بن عروس التونسية تفتتح المقهى الثقافي الصيفي

هيام الفرشيشي تتحدث عن دور المقاهي الثقافية في تونس منذ مطلع القرن الماضي في إحداث حراك فني وفكري وإعلامي.
هدى الدغاري تقرأ نصوصها التي تتأمل صور الذاكرة البعيدة في تجاعيد الحاضر لاستعادة اللحظات الشعرية
الممثل الشاب انور الحرزلي عرضا مسرحيا فرجويا موجزا

بن عروس (تونس) ـ تحت إشراف بلدية بن عروس وضمن البرمجة التي أعدتها هيئة المهرجان الصيفي ببن عروس متمثلة في رئيس جمعية المهرجان الفنان محمد المشرقي ومدير الدورة مهدي بن يوسف؛ انعقد "المقهی الثقافي الصيفي". وعهد  الإشراف على المقهى الثقافي إعدادا وتقديما إلى القاصة والناقدة هيام الفرشيشي المشرفة على "بيت السرد" وأنشطة أدبية وثقافية غزيرۃ ومتعددة، والتأمت فعاليات المقهى في فضاء "رواق الفنون ببن عروس" الذي تديره الفنانة التشكيلية نزيهة الصولي والتي خصصت لهذه المناسبة معرضا تشكيليا خاصا بنخبة من التشكيليين بولاية بن عروس.  
ومن الضيوف الذين وجهت لهم هيام الفرشيشي الدعوة: الشاعر التونسي الكبير المنصف المزغني، والأديب الساخر توفيق علوي، والشاعر الثائر سامي الذيبي، والشاعرات وداد الحبيب والثريا رمضان وهدى الدغاري، والموسيقي عمر بوثور. كما دعي الناقد الهادي السماعلي مدير مجلة "شعر"، والروائي باللغة الفرنسية محمد بليغ التركي صاحب رواية "الحب في زمن العار" والذي أصدر مؤخرا رواية "المنفى في زمن الغرباء". وكان مهدي غلاب الشاعر والفنان التشكيلي المغترب الضيف الشرفي للمقهى من خلال أعماله التشكيلية.
وحضر اللقاء ثلة من أهل الثقافة والفكر والإبداع على غرار رئيسة لجنة الثقافة والتربية والفنون ببلدية بن عروس الاستاذۃ  ألفة المرواني, والمدير بمعهد الآثار بقرطاج الدكتور معز عاشور والشاعر شمس الدين العوني والشاعر صالح الطرابلسي والروائي عبدالستار العبروقي والناقد الهاشمي الخلادي والمبدعة شيراز توبال وآخرون. 
وفي كلمة افتتاح المقهى تحدثت هيام الفرشيشي عن دور المقاهي الثقافية في تونس منذ مطلع القرن الماضي في إحداث حراك فني وفكري وإعلامي، معرجة على أهم المقاهي الثقافية ورموزها انطلاقا من مقهى "المرابط" قرب القصبة بمدينة تونس التي كانت تحتضن كل مساء  عزفا موسيقيا في فن المالوف بحضور خميس ترنان والمؤرخ عثمان الكعاك ومصطفى صفر  وبينت دور هذا المقهى في حفظ التراث الموسيقي الأندلسي ومناداة شيوخ المالوف مع جماعة تحت السور لتأسيس معهد الراشدية في 1934. مرورا إلى جماعة البانكة العريانة ورموزها مثل شيخ أدباء محمد العربي الكبادي وجلال الدين النقاش. وبينت أن جماعة مقهی "تحت السور" بباب سويقة قد أسسوا الكثير من الصحف الهزلية والأدبية على غرار جريدة "لسرور" لعلي الدوعاجي، و"الشباب" لبيرم التونسي و"العالم الأدبي" لزين العابدين السنوسي وصحف عديدة. 
ورغم ما عرفه بعض روادها من بوهيمية واطلاق الحريات ووصل الليل بالنهار فقد مثلت المقهى حاضنة لاتجاه فكري تحرري قاده الطاهر الحداد من خلال كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" والشاعر أبوالقاسم الشابي صاحب "أغاني الحياة" الخالدة، وإثارة القضايا الوطنية وخاصة مع تأسيس إذاعة الوطنية التونسية في 1938، 
كما كان الشاعر عبدالرزاق كرباكة من مؤسسي النادي الأفريقي لكرة القدم. ويكفي أن نتحدث عن رموز فنية كالهادي الجويني والصادق ثريا وشافية رشدي وعن عبدالعزيز العروي وغيرهم لندرك أن هذه المقاهي مثلت فضاءات للفكر والإبداع. 
كما تحدثت عن مقهى الروتاند الذي يجمع منذ سنوات رواد "نادي القصة" كل أحد. ومقهى الميتروبول الذي مثّل قبل الثورة فضاء لخوض بعض المعارك الثقافية ومن بين وجوهه الصحفي والباحث محمد المي ونورالدين بالطيب وظافر ناجي. معتبرة أن عقد هذه المجالس في المقاهي الثقافية ساهم في دفع الحراك الثقافي.

