بوتين في دمشق للانقضاض على 'إرث' سليماني

دمشق - وصل الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق اليوم الثلاثاء في زيارة مفاجئة التقى خلالها بنظيره السوري بشار الأسد بعد أيام من مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في بغداد بعد زيارة أداها إلى سوريا.

وقال حساب الرئاسة السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، إن بوتين وصل "دمشق في زيارة التقى خلالها الرئيس الأسد في مقر تجميع القوات الروسية" في العاصمة".

وأعلنت حسابات الرئاسة أن الزيارة المفاجئة هي الأولى من نوعها إلى العاصمة السورية منذ اندلاع النزاع قبل نحو تسع سنوات.

ونشرت صورة للأسد وهو يصافح بوتين وجلس قربهما ضباط روس. وأوردت أن الرئيسين "استمعا إلى عرض عسكري من قبل قائد القوات الروسية العاملة في سوريا".

وذكرت الرئاسة أن الرئيسين عقدا اجتماعاً بحثا فيه "التطورات الأخيرة في المنطقة".

وتناول اللقاء، بحسب الرئاسة، "خطط القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة المواطنين السوريين في إدلب وتطورات الأوضاع في الشمال السوري والإجراءات التي تقوم بها تركيا هناك". كما بحث الجانبان "دعم المسار السياسي وتهيئة الظروف المناسبة له".

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، وفق ما نقلت وكالات أنباء روسية، "خلال محادثاته مع الأسد، لفت بوتين إلى أنه اليوم، يمكن القول بثقة إنه تمّ اجتياز طريق هائل نحو إعادة ترسيخ الدولة السورية ووحدة أراضيها".

وسبق لبوتين أن زار سوريا في كانون الأول/ديسمبر 2017، لكن زيارته اقتصرت حينها على قاعدة حميميم الواقعة على الساحل السوري غرباً، والتي تتخذها روسيا مقراً لقواتها.

الميليشيات الإيرانية في دير الزور لجأت إلى التخفّي بعد مقتل سليماني وقامت بإخلاء مقراتها ونقاطها العسكرية في منطقتي البوكمال والميادين

ويرى مراقبون للشأن السوري في مقتل سليماني فرصة ثمينة فتحت أمام موسكو للاستحواذ على النفوذ الإيراني الذي أشرف سليماني شخصيا على بسطه في سوريا خلال سنوات الحرب، حيث ساعد نظام الأسد على البقاء أمام قوات المعارضة التي كانت تسيطر على أكثر من ثلثي مساحة البلاد عبر ميليشيات تسلحها وتدعمها إيران.

وقتل سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، فجر الجمعة في غارة جوية نفذتها طائرة من دون طيار أميركية في محيط مطار بغداد الدولي.

وقالت مصادر صحفية إن سليماني وصل إلى العراق بعد زيارة إلى سوريا.

والجمعة، اعتبر بوتين أنّ مقتل سليماني من شأنه أن "يفاقم الوضع" في الشرق الأوسط، وقال بيان صادر عن الخارجية الروسية إنّ سيرغي لافروف قدّم تعازيه إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف خلال المحادثة التي تمت بمبادرة إيرانية.

وأوضح البيان أنّ "الوزيرين أشارا إلى أنّ الأعمال الأميركية تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي"، بالإضافة إلى أنّها "تقود إلى جولة جديدة من تصاعد حدة التوتر في الإقليم".

وروسيا وإيران حليفتان لنظام بشار الأسد حيث سعيا لإبقائه على رأس السلطة خدمة لمصالحهما وتثبيت نقاط تمركز تخدم استراتيجية كل منهما رغم تباين نظرتهما لمستقبل سوريا، ودور الجيش والقوى الأمنية فيها.

وحشد قاسم سليماني في السنوات الأخيرة حزب الله وفصائل عراقية موالية لإيران لإنقاذ نظام الأسد وأقام في سوريا قلعة جديدة لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الذي كان يقوده.

ومكّن ذلك إيران من الربط بين الفصائل شبه العسكرية التي تعمل لحسابها عبر العراق وسوريا حتى البحر المتوسط وهو نفوذ إيراني خطير في المنطقة يهدد أمن الولايات المتحدة وحلفائها.

وتختلف استراتيجية بوتين في سوريا عن تلك التي كان ينفذها سليماني، حيث تسعى موسكو للحفاظ على علاقاتها مع كل الأطراف في الشرق الأوسط، بينما تنطلق إيران من رغبة في الحفاظ على محور طهران بغداد دمشق بيروت".

