بعد نترات بيروت، مواد نووية خطيرة في معقل حزب الله!

رئيس حكومة تصريف الأعمال يحذّر من مواد كيمياوية خطيرة في مستودع منشآت نفطية بجنوب لبنان بينما لم تتضح بعد مصادرها فيما لايزال انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس من العام الماضي يرخي بظلاله على الوضع العام.
حسان دياب يدعو إلى تعامل فوري وسريع مع مواد نووية خطيرة
لحزب الله شبكة اخطبوطية في مرفا بيروت تدير أنشطة مشبوهة
58 حاوية في مرفأ بيروت لا تزال تشكل تهديدا للعاصمة اللبنانية
شركة ألمانية مكلفة بإزالة مواد خطيرة تنتظر سداد لبنان مليون دولار للتخلص منها

بيروت - قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان حسان دياب اليوم الجمعة إن خبراء اكتشفوا وجود "مواد كيميائية خطيرة" في مستودع في منشآت الزهراني النفطية بجنوب البلاد.

وقال دياب إن الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية وصفت المواد بأنها "نووية" بعد مراجعة تقرير لشركة كومبيليفت الألمانية المكلفة بإزالة المواد الخطيرة من مرفأ بيروت. وقال متحدث باسم الشركة بأنه ليس لديهم علم بشأن واقعة الزهراني.

ونقل بيان صادر عن المجلس الأعلى للدفاع عن دياب قوله إن الأمر يحتاج للمناقشة الفورية وينبغي التعامل معه على وجه السرعة.

جاءت تصريحات دياب بعد نحو ثمانية أشهر من انفجار كيماويات كانت مخزنة في مرفأ بيروت مما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص وإصابة 6 آلاف آخرين وتشريد مئات العائلات، في أحد أكبر الانفجارات غير النووية على الإطلاق.

واشتعلت النيران في شحنة نترات الأمونيوم في أغسطس/آب الماضي بعدما تم تخزينها دون مراعاة قواعد السلامة في المرفأ على مدى أعوام، فيما فتح تحقيق في الحادث وتم اعتقال 25 مسؤولا دون أن يحرز التحقيق تقدما يذكر، بينما أثار سجالات سياسية على اثر تحمل قاضي التحقيق فادي صوان الذي اقيل لاحقا من منصبه شخصيات سياسية بينها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزراء سابقين مقربين من حزب الله اللبناني.

وبعد تكليف كومبيليفت بمهمتها في العام الماضي بعد الانفجار، قالت الشركة الألمانية إنها عثرت على 58 حاوية في مرفأ بيروت تشكل تهديدا للمدينة. وظل بعضها هناك لأكثر من عشرة أعوام.

وذكر السفير الألماني لدى بيروت أندرياس كندل هذا الشهر أن المواد الموجودة في الحاويات مخزنة على نحو جيد وفي انتظار الشحن إلى ألمانيا حيث سيجري التخلص منها، لكن لبنان لم يسدد بعد مليوني دولار وفقا لما ينص عليه العقد.

وقال مالتي شتاينهوف المتحدث باسم الشركة اليوم الجمعة إن المستودعات لا تزال في بيروت بينما تجري محادثات مع السلطات اللبنانية بشأن التمويل، مضيفا "نأمل...التوصل إلى حل هذا الشهر".

وأثار رفض وزراء سابقين مقربين من حزب الله المثول أمام قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت قبل إقالته، تساؤلات عن أسباب امتناعهم عن الخضوع للتحقيق.

وتقول تقارير دولية إن لحزب الله الذي هيمن في السنوات الأخيرة على السلطة، شبكة أخطبوطية من العلاقات والموظفين في مرفأ بيروت يدير بها أنشطة مشبوهة داخل المرفأ، لكن الجماعة الشيعية المدعومة من إيران أنكرت في السابق أي صلة بأطنان من نترات الأمنيوم أدت إلى أعنف انفجار غير نووي.

وكان يمكن أن لا تثار علاقة حزب بالله بتلك الشحنة الضخمة لولا أن دول غربية بينها المانيا فككت خلايا للحزب كانت تخزن على أراضيها شحنات من نترات الأمنيوم التي تستخدمها عادة الجماعات الإرهابية في عمليات تفجيرية.

وبالنسبة للمواد التي وصفتها وكالة الطاقة اللبنانية بأنها نووية وتم اكتشافها حديثا في منشأة نفطية، يبدو الوضع غامضا وملتبسا حول مصدرها ووجودها أصلا في جنوب لبنان وهو واحد من ابرز معاقل حزب الله.   

وتأتي هذه التطورات وسط أزمة سياسية خطيرة مردها خصومات بين الرئيس اللبناني ميشال عون حليف حزب الله ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري أجلت تشكيل حكومة كفاءات لإنقاذ البلاد من الانهيار.

