بطيئة مثل سلحفاة وثقيلة مثل فيل

النظام المنغلق والمؤدلج لن يتمكن من انقاذ إيران، لكنه مصر على أن يأخذ المنطقة كلها في طريق انهياره.

بطيئة مثل سلحفاة، ثقيلة مثل فيل. هذه هي إيران التي صنعها نظام آيات الله والتي سيكون عليها أن تواجه العالم في شوطها المقبل.

بطئها وثقلها كانا نافعين في شوطها السابق. خصلتان مكنتاها من التمدد في المنطقة ونشر أذرعها مستفيدة من الوقت الذي كان يجري لصالحها.

فبعد أن هُزمت عام 1988 في حرب الثمان سنوات لم يستثمر العراق تلك الهزيمة بل فعل العكس حين سلم نفسه والمنطقة عام 1990 لهزيمة هي أشبه بالكارثة، سيعمل الإيرانيون على تحويلها انتصارا لهم.

كان الزمن يومها قد توقف عند حدود تلك الكارثة التي شلت قدرات العالم العربي على الحركة وبات التراجع هو عنوان الحركة وهو ما استفادت منه الحركات والجماعات الإسلامية حين فرضت مشاريعها على الشارع العربي باعتبارها البديل الجاهز بعد سقوط الفكر القومي واصطدام الدولة الوطنية بجدار العجز عن مواجهة التحديات.

لقد تحولت عقارب الساعة كلها إلى الزمن الإيراني.

كانت تلك هبة مجانية لم يكن نظام آيات الله ينتظرها، لم تمكنه من أن يستعيد أنفاسه حسب بل وأيضا مكنته من العودة إلى فهرس أجندته الأولى التي نص عليها برنامج الخميني في تصدير الثورة، الذي يعني السعي في اتجاه السيطرة على جزء من العالم العربي استنادا إلى وصاية مذهبية، كلف النظام الإيراني نفسه بالقيام بها تحت لافتة التمهيد لظهور الامام العادل.

لقد استعمل النظام الإيراني خصلتيه، البطء والثقل في ترسيخ مشروعه في المنطقة في ظل غياب المشروع العربي المقابل وتراجع اهتمام العالم بالمنطقة بعد خروج مصر والعراق من المعادلات السياسية.

وقد يكون أمرا لافتا بطريقة غرائبية أن تستفيد إيران التي سبق أن تم تصنيفها أميركيا باعتبارها واحدة من دول محور الشر وفُرضت عليها عقوبات بسبب برنامجها النووي من سياسة رئيس أميركي لتوسع دائرة نفوذها وتمتن وجود صنائعها في المنطقة. وهو ما حدث أثناء فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما التي استمرت ثمان سنوات.

غير أن كل شيء من حول إيران قد تبدل الآن.

فبعد أن دخلت إيران في سباق تسلح لا ينتهي إلا بسقوط نظامها القائم على فكرة التهديد بإشعال الحروب في منطقة استراتيجية بالنسبة للعالم، ها هي الولايات المتحدة تعيد فرض العقوبات عليها بعد أن صار الاتفاق النووي الذي تم التوقيع عليه زمن أوباما شيئا من الماضي.

وبما أن برنامج التسلح والانفاق على الميليشيات الموالية يستهلكان الجزء الأكبر من الميزانية الإيرانية فقد جاءت العقوبات لتضع النظام الإيراني في خانق ضيق، لن يتمكن من الخروج منه بخصلتي البطء والثقل.

وهو ما كشفته ردود الأفعال الإيرانية منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات ووضع شروط جديدة، يمكن الاحتكام إليها من أجل ابرام اتفاق نووي جديد.

ببطئها وثقلها لم تستطع إيران التعامل إيجابيا مع المعطيات الجديدة للموقف الأميركي. كانت عاجزة عن إدراك أن الوقت لم يعد يجري لصالحها.

لذلك لم تتقدم خطوة في طريق حوار، كانت الولايات المتحدة قد شجعتها على البدء فيه. لا لشيء إلا لأنها لا تملك المقومات التي تؤهلها لفهم ما يجري من حولها.

إنها تتعامل بأدوات وأفكار وأساليب وتقنيات، صارت قديمة ولم تعد نافعة.        

فإذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تأسيس تحالف دولي ضد إيران وهو ما ستشهده العاصمة البولندية وارسو قريبا فإن ذلك لا يعني بالضرورة شن حرب لإسقاط النظام فيها على غرار ما حدث للعراق.

كان الدرس العراقي بشعا في التاريخ ولن يتكرر.

هناك ملفات عديدة، يمكن للمجتمع الدولي من خلالها أن يزيح الكابوس الإيراني من المنطقة في ظل انفتاح العالم العربي على ضرورة أن تستعيد إيران حجمها الطبيعي ليكون في مأمن من الإرهاب.            

وكما أرى فإن النظام الإيراني الذي يتميز بشموليته وانغلاقه العقائدي لن يتمكن من انقاذ إيران من الكارثة التي ستلحق بدليل أنه لا يزال على يقين من أنه سيكون قادرا على مواجهة العالم بميليشياته.