الأسد لا يمكنه انقاذ من أنقذه
الأسد لا يمكنه رد الجميل

وعلى عكس طهران التي تواجه رفضا إقليميا بتواجد ميليشياتها التي تهدد امن واستقرار المنطقة، فإن موسكو بدأت في السنوات الأخيرة في تنفيذ استراتيجية تعيدها بقوة إلى الشرق الأوسط مع تراجع الثقة بسياسات واشنطن، حيث أكدت سعيها للحفاظ على علاقات متوازنة مع كل الأطراف بما فيها إسرائيل التي ترفض الوجود الإيراني على حدودها مع سوريا ولبنان.

وفي أكتوبر الماضي، عندما سحبت واشنطن قواتها من شمال شرقي سوريا، أصبحت موسكو تطمح لبسط نفوذها العسكري أكثر على الأرض في تنافس واضح مع إيران لانتزاع "غنائم" اقتصادية إضافية في البلاد التي دمرتها الحرب.

وفي ديسمبر، سارعت موسكو في بناء قاعدة جديدة لها في مدينة القامشلي بعد حصولها على عقود طويلة الأمد في قاعدة حميميم ووسّعتها لاستقبال طائرات كبيرة، وهي الخطوة التي أظهرت أن التنافس الروسي الإيراني في سوريا أصبح على أشده.

وتعد روسيا أحد أبرز حلفاء الحكومة السورية على الصعيد الدولي، حيث قدمت لنظام الأسد منذ بداية النزاع في العام 2011 دعماً دبلوماسياً واقتصادياً، ودافعت عنها في المحافل الدولية خصوصاً في مجلس الأمن الدولي حيث منعت مشاريع قرارات عدة تدين النظام السوري.

واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 14 مرة ضد مشاريع قرار حول سوريا، كان آخرها في كانون الأول/ديسمبر ضد مشروع قرار قدمته الكويت وألمانيا وبلجيكا لتمديد المساعدة الإنسانية للأمم المتحدة عبر الحدود لأربعة ملايين سوري لمدة عام، وتريد موسكو خفضها.

وساهم التدخل الروسي منذ أيلول/سبتمبر 2015 بقلب ميزان القوى في النزاع لصالح الأسد ومكنه من تحقيق انتصارات عدة في مواجهة الفصائل المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية على حد سواء.

ويقول حاج علي الباحث في مركز كارنيجي أن "مقتل سليماني هي ضربة كبيرة بالصميم لإيران: ضربوا الرجل الثاني بعد خامئي وضربوا الزعيم المقبل لإيران وضربوا النشيط وصاحب الإنجازات والعقل الإيراني".

وقالت مصادر صحفية في محافظة دير الزور السورية أن الميليشيات الإيرانية هناك بدأت تقوم بتحركات واسعة عقب مقتل سليماني، حيث لجأت إلى التخفّي خلال اليومين الأخيرين، فيما قامت في منطقتي البوكمال والميادين بإخلاء مقراتها ونقاطها العسكرية.

وأوضحت المصادر أن الميليشيات التي أخلت مواقعها العسكرية تمركزت في منازل ضمن الأحياء السكنية وتتجنّب الاجتماع مع بعضها البعض إلا في حالات الضرورة.

وفي حين تسعى روسيا إلى إصلاح الحكومة السورية عبر إعادة تنظيم مؤسسات الدولة من بينها الأجهزة الأمنية والعسكرية لتحافظ على تعاون استراتيجي وثيق مع الجيش الروسي، بقيت إيران تعتمد على عشرات الميليشيات الطائفية، وتسعى إلى تأسيس “حشد شعبي سوري” يكون منافسا للجيش السوري عدة وتسليحا، مع انتماء واضح لإيران كما فعلت في العراق بعد الغزو الأميركي.
ومنطقة البوكمال والميادين في البادية السورية القريبة من الحدود مع العراق تعد من أهم مراكز القواعد العسكرية لإيران في سوريا. وتنتشر مليشيات طهران مثل "لواء فاطميون" و"الإمام علي" وعناصر الحرس الثوري من البوكمال شرقا إلى تدمر والسخنة وتتحكم بالأوضاع العسكرية في المنطقة من خلال غرف عمليات في مطاري تدمر وتي فور العسكريين، وتتركز على أطراف أوتوستراد السخنة الذي يصل إلى حمص شرقا.