الانهيار الكامل والثمن الاقتصادي والاجتماعي ليس أولوية لنخبة تتصارع على السلطة

وانقضى 18 شهرا منذ أدت احتجاجات شعبية على النخبة السياسية في لبنان إلى انهيار الحكومة القائمة آنذاك وما يقرب من ثمانية أشهر أخرى منذ دمر انفجار هائل مرفأ بيروت وأطاح بالحكومة التي تولت تسيير الدفة بعدها.

ومنذ ذلك الحين فقدت العملة اللبنانية 90 بالمئة من قيمتها ودفع التضخم أكثر من نصف سكان البلاد دون حد الفقر وتخلف لبنان عن سداد ديونه وأخذت البنوك من الإجراءات ما كاد يحول بين زبائنها وودائعهم الدولارية.

وشاعت مشاهد المشاجرات بين المتسوقين على السلع الشحيحة وقيام المحتجين بحرق الإطارات لسد الطرق وإغلاق أبواب مئات المحال والأنشطة.

وتحولت بيروت من مدينة نابضة بالحياة إلى مدينة أشباح يلفها ظلام مخيف بينما يحذر وزير الطاقة في الحكومة المستقيلة من أن انقطاع الكهرباء بالكامل يلوح في الأفق مع اقتراب الوقود المستخدم في توليد الكهرباء من النفاد.

غير أنه في الوقت الذي يندفع فيه لبنان صوب انهيار كامل في أسوأ أزمة يشهدها منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، عجز الساسة المتشاحنون في ما بينهم عن تشكيل حكومة أو أنهم لا يرغبون في ذلك.

وقد اندفع سعد الحريري الزعيم السني الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات وكلفه مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة، خارجا من اجتماعه الثامن عشر مع الرئيس ميشال عون هذا الأسبوع. وقال إن حزب عون المسيحي الذي يقوده جبران باسيل صهر الرئيس يريد إملاء من يشغل مقاعد مجلس الوزراء وأن يكون له حق النقض (الفيتو) على القرارات.

وقال مصدر حكومي "اعتبارا من اليوم عليك تلبية شروط جبران باسيل فهو يمسك بقلم الرئيس".

وكان سعد الحريري نجل رفيق الحريري رئيس الوزراء في فترة ما بعد الحرب الذي اغتيل عام 2005، قد دعا إلى حكومة خبراء عليها أن تنفذ الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والدول المانحة مثل الولايات المتحدة وفرنسا منذ فترة طويلة.

ولولا سطوة جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران والتي تهيمن على المسرح السياسي اللبناني وتدعم رئاسة عون لبدا الأمر وكأنه خلاف طائفي على اقتسام كعكة نظام المحسوبية اللبناني الآخذة في الانكماش.

بيروت تحولت من مدينة نابضة بالحياة إلى مدينة أشباح يلفها ظلام مخيف بينما شاعت مشاهد المشاجرات بين المتسوقين على السلع الشحيحة وغلق المحتجين للطرقات

ومثل دول عربية أخرى كالعراق وسوريا ظل لبنان منذ فترة طويلة ساحة للتنافس بالوكالة بين إيران الشيعية والسعودية السنية وعادة ما كان المسيحيون أصحاب النفوذ ينقسمون بين المعسكرين.

ومع وجود إدارة جديدة في واشنطن تعيد تقييم السياسة الأميركية إزاء إيران، بدأ ميزان القوى في المنطقة يتحول. وفي الوقت الحالي يبدو أن حزب الله غير راغب في مساندة حكومة جديدة فيما قد يبدو وكأنه يقدم تنازلا لخصومه المدعومين من السعودية والغرب مثل الحريري.

ورغم أن حزب الله يقر بالحاجة لتشكيل حكومة فهو ليس على استعداد للضغط على عون والمجازفة بتحالفه مع حزبه المسيحي الكبير.

وأكثر السيناريوهات تفاؤلا هو أن تتشكل حكومة قادرة على استعادة الثقة على الصعيدين المحلي والدولي وتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها المقرضون الدوليون مثل إصلاح قطاع الكهرباء الذي يعاني من الهدر والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي وإعادة هيكلة القطاع العام المتضخم.

قال مصدر مسؤول رفيع "الكل يعلم ما هو المطلوب من إصلاحات مالية ونقدية".

أما في السيناريو المتشائم فسيحدث انهيار آخر في الليرة اللبنانية والنمو الاقتصادي المتهاوي الذي قدّره صندوق النقد الدولي بسالب 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي وقدّره البنك الدولي بسالب 19 بالمئة من الناتج.

