بورتسودان هدف لهجمات المسيرات مع تغير متسارع في خطوط التماس

تبادل متكرر للسيطرة بين الجيش وقوات الدعم السريع على مدن رئيسية، ومقتل لواء في الجيش دليل على حجم المواجهات وخسائرها في صفوف القيادة.

بورت سودان (السودان) – تصدت صواريخ مضادة للطائرات السبت لتحليق مسيرات في أجواء بورت سودان التي حولها الجيش السوداني إلى مقر له ولحكومته في زمن الحرب، بينما تشهد ولايتا جنوب وغرب كردفان معارك ضارية بين الجيش وقوات الدعم السريع أسفرت عن تغيرات متسارعة في خطوط التماس، وتبادل متكرر للسيطرة على مدن رئيسية بحسب مصادر ميدانية وتقارير إعلامية متقاطعة.

وتعرضت بورت سودان، مقر الحكومة المدعومة من الجيش، هذا الشهر لأول هجوم بطائرات مسيرة واستهدفت آخر مطار دولي مدني عامل في البلاد ومحطات لتوليد الطاقة ومستودعات وقود.

وتوقفت الغارات شبه اليومية لأكثر من أسبوع حتى السبت، حين أفاد شهود عيان بسماع "دوي صواريخ مضادة للطائرات شمال وغرب المدينة وتحليق طائرات مسيرة في السماء".

ومع دخول النزاع عامه الثالث، تظل البلاد منقسمة بحكم الأمر الواقع إلى قسمين: الجيش يسيطر على الوسط والشرق والشمال، في حين تسيطر قوات الدعم السريع على كل دارفور تقريبا وأجزاء من الجنوب.

ومنذ خسارتها السيطرة على الخرطوم في مارس/آذار، تبنت قوات الدعم السريع استراتيجية من شقين: غارات بعيدة المدى بطائرات مسيرة على المدن التي يسيطر عليها الجيش مصحوبة بهجمات مضادة لاستعادة الأراضي في جنوب البلاد.

ودفعت الدعم السريع بتعزيزات ضخمة نحو كردفان، في محاولة لتحقيق اختراق ميداني واستباق أي هجوم واسع من جانب القوات المسلحة والقوة المشتركة والقوات المساندة. ووفقًا لتقارير من وسائل إعلام محلية فإن السيطرة على الدبيبات جاءت بعد قتال عنيف، في حين أعلنت القوات الحكومية لاحقًا استعادتها للمدينة، مما يدل على استمرار المعارك دون حسم نهائي.

في ظل هذه الظروف، وصلت إلى كردفان قوات درع السودان بقيادة أبوعاقلة كيكل لتعزيز الدفاعات، كما تولى الفريق خالد الشامي، نائب رئيس الأركان، إدارة غرفة العمليات من مدينة الأبيض، في إشارة إلى أن قيادة المعركة انتقلت إلى مركز أكثر قربًا من الجبهة.

ويرى مراقبون أن المعركة قد تستمر لأسابيع، في ظل ما يصفه البعض بـ"حرب استنزاف"، حيث يحاول كل طرف إنهاك الآخر قبل الحسم. وفي هذا السياق، اعتُبر مقتل اللواء في الجيش إيهاب محمد يوسف الطيب دليلاً على حجم المواجهات وخسائرها حتى في صفوف القيادة.

ورغم تبادل السيطرة على الأرض، يبقى المؤشر الحاسم هو قدرة القوات المسلحة السودانية على الحفاظ على تماسكها وتفوقها اللوجستي، بينما يبدو أن قوات الدعم السريع تمتلك القوة والامكانيات لفتح جبهات عديدة وتغيير موازين المعركة.

وتستمر المعارك في كردفان كحلقة مفصلية في الحرب السودانية، بينما تزداد معاناة المدنيين وسط التدهور الإنساني، وتراجع الخدمات، وتزايد موجات النزوح.

وبينما تتبادل الأطراف السيطرة والاتهامات، يبقى المدنيون هم الخاسر الأكبر، في انتظار نهاية لمعركة مفتوحة قد تطول.

وأجرى قائد الجيش السوداني رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان خلال الآونة الأخيرة عدة تعيينات حكومية، مدفوعا برغبته في بث دماء جديدة في فريقه، فيما يرجح أنه يسعى إلى كسب التأييد الدولي بعد المكاسب الميدانية التي حققها الجيش خلال معركة الخرطوم وهو ما يستوجب ترميم علاقاته المتصدعة مع أكثر من دولة بسبب اتهامات كالها جزافا بدعم قوات الدعم السريع.

وأدى كامل إدريس اليمين الدستورية السبت أمام البرهان، رئيسا جديدا لمجلس الوزراء.

وفي 19 مايو/أيار الجاري، أصدر البرهان، مرسوما دستوريا بتعيين إدريس رئيسا لمجلس الوزراء. والسبت، أفادت وكالة الأنباء السودانية (سونا) بأن "إدريس، أدى القسم أمام البرهان رئيسا لمجلس الوزراء، بحضور الأمين العام لمجلس السيادة الفريق الركن محمد الغالي علي يوسف، ورئيس الجهاز القضائي بولاية البحر الأحمر (شرق) ممثلا لرئيس القضاء".

وقبل تعيين إدريس، شغل دفع الله الحاج يوسف، سفير السودان لدى السعودية آنذاك، المنصب تحت مسمى "وزير لشؤون مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة".

ومنذ عدة سنوات، تُدار الوزارات السودانية بمزيج من وزراء مكلّفين وآخرين عُينوا خلال فترة الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي بدأت في 2021.

ورغم إعلان البرهان، في أكثر من مناسبة مساعي لتشكيل حكومة انتقالية، فإن تلك الجهود لم تفض إلى نتائج ملموسة.

ويعيش السودان تقلبات سياسية منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، في أبريل/ نيسان 2019 إثر احتجاجات شعبية واسعة، أعقبها تشكيل سلطة انتقالية بشراكة بين العسكريين والمدنيين بموجب "وثيقة دستورية" حددت نهاية المرحلة الانتقالية في يناير/ كانون الثاني 2024.

لكن هذه الشراكة لم تدم طويلا، إذ قام البرهان، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بحل حكومة عبد الله حمدوك، وفضّ التحالف مع القوى المدنية.

وفشلت الوساطات الإقليمية والدولية في إعادة التوافق بين الطرفين، لتظل البلاد تحت إدارة رئيس مجلس السيادة بقيادة البرهان، وينازعه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي".

وفي 15 أبريل 2023، تفجرت حرب دامية بين الجيش بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 15 مليون، وفق تقديرات أممية وسلطات محلية، بينما قدّرت دراسة لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.