بوتين يراهن على الشراكة مع القارة السمراء لكسر طوق العزلة الغربية

الرئيس الروسي ظهر خلال القمة الروسية الأفريقية محاطا بحوالي 15 من رؤساء دول القارة السمراء، باعثا برسالة مفادها أن موسكو تنوي العمل "جنبا إلى جنب" مع أفريقيا.
القمة الروسية الأفريقية تتوج بإعلان مشترك يدعو للتعاون على صعد الإمدادات الغذائية والطاقة
روسيا ودول أفريقية تتفق على المطالبة بتعويضات عن الحقبة الاستعمارية

موسكو - أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الجمعة أن بلاده اتفقت مع القادة الأفارقة المشاركين في قمة تستضيفها سان بطرسبرغ على تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب ومواجهة الاستعمار الجديد، في وقت تسعى فيه موسكو إلى كسر طوق العزلة الغربية وتعزيز نفوذها في القارة الافريقية التي تمثل منطقة شديدة الحساسية بالنسبة إلى القوى الغربية الاستعمارية السابقة.

وأكد بوتين "التزام جميع دولنا بتشكيل نظام عالمي منصف وديموقراطي متعدد الأقطاب.. والعزم المشترك على مكافحة الاستعمار الجديد وتطبيق عقوبات غير مشروعة ومحاولات تقويض القيم الأخلاقية التقليدية".

وظهر فلاديمير بوتين اليوم الجمعة محاطاً بحوالي 15 من رؤساء الدول الأفريقية في سانت بطرسبرغ خلال القمة الروسية الأفريقية الثانية. أما الرسالة من هذه الصورة فتتمثّل في تأكيده أنّ موسكو تنوي العمل "جنباً إلى جنب" مع القارة السمراء التي يزيد عدد سكانها على مليار نسمة.

وقال بوتين إنّ "اهتمام روسيا بإفريقيا يتزايد"، مشيرا إلى أنّه يريد "بناء شراكة إستراتيجية" مع هذه القارة التي أقام معها الاتحاد السوفييتي علاقات قوية.

وروسيا معزولة على الساحة الدولية منذ بدأت هجومها العسكري على أوكرانيا في 2022. وقد نظمت الخميس والجمعة النسخة الثانية من قمة روسيا - أفريقيا والتي حضرتها وفود من 49 دولة أفريقية، ضمت 17 رئيس دولة.

وتم تبني إعلان مشترك إثر القمة، يلحظ مزيدا من التعاون على صعد الإمدادات الغذائية والطاقة والمساعدة في التنمية.

ودعا الإعلان الذي نشر نصه على موقع الكرملين إلى"إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلا وتوازنا واستدامة، يتصدى بحزم لأي شكل من المواجهة الدولية في القارة الإفريقية".

وأورد أيضا أن موسكو ستساعد الدول الأفريقية في "الحصول على تعويضات للأضرار الاقتصادية والانسانية التي تسببت بها السياسات الاستعمارية" الغربية ويشمل ذلك استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة.

وأوضح بوتين أنه سيبحث الوضع في أوكرانيا مع "الدول الأفريقية المعنية"، معتبرا أن "ممثليهاأظهروا إرادة سياسية وأثبتوا استقلالهم واهتمامهم الفعلي بتطوير التعاون مع بلادنا".

وأعلن أن قمة روسية أفريقية ستعقد كل ثلاثة أعوام وسيتم إنشاء "آلية شراكة وحوار" تتناول "القضايا الامنية"، على أن يشمل ذلك مكافحة الإرهاب والأمن الغذائي والتبدل المناخي.

وأضاف "المطلوب أيضا الانتقال في شكل منهجي إلى العملات الوطنية، وبينها الروبل، في التسويات المالية للمعاملات التجارية" بين روسيا وأفريقيا.

"إنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلا وتوازنا واستدامة يتصدى بحزم لأي شكل من المواجهة الدولية في القارة الأفريقية".

وفي اليوم السابق، سحب الرئيس الروسي من جعبته ورقة "دبلوماسية الحبوب"، متعهدا تسليم الحبوب بشكل مجاني إلى ست دول أفريقية، وسط مخاوف لدى دول القارة أثارها تخلّي موسكو عن اتفاقية أتاحت تصدير ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية.

