بعد وصفها بالانقلاب، شورى النهضة يقر إجراءات سعيد

رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي يقبل أخيرا بإجراءات 25 يوليو داعيا إلى تحويلها إلى فرصة للإصلاح في موقف يحتمل أكثر من تفسير.
الغنوشي يخفف لهجته إزاء الرئيس التونسي
قرارات الرئيس التونسي أربكت حسابات النهضة

تونس - في انعطافة مواقف قد تكون من باب المناورة والإفلات من الضغوط الشعبية ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حركة تهزها الانقسامات، أقرّت النهضة الإسلامية اليوم الأربعاء في اجتماع مجلس الشورى برئاسة رئيس الحركة ورئيس البرلمان المجمد راشد الغنوشي بالإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي والتي اعتبرت بمثابة زلزال سياسي أربك الإسلاميين.

وقال الغنوشي اليوم الأربعاء في اجتماع مجلس الشورى وهو أعلى هيئة في الحركة إنه يتعين تحويل قرارات الرئيس سعيد إلى فرصة للإصلاح، فيما يأتي هذا الموقف بعد أن وصف إجراءات 25 يوليو بأنها انقلاب وهو موقف رددته معظم القيادات في حزبه وحلفاؤه.

ونشرت صفحة النهضة تصريحات للغنوشي يوم الأربعاء تضمنت لهجة أخف قال فيها "يجب علينا أن نحول إجراءات الرئيس إلى فرصة للإصلاح ويجب أن تكون مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي".

وفقدت النهضة على ما يبدو هامش المناورة ولم تعد تملك الكثير من الخيارات في مواجهة قرارات الرئيس سعيد التي حظيت بقبول شعبي واسع.

وبعد سنوات من الغضب الشعبي المتصاعد من الأحزاب السياسية الرئيسية بما في ذلك النهضة بسبب الركود الاقتصادي والفساد والشلل السياسي ، بدا أن إعلان سعيد المفاجئ في 25 يوليو/تموز يحظى بشعبية كبيرة في البلاد.

وداخل حزب النهضة أثار رد فعل الغنوشي الأول قلقا متزايدا ودفع بعض كبار الشخصيات والشباب لدعوة زعيمهم المخضرم للتنحي.

وبعد قرارات سعيد المفاجئة، دعت الحركة (53 نائبا من أصل 217) إلى الحوار، وأعربت عن استعدادها لتقديم "التنازلات الضرورية" لعودة المسار الديمقراطي، بما في ذلك إعداد البلاد لانتخابات مبكرة.

وقبلها كان الغنوشي قد دعا أنصاره للنزول للشارع في مواجهة ما وصفه بالانقلاب على الشرعية، إلا أن دعوته لم تلق تجاوبا يذكر، فيما واجه في المقابل انتقادات من قيادات من الحركة مثل الوزير السابق محمد بن سالم الذي دعاه صراحة للانسحاب وإفساح المجال لضخ دماء جديدة في الحركة، معتبرا أن تولي الغنوشي رئاسة البرلمان كانت أكبر خطأ وأنه لم يفد لا الحركة ولا البلاد.

كما دعا وزير الصحة السابق والقيادي في النهضة عماد الحمامي، الغنوشي للانسحاب وإعطاء المشعل للقيادات الشابة في الحركة التي حملت بدورها القيادة الحالية للحركة المسؤولية عن الأزمة السياسية ومآلات الوضع العام في البلاد.

وعلى الرغم من أن الرئيس سعيد لم يواجه معارضة كبيرة أخرى لتحركاته، التي ساعدها الجيش بالانتشار في محيط البرلمان وبعض المباني الحكومية، إلا أن تأخره في الإعلان عن رئيس وزراء جديد أو خارطة طريق للأزمة أثار المخاوف.

ودعا اتحاد الشغل القوي وكذلك الحليفان الغربيان، فرنسا والولايات المتحدة، إلى الإسراع بإعلان حكومة جديدة.

وأدى تأخر الرئيس التونسي في الإعلان عن خارطة طريق للفترة القادمة بعد عشرة أيام من إمساكه بزمام السلطة التنفيذية إلى زيادة حالة من القلق بين التونسيين، مع انتظار الأصدقاء والخصوم بفارغ الصبر لرؤية خطوات تخرج البلاد من حالة الشلل السياسي والاقتصادي.

وتقول مصادر مقربة من القصر الرئاسي في قرطاج إن سعيد يريد رئيسا للوزراء من بين صناع السياسات الاقتصادية.

ويتوقع خبراء سياسيون في تونس الآن أن يعمد الرئيس التونسي إلى سن قانون جديد للانتخابات ووضع دستور يركز السلطة في قبضة الرئيس ويلغي ترتيبا لمشاركتها مع البرلمان، وهو ما يعتبر سبيلا يؤدي للتعثر والفساد.

لكن لم يتضح بعد كيف سيبدو الدستور الجديد وإلى أي مدى سيكون ديمقراطيا وما الدور المتوقع للبرلمان بموجبه وما إن كان سيحظى بدعم من بقية الأطراف الرئيسية الأخرى وما هي السبل المستخدمة لإقراره.

ويحظى سعيد على ما يبدو بشعبية واسعة في بلد تسببت جائحة كوفيد-19 في تفاقم الركود الاقتصادي والسياسي الذي يعاني منهما منذ أعوام ولاقت خطواته تأييدا من الشعب.

وقال ماهر بن علي وهو بائع فاكهة في حي باب الخضراء الشعبي بالعاصمة تونس "نحن راضون عن الرئيس... لكني أقول له لا تتأخر. سيدي الرئيس امضي بسرعة ونحن نريد أن نرى الأفعال الآن".

وقام سعيد بتغيير عدة وزراء على نحو مباشر، مما يعزز الانطباع بأنه سيلعب الدور الرئيسي في الحكومة.

وفي حزب التيار الذي وصف خطوات سعيد في البداية بأنها انتهاك ثم خفف نبرته بعدما تبين أن الرئيس يحظى بدعم واسع النطاق، قال مسؤولون إنهم يريدون رؤية خارطة طريق.

وقال نبيل حجي المسؤول في الحزب "كل يوم يمر تضعف آمال التونسيين في تنقية المناخ السياسي ويستثمره مجرمو التحالف السياسي المالي القذر في إعادة التموقع وتوسيع شبكة الابتزاز والتهديد".

وفي حزب النهضة يسعى بعض كبار المسؤولين إلى التراجع عن موقف الحزب الذي يصف خطوات الرئيس بأنها انقلاب، وهو الموقف نوقش بالفعل في اجتماع مجلس شورى الحزب.

وقال ماهر مذيوب القيادي بالحزب "هناك غموض ونريد توضيحا ونقاشا هادئا لإنهاء خرق الدستور وإعادة تونس إلى المسار الديمقراطي بأسرع ما يمكن".