بوتين يراهن على بذور الخلافات بين الأوروبيين لتفتيت اتحادهم

الكاتبة الإيطالية ناتالي توتشي تحذر من خطر عودة الانقسامات الجيوسياسية القديمة بين شرق القارة الأوروبية وغربها، وبين شمالها وجنوبها.
هل تقدر روسيا على تقسيم أوروبا؟
حرب أوكرانيا تهدد أوروبا بعودة الانقسامات الجيو سياسية
روما

توقعت الإيطالية ناتالي توتشي المختصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ألا تستمر الدول الأوروبية في نفس مواقفها الموحدة إزاء الحرب الروسية الأوكرانية وستنقسم في ما بينها حول أوكرانيا وروسيا مع تزايد الضغوط الاقتصادية لحرب تبدو مكلفة.
وقالت توتشي في مقال نشرته في مجلة فورين أفيرز الأميركية إن هناك مؤشرات وبذور خلافات بدأت تظهر بين الدول الأوروبية، مضيفة أن تلك الخلافات لن تكون إلا "مجرد بداية لما سيعقبها من انهيار لوحدتها".
وأشارت توتشي إلى أن الأوروبيين باتوا يتحدثون في الفترة الأخيرة عن ارتفاع معدلات التضخم والركود والأزمات الاقتصادية المتوقعة والآثار السياسية والجيو سياسية للحرب، بعد أن كانوا في بداية الحرب متحمسين للبحث عن طرق لردع موسكو ووقف "تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقارة الأوروبية". 
واستشهدت بالحماس الذي أبداه القادة الأوروبيون في بداية الحرب عندما وافقوا على 5 حزم من العقوبات ضد روسيا بسرعة قياسية، بينما يستهلكون أوقاتهم في الأسابيع الأخيرة في مشاحنات بشأن حزمة سادسة.
وخصت بالذكر إيطاليا التي تتزايد فيها المعارضة لتقديم دعم عسكري لكييف خاصة بين الأحزاب الشعبوية الصاعدة في البلاد بعد سقوط الحكومة الائتلافية. إلى جانب تباطؤ ألمانيا بشأن شحنات الأسلحة الموعودة إلى أوكرانيا. 
وحذرت توتشي مما أسمته "وهم السلام" وهي حالة من "الهدوء نسبي للصراع" قد تعصف بالتحالف الأوروبي. الأمر الذي سيُغفل الأوروبيين عن فكرة إحراز تقدم لإنهاء العنف المتصاعد في أوكرانيا، ويتيح لروسيا الضغط إغراء بعض الدول الأوروبية للضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات.

الاستسلام الأوروبي لوهم السلام المصطنع من بوتين قد ينتهي بأوروبا والغرب إلى إطالة أمد الحرب 

وشددت على أن الاستسلام الأوروبي لوهم السلام قد أن ينتهي بأوروبا والغرب إلى إطالة أمد الحرب على حساب الجميع، خاصة إذا استمرت أزمة الطاقة في التفاقم. 
والخطر الأكبر على القارة الأوروبية يكمن في أن السلام الزائف أو وهم السلام سيكون أشد تنكيلا بأوروبا من الحرب الحقيقية.
وأشارت توتشي إلى ان السياق السياسي العام في أوروبا سيساعد على الانقسام مع صعود التيارات والأحزاب اليمينية والشعبوية التي اكتسبت ديناميكية تمكّنها من مزيد البروز على حساب قيم الاتحاد الأوروبي ووحدته.
واستعانت توتشي بمثاليْ إيطاليا وفرنسا حيث تجد الأحزاب اليمينية والشعبوية أصداء شعبية واسعة عند تبنّيها لخطاب يلقي باللائمة على الحكومات الأوروبية التي ساهمت في تنامي نسب التضخم وانهيار العديد من الصناعات وتدمير سوق الشغل بسبب الإصرار على معاقبة روسيا واعتناق الأجندة الخضراء.
وحذرت من أن الخطر الأكبر من كل ما سبق ذكره يتمثل في عودة الانقسامات الجيوسياسية القديمة وتحديدا الانقسام بين شرق القارة الأوروبية وغربها، حيث تدعو الدول الواقعة على حدود أوكرانيا (أوروبا الشرقية) كدول البلطيق وبولندا، إلى تكثيف العقوبات ضد روسيا وحشد مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا، بينما خفّت حدة بعض دول أوروبا الغربية كإيطاليا وفرنسا وألمانيا التي باتت أكثر ميلا للتسوية مع روسيا.
وتحدثت الكاتبة عن نوع آخر من الانقسامات المتربصة بوحدة القارة الأوروبية ألا وهو الانقسام بين الشمال والجنوب، وهو الانقسام الذي كاد يمزق منطقة اليورو خلال أزمة الديون السيادية في العقد الماضي.
وتضيف أنه مع احتمال حدوث ركود في الأمد القريب فإن الفوارق في الاقتراض بين دول شمال القارة وجنوبها ستتوسع خاصة بين ألمانيا وإيطاليا. 
ولم تستبعد توتشي أن تكون تلك الانقسامات هي بالضبط ما كان يأمل في تحقيقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 

بوتين يلعب مع أوروبا لعبة القط والفأر ويعتقد أن أوروبا هي من سيُكسر أولا نظرا لهشاشة وحدتها 

وتابعت أن بوتين يستعمل عدة أدوات في حربه الراهنة حيث يمارس لعبة القط والفأر على الغاز، واختلاق أزمة غذاء عالمية بتعطيل تصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم الخارجي عبر البحر الأسود، وانتهاج استراتيجية الأرض المحروقة في أوكرانيا.
وتضيف توتشي أن تلك الأدوات تغذي في ذهن بوتين فرضية أن وحدة الغرب حول أوكرانيا سوف تنهار وسيتم تفكيك الغرب بدءا من أوروبا، موضحة أن بوتين يعتقد أن المسألة حاصلة لا محالة ولا تعدو إلا أن تكون مسألة وقت لا غير، خاصة في ظل اقتناعه بأن "الديمقراطيات الليبرالية في أوروبا ضعيفة وفاسدة أخلاقيا".
وتقول الكاتبة إن اللعبة التي يمارسها بوتين مع الدول الأوروبية تعتمد قاعدة من سيُكسر أولا. فبوتين يدرك الأضرار الجسيمة التي ألحقتها وستلحقها العقوبات الغربية لكنه يراهن على صلابة العظم وطول النفس في هذه المعركة.
وأضافت أن بوتين يعتقد أن أوروبا هي من سيُكسر أولا نظرا لهشاشة وحدتها، ولتوقعه أن الضغوط الداخلية في القارة الأوروبية سوف تتعاظم عاجلا أم آجلا. 
وربطت توتشي بين استمرار روسيا في أعمال التخريب والدمار وارتكاب مزيد من الفظائع في أوكرانيا كما كانت تفعل طيلة الأشهر الستة الماضية، فإن ذلك سيمثل فرصة للقادة الأوروبيين لأن يستمروا موحدين تجاه أوكرانيا. 
ولكن إذا تغيرت المعادلة وخففت روسيا ضغطها على أوكرانيا، وبدأت في التلميح إلى نوع من التسوية أو الهدنة، عندها فقط سيقع الأوروبيون في الفخ، خاصة إذا استمرت أزمة طاقة في التصاعد في أوروبا.
في هذه الحالة، تقول توتشي سينتقل القادة الأوروبيون من طور التردد والجدال والاختلاف، ليدخلوا طور الانقسام الكامل.