غير أنّ عملية الإغواء التي مارسها سيّد الكرملين تجاه أفريقيا لا تعود فقط إلى فترة الصراع في أوكرانيا. فمنذ عدّة سنوات، تقوم روسيا بتحرّكات دبلوماسية واقتصادية في القارّة، مع عرض خدماتها الأمنية للدول الواقعة في قبضة التهديد الجهادي، عبر مجموعة فاغنر المسلّحة، لكن في الأشهر الأخيرة، كان على روسيا أن تكثّف بحثها عن بدائل من الشركاء الأوروبيين التاريخيين.

وفي إشارة إلى هذا الاهتمام، قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بجولتين في القارة منذ مطلع السنة، في محاولة لجذبها إلى معسكر موسكو، مقدما ذلك على أنه حصن في وجه "الإمبريالية" و"الاستعمار الجديد" الغربي.

كذلك، لا تزال موسكو تحظى بدعم العديد من قادة أميركا الجنوبية وآسيا، خصوصاً الدول التي تتعرّض لانتقادات بسبب ممارساتها السلطوية.

وفي هذا السياق، رفض الحلفاء التاريخيون لموسكو مثل فنزويلا وكوبا، إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا خلال القمة الأولى بين أميركا اللاتينية والاتحاد الأوروبي في بروكسل في وقت سابق من يوليو/تموز.

واكتفى القادة في بيانهم المشترك بالإعراب عن "قلقهم العميق إزاء الحرب الدائرة على أوكرانيا" من دون أن يذكروا موسكو. حتى أنّ هذه الصيغة البسيطة لم تحصل على الموافقة بالإجماع، اذ رفضت نيكاراغوا الانضمام إليها.

ومن دون أن تمضي إلى حدّ دعم موسكو، رفضت البرازيل بقيادة لويس ايناسيو لولا دا سيلفا إمداد أوكرانيا بالسلاح أو فرض عقوبات على روسيا، داعية الأوروبيين والأميركيين إلى وقف "تشجيع الحرب".

ويقول فيودور لوكيانوف المحلّل السياسي المقرّب من دوائر السلطة الروسية إنّ "العزلة الروسية فكرة اخترعها الغرب".

ويضيف "يُنظر إلى روسيا على أنّها دولة ربما تكون على حق، وربما تكون على خطأ، لكنّها دولة تعارض الغرب"، مشيراً إلى أنه "في البيئة الدولية الجديدة، فإنّ هذا التموضع أكثر فاعلية وجاذبية ممّا قد يتخيّله المرء".

وفي 24 شباط/فبراير، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة لصالح دعوة لسحب القوات الروسية من أوكرانيا. غير أنّ حلفاء موسكو المعتادين، مثل بيلاروس وكوريا الشمالية وسوريا، صوّتوا ضدّ الدعوة، بينما امتنعت حوالي 30 دولة عن التصويت من بينها الهند التي تعدّ زبونا مميزا للنفط الروسي، والصين التي تعدّ الشريك الثابت لروسيا.

وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد استُقبل بحفاوة في موسكو في مارس/آذار خلال زيارة هدفت إلى نقل العلاقات الروسية الصينية "إلى حقبة جديدة". ومنذ ذلك الحين، أجرى الجيشان الروسي والصيني سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة.

وفي إشارة أخرى إلى اتفاقهما القائم على الرغبة في مواجهة الهيمنة الأميركية، يتوجه فلاديمير بوتين إلى الصين في تشرين أكتوبر/تشرين المقبل، في أول زيارة له إلى إحدى دول مجموعة العشرين منذ بدء الصراع في أوكرانيا.

ورغم أنّ الرئيس الروسي تمكّن من الذهاب إلى إيران أو آسيا الوسطى، إلّا أنّ تحرّكاته باتت مقيّدة بمذكّرة توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقّه. وقد دفعه ذلك للتخلّي عن مشاركته في قمة مجموعة بريكس في جنوب إفريقيا المقرّر عقدها في نهاية أغسطس/آب.