بوتفليقة يتعهد بانسحاب 'مشروط' من الحكم

الرئيس الجزائري يتعهد، إذا أعيد انتخابه، بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في أقل من عام لن يكون مرشحا فيها، واعدا بإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية.
السلطة تبحث عن مخرج لورطة الولاية الخامسة لبوتفليقة
تكتم رسمي يرافق رحلة بوتفليقة العلاجية في سويسرا
تعهد بوتفليقة بالانسحاب من الحكم بعد انتخابه مناورة سياسية أم مخرج من الأزمة
بوتفليقة يتعهد بتغيير النظام وبإصلاحات واسعة إذا أعيد انتخابه
بن فليس يقرر عدم الترشح للانتخابات الرئاسية احتجاجا على ترشح بوتفليقة
السلطة الحاكمة استثمرت في تخويف الجزائريين من عودة الحرب الأهلية
المعارضة لم تتفق على مرشح موحد في مواجهة مرشح السلطة
وكالة الأنباء الجزائرية: ليس مطلوبا أن يقدم الرئيس أوراق ترشحه بنفسه
بوتفليقة يستبدل مدير حملته الانتخابية

الجزائر - تجاهل الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الاحتجاجات الرافضة لترشحه لولاية رئاسية خامسة، حيث تقدم رسميا بملف ترشحه لخوض استحقاق 18 أبريل/نيسان الرئاسي، وفق ما ذكر تلفزيون النهار اليوم الأحد، لكنه تعهد في المقابل بأنه في حال انتخابه مجددا رئيسا في 18 ابريل/نيسان، بعدم إنهاء ولايته والانسحاب من الحكم بعد تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة يحدد تاريخها إثر مؤتمر وطني.

وقال عبدالغني زعلان مدير حملة بوتفليقة إنه سيعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة في أقل من سنة في حال إعادة انتخابه، في تصريح يشير إلى أن السلطة إما أنها تبحث عن الخروج من الورطة مع تفاقم الاحتجاجات الرافضة للولاية الخامسة أو أن وضع الرئيس الصحي لا يسمح له فعلا بالاستمرار لأكثر من سنة أخرى في الحكم أو أنها مجرد مناورة سياسية تستهدف احتواء الغضب الشعبي.

وقال بوتفليقة في رسالة نقلها التلفزيون الوطني مساء الأحد "نمت إلى مسامعي وكلي اهتمام هتافات المتظاهرين عن آلاف الشباب الذين خاطبوني بشأن مصير وطننا"، في إشارة إلى حركة الاحتجاج غير المسبوقة التي أعقبت إعلانه ترشحه في العاشر من فبراير/شباط.

وأضاف "إني لمصمم إن حباني الشعب الجزائري بثقته مجددا على الاطلاع بالمسؤولية التاريخية وألبي مطلبه الأساسي أي تغيير النظام".

وتابع "أتعهد أمام الله تعالى والشعب الجزائري" بالدعوة مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية في 18 ابريل "إلى تنظيم ندوة وطنية شاملة واعتماد إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أساس النظام الجديد".

وتعهد بوتفليقة بـ"تنظيم رئاسيات مسبقة"، مضيفا "أتعهد ألا أكون مرشحا فيها" ليؤكد بذلك ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة قبل ساعات من انقضاء الآجال القانونية للترشح منتصف ليل الأحد.

ولم يرد تأكيد رسمي، لكن وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية نشرت "تصريح الممتلكات الخاصة" لبوتفليقة وهو شرط أساسي من متطلبات خوض الانتخابات.

وخرج عشرات الآلاف من المحتجين في أنحاء الجزائر اليوم الأحد مطالبين بوتفليقة الذي احتفل قبل أيام بعيد ميلاده الـ82، بالتنحي، فيما يخضع منذ الأحد الماضي للعلاج في المستشفى الجامعي بجنيف.

ويقول سياسيون جزائريون بينهم مسؤولون سابقون، إن صحة بوتفليقة في تدهور مستمر وأنه انتهى سياسيا، مشيرين إلى أنه مجرد واجهة سياسية وأن الحكم يدار من خلف ستار.

وترجح بعض القراءات أن شقيقه ومستشاره السعيد بوتفليقة هو الذي يدير شؤون الدولة مع نخبة من رجال السلطة الحاكمة منذ الاستقلال.

وتقترب أعداد المحتجين سريعا من مستويات يوم الجمعة الماضي عندما ملأ المحتجون وسط العاصمة الجزائر في واحد من أكبر الاحتجاجات، النادرة في الجزائر، منذ انتفاضات الربيع العربي في عام 2011.

