بريكست وكوفيد يوقظان نزعات الانفصال في المملكة المتحدة

بريكست وسوء إدارة بوريس جونسون لأزمة كوفيد 19 يشكلان محركا لإعادة الزخم لقضية الاستقلال في اسكتلندا والتي بدا أنها انتهت مع فشل استفتاء تقرير المصير في العام 2014.
مفوض السوق الداخلية الأوروبية يرى أن بريكست يشكل مأساة للندن
كوفيد وبريكست خففا الثقة بالأمن الاقتصادي الذي توفره المملكة المتحدة
فترات النمو الضعيف عادة ما تشكل سببا بتصاعد الانقسام السياسي
58 بالمئة من الاسكتلنديين يؤيدون الاستقلال حاليا في أحدث استطلاع للرأي

لندن/باريس - يطرح خروج المملكة المتحدّة من الاتحاد الأوروبي تساؤلات حول قدرتها على الحفاظ على وحدتها، تعززها الرغبات المحلية بالاستقلال التي تصاعدت بفعل تفشي وباء كوفيد-19 وهي مسألة مهددة بالانفجار في أي وقت، كما يرى بعض الخبراء.

ويرى نائب مدير مركز 'يوروبيان ريفوم' للدراسات جون سبرينغفورد أنه "بالنسبة إلى سؤال ما إذا كان بريكست سيؤدي إلى نهاية المملكة المتحدة، فالأمر ممكن بالتأكيد وربما هو النتيجة الأكثر ترجيحا".

واعتبر أنه مع اتفاق تجاري مع الأوروبيين أو بدونه، فإن أثر بريكست الذي نفذّ في 31 يناير/كانون الثاني الماضي، سيكون سببا بمضاعفة الانقسامات المحلية، لا سيما عندما سيتجلّى بشكل ملموس، أي اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني تاريخ مغادرة بريطانيا للاتحاد الجمركي والسوق الموحدة الأوروبية في ختام مرحلة انتقالية هدفت إلى تخفيف أثر الصدمة.

وغرقت بريطانيا المؤلفة من أربع مقاطعات في انقسام عميق منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، ففي حين صوتت إنكلترا وويلز لصالح الخروج، أيّدت إيرلندا الشمالية واسكتلندا البقاء.

ولم تقنع مؤيدي الاستقلال في هاتين المقاطعتين، رسالة رئيس الوزراء بوريس جونسون بأن المملكة المتحدة ستزدهر حينما ستدير ظهرها مرة واحدة وللأبد، للاتحاد الأوروبي.

وشكّل بريكست محركا لإعادة الزخم لقضية الاستقلال في اسكتلندا والتي بدا أنها انتهت مع فشل استفتاء تقرير المصير في العام 2014.

وكان الوباء مع آثاره المدمرة إنسانيا واقتصاديا، سببا في إعطاء دفع لحركة الاستقلال من جديد. وحظيت الإدارة المتينة لرئيسة الوزراء المحلية من الحزب الوطني الاسكتلندي المؤيد للاستقلال نيكولا ستورجون لأزمة الوباء بالثناء، مقابل إدارة بوريس جونسون التي اعتبرت فوضوية، ما عزز الرغبة في الانفصال عن المملكة.

وأوضح سبرنغفورد "غالبا ما تشكّل فترات النمو الضعيف سببا بتصاعد الانقسام السياسي"، مضيفا "أضف إلى ذلك بريكست وحكومة محافظة لا تحظى بالشعبية أبدا في الشمال، وبالنتيجة يفترض أن يزداد التأييد للاستقلال" أكثر فأكثر.

وبينت استطلاعات للرأي نشرت منتصف ديسمبر/كانون الأول، أن 58 بالمئة من الاسكتلنديين يؤيدون الاستقلال حاليا، في حين أن 55 بالمئة عارضوه عام 2014 في الاستفتاء.

ولن تتوانى ستورجون عن استغلال هذه الشعبية المتزايدة للسعي إلى الفوز في الانتخابات البرلمانية الاسكتلندية في 6 مايو/أيار 2021، وزيادة الضغط على بوريس جونسون الذي رفض رفضا قاطعا السماح بتنظيم استفتاء جديد في اسكتلندا.

وتشير أستاذة السياسة الإقليمية في جامعة ادنبره نيكولا ماك إيون إلى أن "الحزب الوطني الاسكتلندي يأمل في أنه كلما كان أداؤه الانتخابي أقوى، سيكون صعبا على رئيس الوزراء البريطاني مواصلة الرفض".

ومع ذلك، لا توجد مؤشرات على الإطلاق إلى أن زعيم المحافظين سيستسلم للمطلب الاسكتلندي في نهاية المطاف، فإذا استقلت اسكتلندا، فهي ستدخل الاتحاد الأوروبي وتتخلى عن الجنيه الاسترليني وستقيم حدودا أكثر صرامة مع بريطانيا للحفاظ على وحدة السوق الأوروبية الموحدة.