وقال المصدر إن الاقتصاد ينكمش بوتيرة سريعة لدرجة يصعب معها قياسه بدقة غير أنه من المنتظر بناء على الاتجاهات الحالية أن يكون الانكماش هذا العام في حدود عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبدأت احتياطيات النقد الأجنبي الباقية التي تقدر بنحو 16 مليار دولار، تنضب إذ ينفق لبنان حوالي 500 مليون دولار شهريا على دعم الوقود والقمح والدواء وتنفق الدولة ما بين 75 و100 مليون دولار شهريا وما لا يقل عن 100 مليون دولار شهريا عندما يتدخل المصرف المركزي في سوق العملة.

ويميل بعض المسؤولين والدبلوماسيين والساسة للتشاؤم وقال المصدر المسؤول "لا أعتقد أن الأطراف تريد حلا".

وأضاف "ليس مهما من هو رئيس الوزراء فالمهم هو المعايير والتنفيذ واستعادة الثقة والمصداقية ... الحكومة الحالية بدأت بإقناع الأطراف بالاتجاه إلى صندوق النقد الدولي. أي حكومة تخلفها ستضطر لفعل الأمر نفسه، فليس أمامها خيار".

موقف الرئيس ميشال عون يزداد تصلبا منذ فرضت واشنطن عقوبات على صهره جبران باسيل الذي يؤهله لكي ينافس على منصب الرئيس

وما دامت حالة الشلل مستمرة، فمن الصعب تقدير مدى التدهور الذي يمكن أن يصل إليه الوضع.

وقال دان القزي الرئيس التنفيذي السابق لبنك ستاندرد تشارترد في لبنان إنه من المحتمل أن يتطور الوضع إلى انهيار آخر للعملة وتوقف كل الوظائف الأساسية للحكومة وانتشار الفوضى.

وأضاف "إذا استمر بنا الحال على هذا المنوال ... فستضيع السيطرة بالكامل على المجتمع. وهذا يعني أن تسير في طريق ويمكن لشخص ما معه سلاح أن يوقفك ويقتلك ويأخذ سيارتك وأموالك وزوجتك".

وقال نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار اليومية "لا أرى أي حلول. أرى أزمة مفتوحة" على كل الاحتمالات.

ورغم أن الحريري يحمل مطالب عون مسؤولية تعطيل التشكيل الحكومي فقد أصر الرئيس حتى الآن على موقفه.

وتنقل المصادر التي تقابل عون عنه قوله إنه ليس مسؤولا عن الأزمة المالية إذ أن السلطة في أغلب فترات العقود الثلاثة الأخيرة كانت في أيدي الحريري ووالده وبري. ويعتقد الرئيس أن عليهم هم أن يقدموا تنازلات.

وتقول المصادر إن موقف عون ازداد تصلبا منذ فرضت واشنطن عقوبات على صهره باسيل الذي يؤهله عون لكي ينافس على منصب الرئيس.

وقال زائر "هناك تغيير كامل، فهو ليس مستعدا لتقديم أي تنازلات على الإطلاق".

حزب الله يقر بالحاجة لتشكيل حكومة لكنه ليس على استعداد للضغط على عون والمجازفة بتحالفه مع حزبه المسيحي الكبير

وتحول حجم الخسائر المالية والتدقيق المزمع في حسابات الدولة إلى نقطة خلاف في لبنان العام الماضي الأمر الذي أدى إلى توقف المحادثات مع صندوق النقد إذ نسف كبار المصرفيين والنواب خطة الإنعاش التي طرحتها الحكومة المستقيلة.

وقد أوضح المانحون الغربيون أنهم لن يتدخلوا لإنقاذ لبنان من عثرته دون إصلاحات لمعالجة الفساد المتجذر والديون الهائلة وإحياء المحادثات مع صندوق النقد.

كذلك أغلقت دول الخليج العربية التي كانت تحول الأموال إلى لبنان قنواتها إذ تخشى اتساع نطاق الدور الذي يلعبه حزب الله.

ورغم الانهيار يقول الدبلوماسيون ومصادر مقربة من دوائر السلطة إن الأطراف التي تشكل النخبة الحاكمة تبدو منشغلة بتأمين المقاعد في الانتخابات البرلمانية العام المقبل أكثر من انشغالها بتنفيذ الإصلاحات.

وقال مصدر مقرب من المصادر الحكومية "بالنسبة لهم هي لعبة سياسية. فهي تدور حول من سيفوز. أما الانهيار الكامل والثمن الاقتصادي والاجتماعي فليس له الأولوية بالنسبة لهم. هي معركة من أجل البقاء في نظرهم وهم يعتقدون أن بإمكانهم بحث الثمن في ما بعد".

وأضاف مصدر سياسي آخر "يحسبون أن بإمكانهم البقاء أطول قليلا لكن لا أحد يعلم أين نقطة الانهيار".