وقال تلفزيون النهار المحلي الخاص، إن بوتفليقة الذي يعاني من آثار جلطة دماغية أصابته في العام 2013 ويتنقل على كرسي متحرك ولم يظهر للعلن منذ فترة طويلة، قدم أوراق ترشحه للمجلس الدستوري في الجزائر العاصمة اليوم الأحد. وقالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، إنه ليس من المطلوب أن يقوم بذلك بنفسه.

ووفقا لوسائل إعلام سويسرية كان في مطلع هذا الأسبوع في سويسرا لإجراء فحوص طبية لم يتم الكشف عنها. وقال شاهد، إن شاحنات من حملة بوتفليقة وصلت إلى المجلس الدستوري ظهر اليوم الأحد.

ويقول معارضون إن بوتفليقة لم يعد لائقا للنهوض بمهام الرئاسة، مشيرين إلى اعتلال صحته وما يقولون إنه انتشار للفساد وافتقار إلى الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لمعالجة مشكلة البطالة التي يتجاوز معدلها 25 بالمئة بين الأشخاص دون الثلاثين من العمر.

لكن محللين يقولون إن الحركة الاحتجاجية تفتقر لقيادة وتنظيم في بلد ما زال يهيمن عليه المحاربون القدامى الذين شاركوا في حرب الاستقلال عن فرنسا في الفترة من عام 1954 حتى عام 1962.

ودعت المعارضة الجزائرية التي تعاني عادة من الضعف والانقسام، إضافة إلى جماعات المجتمع المدني للمزيد من الاحتجاجات إذا ترشح بوتفليقة الذي يحكم البلاد منذ عشرين عاما.

لكن المعارضة الضعيفة والمنقسمة في العادة وكذلك المنظمات المدنية دعت الاحتجاجات للاستمرار إذا أكد بوتفليقة ترشحه للانتخابات.

وسعت الحكومة لاستغلال مخاوف الجزائريين من العودة إلى إراقة الدماء في تسعينات القرن الماضي عندما قتل نحو 200 ألف شخص بعد ما حمل الإسلاميون السلاح إثر إلغاء الجيش انتخابات كانوا على وشك الفوز فيها.

لكن موجة الاحتجاجات الجديدة اتسمت بالسلمية باستثناء يوم الجمعة عندما أسفرت اشتباكات مع الشرطة عن إصابة 183 شخصا قرب القصر الرئاسي في العاصمة.

واحتشد آلاف الطلاب داخل عدد من الكليات الجامعية التي يقع إحداها قرب المجلس الدستوري حيث يقدم المرشحون للانتخابات الرئاسية أوراقهم، ورددوا هتافات تقول "لا للعهدة الخامسة".

وكان هناك وجود أمني مكثف حول المجلس الدستوري ومنعت الشرطة الطلاب من مغادرة الحرم الجامعي القريب من المجلس، حيث أغلقت أبوابه الرئيسية.

طوق أمني يحاصر المحتجين في الجزائر العاصمة
طوق أمني يحاصر المحتجين في الجزائر العاصمة

لكن شوهد الآلاف بعد ذلك في مظاهرات في وسط المدينة كما حدث يوم الجمعة. وقدر مصدر دبلوماسي عدد المتظاهرين في الجزائر العاصمة اليوم بنحو 70 ألف شخص وشمل ذلك احتشادا بجامعة باب الزوار، وهي الأكبر في البلاد.

وقالت عائشة وهي طالبة تبلغ من العمر 23 عاما "لن نكف عن التظاهر حتى نتخلص من هذا النظام".

ووفقا لشهود ولقطات أذاعها تلفزيون محلي، خرج آلاف من المحتجين في مدن أخرى بأنحاء البلاد منها وهران وباتنة وسكيكدة والبليدة والبويرة.

وكان أول من قدم أوراق ترشحه في انتخابات الرئاسة هو علي غديري وهو لواء متقاعد يتحدى الصفوة الحاكمة التي تتكون من أفراد الجيش والحزب الحاكم ورجال الأعمال. وقال للصحفيين إنه يبشر الشعب بفجر جديد.

لكن علي بن فليس أبرز منافسي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية عامي 2004 و2014، قرر عدم الترشح لانتخابات الثامن عشر من ابريل/نيسان، حسب ما أعلن في بيان.

