بوتفليقة يعيش عزلة شعبية وسياسية غير مسبوقة

أحزاب السلطة ومنظماتها الأهلية والدينية التي طالما دعمت الرئيس الجزائري وشكلت خلال عقود حزاما متينا لحكمه تقفز من سفينة نظام توشك على الغرق.
صحيفة مقربة من الرئاسة تتحدث عن 'ليلة انقلاب' الموالاة على بوتفليقة
حلفاء بوتفليقة ينفضون من حوله وسط غياب تام لشقيقيه ناصر والسعيد
حلف بوتفليقة يتفكك مع تصاعد الغضب الشعبي
المحتجون يطالبون بتغيير النظام لا بتغيير الوجوه
أين اختفى رجال السلطة والمقربون من النظام
بدوي في مهمة شبه مستحيلة لإنقاذ النظام من السقوط
بوتفليقة واجهة فقط لنظام غارق في الفساد
كان يمكن لبوتفليقة المغادرة من الباب الكبير برصيد شعبي وسياسي

الجزائر - بعد عزلة شعبية سببها انتفاضة متواصلة منذ أسابيع وإعلان الجيش انحيازه للشعب، يواجه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة هذه الأيام عزلة سياسية بعد ركوب أحزاب ومنظمات ظلت ركيزته في الحكم، موجة التغيير التي يطالب بها الشارع.

وسارع الكثيرون من حلفاء الرئيس المريض الذي يشكل واجهة نظام يحكم البلاد منذ الاستقلال وواجه في السنوات الأخيرة اتهامات بالفساد والمحسوبية، إلى القفز من سفينة السلطة التي توشك على الغرق.

وبات أكثر رؤساء الجزائر مكوثا في الحكم، يعيش ما يشبه عزلة شعبية وسياسية غير مسبوقة منذ توليه مقاليد الرئاسة في العام 1999 وذلك على بعد 37 يوما من انتهاء ولايتة الرابعة قانونيا في 28 أبريل/نيسان القادم، في ظل رفض لعرضه بتمديد عهدته لإنجاز ما اعتبرها إصلاحات تمهد لتغيير النظام.

ويرى متابعون للشأن الجزائري أنه كان يمكن لبوتفليقة الخروج من الباب الكبير قبل سنوات برصيد شعبي وسياسي كبير، إلا أن مكوثه في الحكم خاصة بعد أن أصيب بجلطة دماغية في 2013 أبعدته عن الأضواء وعن شعبه، سلّط الضوء على حالة الوهن التي أصبحت عليها الجزائر على جميع الأصعدة على الرغم من أنها دولة نفطية وغازية.

ويحسب لبوتفليقة إرساءه ميثاق مصالحة وطنية أنهت سنوات من إراقة الدماء على اثر العشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي، إلا أن الفساد الذي غرقت فيه الجزائر لاحقا وحرم شعبها من الاستفادة من إيرادات النفط والغاز وحصر الثروة في نخبة حاكمة ونخبة من رجال السلطة ورجال الأعمال، شكّل النقطة السوداء في سجله وهو يوشك على الخروج من الحكم من الباب الصغير.

وسلّط الوضع الراهن في الجزائر مع تصاعد الحراك الشعبي، الضوء على الدائرة المقربة من الرئيس وبالتحديد مستشاره الخاص وشقيقه السعيد بوتفليقة وشقيقه الآخر ناصر بوتفليقة.

ومنذ بداية الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام، لم يظهر أي من المقربين جدّا للرئيس المريض كما لم يظهر الرئيس نفسه إلا من خلال رسائل حاول خلالها تهدئة الغضب الشعبي، ما يشير إلى حالة من الإرباك والعزلة المتزايدة للنظام.

وتعتقد المعارضة أن بوتفليقة ذاته لا يحكم الجزائر منذ مرضه وأنه لا يعلم شيئا عما يدور حوله وأن ترشحه للرئاسة قد لا يكون قراره الشخصي، فالرجل سبق أن أعلن في خطاب شهير في العام 2012 عزمه التخلي عن الحكم طواعية وإعطاء المشعل للجيل الجديد لأن "جيل الثورة طاب جنانو" أي هرم، لكنه أعلن لاحقا ترشحه لولاية رئاسية رابعة في 2014 كانت قد أثارت جدلا واسعا.

وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه الجزائريون عدم ترشحه لولاية رئاسية خامسة لاعتبارات أهمها أن وضعه الصحي لم يعد يسمح له بالاستمرار في الحكم، فاجأ بوتفليقة الجميع بإعلان ترشحه قبل أن يعدل عن هذا القرار تحت وطأة الضغوط الشعبية.

وتراجع الرئيس الجزائري عن الترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أبريل/نيسان، شكّل نصف نصر للحراك الشعبي الذي بات يطالب برحيل النظام وليس برحيل الشخص الذي مثّله لعقود.

ومنذ 22 فبراير/شباط تعيش البلاد على وقع انتفاضة شعبية اندلعت بشكل مفاجئ بعد تسجيل ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ورغم تراجعه عن خوض السباق وتأجيله، يرفض المحتجون أن يشارك مع نظامه في الإشراف على المرحلة القادمة.

