بغداد أمام اختبار صعب للخلاص من الارتهان للغاز الايراني

بغداد - وقّع العراق الأربعاء مع شركة "جي إي فيرنوفا" الأميركية للطاقة مذكرة تفاهم لإنتاج الطاقة الغازية المركّبة بما يناهز 24 ألف ميغاواط وذلك في وقت تسعى فيه الدولة المجاورة لإيران إلى تنويع مصادر الطاقة لديها، بينما تشكل تبدو هذه الخطوة بداية للخلاص من الارتهان للغاز الإيراني.

ويواجه العراق تحديات مالية وعراقيل سياسية بفعل تدخلات القوى النافذة الموالية لإيران، للتخلص من مشكلة الكهرباء المستعصية والتي يبدو أن جزء منها مرده التحكم الإيراني في مصادر الطاقة الغازية التي تستوردها بغداد لتشغيل مولدات الكهرباء.

وأوقفت طهران في أكثر من مرة أو خفضت الشحنات التي تسوقها للعراق للضغط على بغداد لتسديد مبالغ مالية مستحقة عليها نظير ما استوردته من الغاز الإيراني. كما استخدمت ورقة الغاز في الضغط على العراق في قضايا سياسية.

وتسبب الابتزاز الإيراني في احتقان اجتماعي في مناطق تعاني من عقود من انقطاع الكهرباء وتردي الخدمات.

وتسعى واشنطن لمساعدة العراق في حل مشكلة الكهرباء المزمنة والتي ارتدت أزمة اجتماعية. كما تعمل على مساعدته على التخلص من الارتهان لغاز إيران التي تستخدم ورقة الطاقة في الضغط على بغداد لتمرير أجندتها.

ورعى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وفق بيان لمكتبه، "مراسم توقيع مذكرة تفاهم" بين وزير الكهرباء زياد علي فاضل وممثل عن "+جي إي فيرنوفا+ تشتمل على مشاريع لمحطات إنتاج الطاقة الغازية المركبة بحدود 24 ألف ميغاواط في خطة هي الأوسع والأحدث في تاريخ العراق".

وأشار البيان إلى "إمكانية تأمين التمويل الخارجي من البنوك العالمية". وجاء الإعلان على هامش زيارة بدأت الاثنين لبعثة من نحو 60 شركة أميركية هي "أكبر بعثة تجارية أميركية إلى العراق في تاريخ" غرفة التجارة وفق واشنطن، بغية توقيع عدد من الاتفاقات مع القطاع الخاص.

وتسعى بغداد للحفاظ على توازن في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة حليفتها الاستراتيجية، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2024 نحو 9.1 مليارات دولار بحسب مكتب الممثل التجاري الأميركي.

وبعدما كانت تعتمد محطات إنتاج الطاقة العراقية بشكل كبير على الغاز الإيراني في تأمين ثلث حاجات البلاد من الطاقة، لم تمدّد إدارة دونالد ترامب في مارس/اذار الإعفاء الممنوح للعراق منذ 2018 لشراء الكهرباء من طهران رغم العقوبات الأميركية على إيران.

وتؤكد بغداد سعيها إلى إيجاد بدائل من وارداتها من الغاز الإيراني قبل الصيف الذي تنقطع فيه الكهرباء يوميا في بلد يقيم فيه أكثر من 46 مليون شخص ويعاني تداعيات عقود من النزاعات أدّت إلى تهالك بنيته التحتية.

وبحسب أرقام رسمية، يتوجب على العراق إنتاج حوالي 55 ألف ميغاواط من الكهرباء سنويا ليحول دون انقطاع التيار، غير أن الإنتاج حاليا يصل إلى نحو 16 ألف ميغاواط. وتسعى وزارة الكهرباء العراقية إلى أن يتجاوز الإنتاج 27 ألف ميغاواط هذا الصيف.

وقال فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية الأربعاء، إن الحكومة العراقية "وضعت خططا لتحقيق استقلالية الطاقة وتلبية احتياجات الشعب العراقي من الكهرباء المستقرة وغير المنقطعة".

وأشار إلى أن مذكرة التفاهم التي وقعها العراق مع "جي إي فيرنوفا" تعكس "العلاقة المستدامة مع الشركات الأميركية التي يمكنها توفير الخبرات والخدمات التي يحتاج إليها العراق"، مضيفا أن بلاده "أرض فرص للشركات الكبرى للعمل والاستثمار فيها".

ورعى السوداني الأربعاء كذلك مراسم توقيع "مذكرة ثانية تضمّنت مبادئ التعاون بين وزارة الكهرباء ومجموعة +يو جي تي رينووبل لإنشاء مشروع متكامل للطاقة الشمسية بسعة ثلاثة آلاف ميغاواط"، بالإضافة إلى "إنشاء ما يصل إلى ألف كيلومتر من البنية التحتية الجديدة لنقل التيار المباشر العالي الجهد".

وقالت السفارة الأميركية في بغداد في منشور على منصة "إكس" بعد مراسم التوقيع إن الاتفاقات مع "جي إي فيرنوفا" و"يو جي تي رينووبل" تبلغ قيمتها "مليارات الدولارات".

ووقع اتحاد الغرف التجارية العراقية وغرفة التجارة الأميركية مذكرة تفاهم "لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاونية والعلمية والتكنولوجية القائمة".

وقال رئيس البعثة التجارية الأميركية ستيف لوتس "هناك الكثير من الفرص في مجال النفط والغاز ونريد أن تسعى الشركات الأميركية إلى تحقيقها".

وفرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعرفة إضافية عامة بنسبة 10 في المئة على كل المنتجات المستوردة إلى الولايات المتحدة، دخلت حيز التنفيذ السبت، ما أدّى إلى زعزعة الاقتصاد العالمي وأثار مخاوف من حدوث ركود دولي.

وتتجاوز الرسوم الجديدة المفروضة على العراق الحد الأدنى إذ تبلغ 39 في المئة.

وصدّر العراق إلى الولايات المتحدة في العام 2024 أكثر من 95 ألف برميل يوميا من المنتجات النفطية التي تُعدّ أكبر الصادرات العراقية إلى واشنطن، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وأكّد علاء الدين لوكالة الأنباء العراقية الأسبوع الماضي أن صادرات الطاقة العراقية بينها النفط الخام "ليست مشمولة بالرسوم التي فرضها ترامب"، مؤكدا أن "الأثر الاقتصادي للرسوم الأميركية على العراق محدود جدا".

ووقعت بغداد خلال زيارة أجراها السوداني لواشنطن في أبريل/نيسان 2024، مذكرات تفاهم في مجال الطاقة والمحروقات إحداها مع جنرال إلكتريك "لصيانة وتحديث قطاع الكهرباء في العراق لمدة 5 سنوات".

وتعهدت السلطات العراقية مؤخرا بلوغ مستوى إيقاف حرق الغاز المصاحب إلى 80 في المئة في نهاية 2025، على أن يتوقف بشكل كامل بحلول نهاية 2027.

ويُعدّ العراق ثالث أكثر دولة تحرق الغاز المصاحب عالميا بعد روسيا وإيران، وقد بلغ مجمل الغاز الذي أحرقه عام 2023 نحو 18 مليار متر مكعب، بحسب بيانات للبنك الدولي.