وكان الرئيس بوتفليقة أنهى تخمينات استمرت لأشهر بشأن ترشحه بعد إعلانه في العاشر من فبراير/شباط أنه سيترشح لولاية خامسة، ما دفع آلاف الجزائريين للخروج في مظاهرات غير مسبوقة هي الأولى منذ انتخابه رئيسا في 1999، رفضا للولاية الخامسة.

وجاء إعلان بن فليس قبل صدور بيان بوتفليقة. وقال في تدوينة على صفحته الرسمية بفايسبوك "مكاني ليس في الميدان الانتخابي بل في الميدان مع إخواني للتصدي لتمادي القوى الغير دستورية في ترشيح خرافي لعهدة خرافية تأتي علينا بالعار والخزي"، مضيفا  "لقد نطق الشعب و قال كلمته - الكلمة الفصل- و لم يكن في وسعي سوى أن أتشرف بالإصغاء إليه و بالامتثال لأمره".

وتابع "إن إجراء الانتخابات الرئاسية في الظروف الحالية وطبقا للشروط التي أملتها قوى غير دستورية لا مسؤولة قد فقدت كلية معناها وعلة وجودها"، مضيفا "لقد استرجع الشعب الجزائري حقه كاملا في تقرير مصيره وسيطرته على زمام أموره".

وقال "لم يقل الشعب الجزائري كلمته الأخيرة" في ما يجري في الجزائر. وكان بن فليس تولى منصب رئيس وزراء بوتفليقة بين العامين 2000 و2003 ثم منصب أمين عام جبهة التحرير الوطني، قبل أن يقطع مع بوتفليقة رافضا دعمه لولاية ثانية.

وحذر رئيس الحكومة الأسبق في بيانه من أنه "في سجل سائر الأزمات السياسية التي واجهتها الجزائر منذ استقلالها تنفرد الأزمة السياسية الراهنة بدقتها وحساسيتها وبجسامة المخاطر التي تنطوى عليها بالنسبة لمصير الدولة الوطنية".

وأضاف أن الشعب "يلتف حول قيم الحرية والحقوق والمواطنة يرفع راية الحداثة السياسية و الديمقراطية ويطالب باسترجاع مواطنته المغيبة تارة والمصادرة تارة أخرى".

وحصل بن فليس على 6.4 بالمئة من الأصوات في 2004 و12.3 بالمئة في 2014 ليحل في المرتين في المرتبة الثانية بعد بوتفليقة الذي أعيد انتخابه بلا انقطاع منذ 2004 بأكثر من 80 بالمئة من الأصوات.

وكانت المعارضة الجزائرية حاولت بلا جدوى الاتفاق على مرشح واحد للانتخابات القادمة.

وقالت حركة مجتمع السلم أبرز حزب إسلامي في الجزائر الذي كان غادر الائتلاف الرئاسي في 2012، أنه سيقاطع الاقتراع إذا ترشح بوتفليقة.

ووصل مرشح آخر هو رشيد نكاز رجل الأعمال والناشط مستقلا سيارة أجرة وقال لمحتجين إنه ينبغي أن تبقى الاحتجاجات سلمية لتقديم صورة جيدة عن "ديمقراطيتنا". وبحلول منتصف اليوم، تقدم سبعة مرشحين بطلباتهم رسميا.

وفشلت المعارضة في الاتفاق على مرشح موحد مما يجعل قيامها بحملة مهمة صعبة في بلد يهيمن عليه منذ الاستقلال حزب واحد هو حزب جبهة التحرير الوطني.

وذكرت وسائل إعلام رسمية أن بوتفليقة استبدل مدير حملته الانتخابية عبدالمالك سلال يوم السبت واستبدله بوزير النقل والأشغال العامة عبدالغني زعلان.

ولم يتحدث الرئيس الجزائري عن الاحتجاجات بشكل مباشر رغم أنها الأكبر منذ عام 2011، لكنه اكد في رسالة سابقة تلاها بالنيابة عنه وزير الداخلية، على أهمية "الاستمرارية".

وكان العديد من الجزائريين يتجنبون النشاط السياسي على مدى سنوات خوفا من التعرض للأذى من جانب أجهزة الأمن أو بسبب اليأس من إمكانية تغيير القيادة في البلاد.

وبعد تمرد إسلامي استمر عشر سنوات وتمكن بوتفليقة من القضاء عليه في فترة حكمه الأولى أصبح الجزائريون يتحملون نظاما سياسيا لا يترك مساحة تذكر للاختلاف كثمن يدفعونه مقابل الأمن والاستقرار النسبيين.