وفي الأثناء، قد لا تكون تلك الحجج الاقتصادية مقنعة بالقدر نفسه الذي كانت عليه العام 2014. وتلفت الخبيرة إلى أن "كوفيد وبريكست خففا الثقة بالأمن الاقتصادي الذي توفره المملكة المتحدة".

وعادت مسألة توحيد جزيرة إيرلندا لتتصدر المشهد بعد أكثر من 20 عاما على نهاية مرحلة الاقتتال التي أدمت مقاطعة إيرلندا الشمالية البريطانية.

وأنهى اتفاق سلام وقع عام 1998 القتال العنيف بين الجمهوريين الكاثوليك المؤيدين لتوحيد الجزيرة، والبروتستانت المؤيدين للبقاء تحت التاج البريطاني والذي أسفر عن مقتل 3500 شخص على مدى ثلاثة عقود.

وعلى خلفية ذلك، ينظر كثر بسلبية إلى الحدود التي ستنشأ من جديد مع جمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي، رغم سعي الأوروبيين والبريطانيين إلى جعلها غير مرئية إلى أقصى الحدود.

وفي فبراير/شباط، رأت زعيمة الحزب القومي شين فين ماري لو ماكدونالد التي فاز حزبها بالأصوات الشعبية في الانتخابات التشريعية في جمهورية إيرلندا، أن استفتاء حول وحدة الجزيرة قد يُعقد في السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة، معتبرة أن بريكست قد "غيّر قواعد اللعبة".

لكن بالنسبة إلى دبلن، فالأولوية هي الحفاظ على السلام "فالسيناريو الكارثي سيكون فوزا قصيرا للوحدة، يؤدي إلى رد عنيف من جانب مؤيدي البقاء مع بريطانيا"، وفق جون سبرينغفيلد.

وفي ويلز، تعهد حزب بليد كيمرو وحزب ويلز، بعقد استفتاء لتقرير المصير إذا فاز بالانتخابات المحلية المقبلة، لكن الانفصال يبدو أمرا غير مرجح في هذه المرحلة.

وفي المقابل اعتبر مفوض السوق الداخلية الأوروبية تييري بروتون الاثنين أن بريكست يشكل "مأساة" تحرم المملكة المتحدة من المساعدة التي كان من الممكن أن يقدمها الاتحاد الأوروبي لها، فيما تواجه أيضا انتشار سلالة جديدة شديدة العدوى من فيروس كورونا.

وقال المسؤول الأوروبي لإذاعة بي اف ام بزنس "أقولها بحزن، إن ما يحدث في بريطانيا مأساة وبريكست يشكل مأساة ويظهر ذلك أكثر فأكثر كل يوم ونحن نأسف بشدة لهذا القرار" وإن "كنا نحترمه لأن الشعب البريطاني صاحب السيادة بالطبع".

وأوضح "لو قررت بريطانيا البقاء في الاتحاد الأوروبي، لكان بحوزتها اليوم مثل جميع الدول الأوروبية، ما بين 30 و40 و50 مليار يورو ولتمكنا من مساعدتها كما هو الحال بالنسبة لنا جميعا في إطار صندوق الدعم" الذي وضعته المفوضية، معربا عن أسفه لأن "بريطانيا تحرم نفسها منه".

ومن المقرر تنفيذ خطة الإنعاش الأوروبية الممولة من قروض مشتركة وتبلغ 750 مليار يورو، بينها أكثر من 300 مليار من الإعانات المقدمة للدول الأعضاء خلال عام 2021، مع سداد الدفعات الأولى بنهاية الربع الأول. وستحصل فرنسا على حوالي 40 مليار يورو.

وأضاف بروتون "هناك مسألة بريكست المعقدة ومهما حدث، فإن بريطانيا ستكون خاسرة. بالطبع أريد أن نتوصل إلى اتفاق" و"أعتقد أنه في النهاية سنتوصل لاتفاق ولكن إضاعة الوقت والتردد، ما الغاية من ذلك؟".

ومن المتوقع أن تستمر مفاوضات بريكست بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الاثنين بعد مفاوضات في عطلة نهاية أسبوع تركزت على قضية الصيد التي تعرقل أي احتمال للتوصل إلى اتفاق قبل 11 يوما فقط من الانفصال النهائي.

ويأتي ذلك مع اكتشاف سلالة جديدة "خارجة عن السيطرة" لفيروس كورونا في المملكة المتحدة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إعادة فرض الإغلاق في لندن وتعليق عدة دول أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأيرلندا، رحلاتها مع هذا بريطانيا.