية الألمانية للأزمة الليبية ستنجح في صورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الليبي والأطراف الفاعلة فيه خصوصا دور القبائل في إنجاح التوافق وعدم الانحياز إلى طرف دون آخر.

ويعد هذا المحور الأساسي الذي ستواجه فيه ألمانيا تحديا للخروج بليبيا من أزمتها الحالية، وهو نفس المحور الذي فشل فيه المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة في السابق.

القبائل الليبية تندد بسماح حكومة السراج للتدخل الخارجي في بلادهم وتهديد أمنها بتسليح الميليشيات
القبائل الليبية تندد بسماح حكومة السراج للتدخل الخارجي في بلادهم وتهديد أمنها بتسليح الميليشيات

ويتهم العديد من الليبيين إلى جانب الجيش وبعض القبائل التي تعد ذات ثقل كبير في تشكيل الرأي العام والحكم في ليبيا، سلامة بعدم الحياد والانحياز للإسلاميين في طرابلس وهو نفس السبب الذي أفشل مهمته ومحاولاته السابقة في إنهاء الصراع في البلاد.

وفي يوليو الماضي، جدد المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية رفضه لما تقوم به حكومة الوفاق بقيادة السراج التي قال إنها تعمل "بوصاية أجنبية" متهما إياها بالعمل وفق أجندات خارجية.

وعبر المجلس مرارا عن "رفضه التدخل التركي السافر في الشأن الداخلي الليبي ودعم الجمعات الإرهابية"، وهو ما يزيد الأمور تعقيدا مع اصطفاف أغلب مكونات المجتمع الليبي إلى جانب الجيش الوطني بقيادة حفتر ضد حكومة السراج التي سمحت للمحور القطري التركي بنشر السلاح وتغلغل الميليشيات الإرهابية في شمال أفريقا وجنوب البحر المتوسط.

وتسعى كل من تركيا وقطر للتأثير على سير الأحداث وفرض نفوذها في ليبيا بعد خسارة الرهان في سوريا.

ومع انشغال الجارتان تونس والجزائر بترتيب أوضاعهما الداخلية أصبحت الساحة الليبية مرتعا للإسلاميين المتشددين والميليشيات في طرابلس بدعم من أنقرة والدوحة اللتان يتهمهما الجيش الوطني الليبي بدعم الإرهابيين ونشر الفوضى في البلاد.