إثر ذلك قدم كل من محمد المشرقي ومهدي بن يوسف لمحة عن الهدف من إرساء المقهی الثقافي وتوجيه العناية لكل أنماط الإبداع والفنون. ثم قدمت الضيوف وأعمالهم وخصوصيات تجاربهم. فقرأ المنصف المزغني بأسلوبه الذي يقوم على تجليه مع قصيدته والحرص على التنغيم الموسيقي في عرض يشد الحضور، وقرأ توفيق علوي بعض نصوصه الأدبية الهزلية من مجموعته القصصية "سعادة خاصة" وتحدث عن دور بيئته الشعبية وثقافته الأدبية في تشكيل أسلوبه الساخر في نقد الواقع، 
وقرأ الشاعر سامي الذيبي ما تيسر من أشعار بصوته القوي وصوره الشعرية المنسابة كشلال صاخب يفرض متعة الإنصات والتأمل في الصور الضاجة. وقرأت هدى الدغاري نصوصها التي تتأمل صور الذاكرة البعيدة في تجاعيد الحاضر لاستعادة اللحظات الشعرية. وقرأت وداد الحبيب قصائد منغمة بعزف الوجدان. وتناهت الثريا رمضان في صورها الشعرية التأملية تلامس أطراف المعنى. وتحدث الهادي السماعلي عن دور مجلة "شعر" التي أسسها بمبادرۃ ذاتية، وهي تعنی بالشعر التونسي للتأسيس للبعد الثقافي على أن تركز على كل وجوه الساحة الشعرية في تونس سواء كانت في الظل أو تحت الشمس، مع إثارة قضايا الشعر الراهن والتأسيس للقاءات بين الشعراء والنقاد وتأثيث المجالس الشعرية كعمل مكمل بعد إصدار كل عدد من المجلة. 
وقرأ محمد بليغ التركي بعض المقاطع الأدبية الإنشائية من روايته الجديدة. وتخللت الجلسة معزوفات موسيقية علی العود بأنامل الموسيقي المبدع عمر بوثور. كما  تناولت هيام الفرشيشي الصورة بين الشعر والتشكيل في "منازل الوجدان" لمهدي غلاب من خلال التوزيع البصري لقصائده وأشكال الذاكرة المتفسخة للتعبير عن حنين مبدع مغترب لرسم دروب الذات وهوية المكان. 
وقدم الممثل الشاب انور الحرزلي عرضا مسرحيا فرجويا موجزا. وقدم الهاشمي خلاد رواية "ما وراء الجدار الأسود" لعبدالستار العبروقي، وهي رواية في الخيال العلمي باللغة الفرنسية.
وبذلك ساهم "المقهی الثقافي" في تأثيث دورة المهرجان الصيفي ببن عروس التي كانت متميزة هذا العام، تراوحت بين الطرب والعروض الفرجوية علی غرار السيرك والمسرحيات الهزلية وشهدت حضور جمهور مكثف  ومواكبة إعلامية لافتة.