الحراك الشعبي مستمر في الجزائر حتى رحيل النظام
الحراك الشعبي مستمر في الجزائر حتى رحيل النظام

وقدم بوتفليقة في عدة رسائل للجزائريين ورقة طريق، تبدأ بتمديد ولايته من أجل تنظيم مؤتمر حوار جامع يقود إلى تعديل دستوري عميق وتنظيم انتخابات رئاسة لن يترشح فيها، لكن الشارع والمعارضة رفضاها "باعتبارها محاولة التفاف على مطالب تغيير النظام".

وإلى جانب ذلك، تشير المعلومات المتداولة في الجزائر إلى أن رئيس الوزراء المكلف، نورالدين بدوي، وجد نفسه في مهمة "شبه مستحيلة" لتشكيل طاقم كفاءات كما قال، كون أغلب الأحزاب المعارضة والنقابات رفضت حتى عقد لقاءات تشاور معه.

ومقابل ذلك تطورت مواقف الجيش الذي يعد أهم ركائز الدولة بشكل مضطرد، من التحذير من انحراف المظاهرات، إلى الإشادة بها، وصولا في النهاية لإعلان واضح عن الوقوف إلى جانب الشعب والاستعداد لحمايته والمطالبة بحل عاجل للوضع القائم.

وانعكست مواقف المؤسسة العسكرية في تصريحات متتالية لقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح وهو أيضا نائب وزير الدفاع، خلال زيارات للمناطق العسكرية، كان المثير للانتباه فيها مؤخرا، تفاديه ذكر عبارة "فخامة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قائد القوات المسلحة" التي كانت لا تخلو خطاباته منها سابقا.

وخلال الساعات الماضية، تسارعت الأحداث على مستوى الأحزاب والمنظمات الموالية لبوتفليقة بظهور نبرة تغير مكشوفة في المواقف نحو دعم الحراك الشعبي .

ويوم الثلاثاء فجر شهاب صديق الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي (حزب رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحي وأكبر أحزاب الموالاة) ما وصف بـ"القنبلة" في حوار مع قناة تلفزيونية محلية عندما اعتبر ترشح بوتفليقة خطأ وانعدام بصيرة.

ورغم أن حزبه عاد ونشر توضيحا يقول إن الرجل تعرض لاستفزاز خلال الحوار، إلا أن الأمين العام للحزب أحمد أويحي سبق هذه التصريحات أيضا برسالة لمناضليه يدعو صراحة إلى "الاستجابة لمطالب الشعب في أقرب وقت".

ونفس الخطوة اتخذها حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم منذ الاستقلال والذي يترأسه بوتفليقة نفسه، يوم الأربعاء عندما صرح منسقه العام معاذ بوشارب لأول مرة أن حزبه "يساند وبصفة مطلقة الحراك الشعبي" وهي عبارة تحمل نبرة تحول كبيرة في خطابه تحت تصفيق مناضلي وقيادات الحزب، في تعبير صريح عن ارتياحهم للقرار.

ويعيش حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني خلال الأيام الأخيرة ضغوطا داخليا كبيرة من قبل الأعضاء فيهما لدفع القيادة فيهما لتعديل موقفهما من الحراك، وتجلى ذلك في استقالات وعرائض تطالب بتغيير القيادة أيضا.

ويعيش الإتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر نقابة في البلاد) نزيفا داخليا، حيث لا تتوقف بيانات انشقاق في صفوفه من قبل فروع محلية، احتجاجا على تواصل دعمه لبوتفليقة .

بدوي والعمامرة في مهمة مستحيلة لتمرير خارطة طريق مرفوضة شعبيا وسياسيا
بدوي والعمامرة في مهمة مستحيلة لتمرير خارطة طريق مرفوضة شعبيا وسياسيا

كما يعيش منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تنظيم لرجال الأعمال) الذي يقوده علي حداد المقرب من المحيط الرئاسي، على وقع استقالات متتالية، اضطرت رئيسه إلى تحديد نهاية مارس/آذار الجاري موعدا لعقد اجتماع مجلسه التنفيذي، للنظر في الوضع وسط توقعات بتقديم استقالته.

وأعلن أيضا العشرات من شيوخ الطرق الصوفية التي كانت أهم وعاء ديني رافق بوتفليقة منذ وصوله الحكم في العام 1999 بدورهم يوم الأربعاء، دعم الحراك الشعبي وطالبوا بحلول دستورية بعيدا عن الفوضى، مشددين على ضرورة حفظ كرامة رئيس الجمهورية في تلميح إلى نهاية حكمه.

انقلاب على بوتفليقة

وجاءت هذه التحولات في بيت الموالاة بالتزامن مع نشر صحيفة النهار المقربة من الرئاسة قبل يومين خبرا مفاده أن الرئيس اختار المغادرة مع نهاية ولايته في 28 أبريل/نيسان بعد رفض ورقته للحل.

ونفس الصحيفة عنونت اليوم الخميس تقريرا لها بشأن ما سجل من مواقف في صفوف الموالاة بـ"ليلة الانقلاب على بوتفليقة" ونفس التعليق أيضا نقلته صحف أخرى على غرار "تفكك حلف بوتفليقة" و"الموالاة تترك بوتفليقة وتغرق".

وعجت شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت أيضا بتعليقات عن هذه التطورات، تدور في فلك الحديث عن "قفز" الموالين من "سفينة غارقة" وتخلي المنتفعين من فترة حكم بوتفليقة عنه، مع تحذيرات من "اختراقهم للحراك".