بوشعير يحلل 'خطاب السرود الإماراتية'

الكتاب يتناول نصوصاً سردية إماراتية جديدة مثل 'أم الدويس' و'قميص سارة' لعلي أبي الريش و'سيف' لفتحية النمر، فضلاً عن نصوص من لون أخذ يحظى باهتمام الكاتبات والكتاب الإماراتيين هو أدب الرحلات مثل رحلات محمد المر ووديان سمحان ومريم البلوشي.

يتناول هذا الكتاب "في خطاب السرود الإماراتية المعاصرة" للناقد والأكاديمي الجزائري د.الرشيد بوشعير نصوصاً سردية إماراتية جديدة، مثل "أم الدويس" و"قميص سارة" لعلي أبي الريش، و"سيف" لفتحية النمر، و"حتى آخر الشهر/ حكايات يناير" لباسمة محمد يونس، و"نداء الأماكن" لمريم الغفلي، فضلاً عن نصوص من أدب الرحلات الذي أخذ يحظى باهتمام الكاتبات والكتاب الإماراتيين مثل رحلات محمد المر ووديان سمحان ومريم البلوشي.

يقول بوشعير عند علاقته بالسرد الإماراتي "بدأت علاقتي بالسرود الإماراتية منذ سنة 1994، وهي السنة التي قدمت فيها إلى الإمارات العربية المتحدة بوصفي مدرساً بالجامعة، وقد كانت هذه العلاقة بدهية بالنسبة إلي؛ فقد كنت، وما زلت، أعتقد أن فهم أي شعب والغوص في أعماق ثقافة المكان الذي يعي فيه، لا يتم ولا يكتمل إلا بوساطة السرديات (بالمفهوم الواسع للسرديات)، وليس الشعر، لكون السرديات أقر على رصد الواقع وتمثله جماعياً، خلافاً للشعر الذي يظل عبراً عن الهواجس السردية.

ويضيف "ومن ثم لا غرابة أن ينصب اهتمامي بالسرود الإماراتية في البداية على القصة القصيرة، لأنها كانت في تلك الفترة أنضج الفنون السردية في الأدب الإماراتي، وهو ما عبرت عنه في كتابي الأول الذي عالج قضايا القصة الإماراتية، وأعني كتابي الموسوم بـ "مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية" الذي صدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات سنة 1997، ثم أصبح كتاباً دراسياً مقرراً في قسم اللغة العربية بجامعة الإمارات".

ويوضح بوشعير "عندما أخذت الرواية تشق طريقها الوعر في تضاريس الأدب الإماراتي المعاصر منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، واكبت تطورها المستمر، فأصدرت مجموعة من البحوث عنها في كتب عديدة، وخاصة في "صراع الأجيال في الرواية الإماراتية"، و"مساءلة النص الروائي في السرديات الخليجية المعاصرة"، و"أركيولوجيا السرديات النسوية الإماراتية". وفي الأونة الأخيرة أخذت بوادر وإرهاصات شكل سردي آخر في الظهور بالمشهد الأدبي الإماراتي، وهو شكل أدب الرحلات الذي حرصت على الوقوف عنده من خلال بعض الأعمال التي نشرت مؤخراً. وهذا الكتاب الذي أضعه بين يدي القارئ يعكس شيئاً من مواكبتي لتطور السرود الإماراتية وأشكالها، وخاصة في سرود أدب الرحلات وسرود الرواية تحديداً".

هل هناك فرق بين أدب الرحلات الذكوري وأدب الرحلات النسوي؟

ينطلق بوشعير من أدب الرحلات متسائلا: هل هناك فرق بين أدب الرحلات الذكوري وأدب الرحلات النسوي؟ حيث يتوقف بالتحليل عند كاتبتين إماراتيتين من كاتبات أدب الرحلات، وهما "وديان سمحان النعيمي" في عملها الموسوم بـ "جواز سفر مستعمل جدا"، و"مريم البلوشي" في عملها الموسوم بـ "سفر الذاكرة". ليحدد أهم ملامح النسوية في هذين العملين، موازَنَيْن بعمل آخر ذكوري للكاتب الإماراتي محمد المر، في عمله الموسوم بـ "حول العالم في 22 يوماً". ليخلص إلى أن ملامح النسوية في الرحلتين الأخيرتين تتراءى في النزوع الذاتي كما تتراءى في مصاقبة فنون أدبية أخرى، وخاصة فنون المذكرات والسيرة الذاتية، والمقالة، وهي الفنون الأكثر تعبيراً عن الذات، بعد الشعر، وهو ما جنف بأدب الرحلة عن وظائفه الاستكشافية الموضوعية التي حققتها رحلة محمد المر إلى حد ما، مما يعكس تباينا جوهريا بين أدب الرحلة الذكوري وأدب الرحلة النسوي في المشهد الأدبي الإماراتي المعاصر.

ويحلل بوشعير حركة الخطاب في رواية "سيف" لفتحية النمر، حيث يرى إن الخطاب بالرواية لم يكن ثابتا من بدايتها حتى نهايتها، سواء في الرؤى الفكرية أم في الرؤى الجمالية والأداء الفني؛ فالخطاب السيميائي الفكري بالأساس كان خطابا أخلاقيا يتمحور حول القيم التي تخلخلت في سياق التحولات التاريخية، وفي مقدمة هذه القيم قيمة الأبوة وصلة الرحم، وقيمة الوفاء، وقيمة الإخلاص، وقيمة التضامن، وقيمة الإيثار، وما إلى ذلك من القيم. فقد تخلى الأبناء عن الأبوين، وضنوا عليهما بكل شيء حتى بالزيارات الخاطفة، وهو ما تعبر عنه الكاتبة في أسلوب مباشر من خلال مواقف هؤلاء الأبناء الذين اعتصرهم الندم في نهاية المطاف وأرادوا أن يكفروا عن جريرتهم، كما أنهم أعادوا تقييم حال والدهم سيف الذي لم تكن مأساته تنبع من مقاومة طبيعة الحياة البشرية، وإنما كانت تنبع من إحساسه العميق بالعزلة، ولذلك "بدأوا يقاومون إحساسا بالذنب إزاء تقصيرهم غير المبرر، تجاه من جاء بهم إلى الدنيا وغمرهم بأفضاله التي لا يقوى أي منهم على إنكارها، ومهما حصل منه في النقطة المعروفة، يظل والدهم، وعليهم واجب الولاء والطاعة".

ويخلص بوشعير أن الخطابات في رواية "سيف" تتعدد وتتشابك، ولكنها تظل حركية وليست ثابتة، سواء في مضامينها أم في أشكالها، كما أن تلك الخطابات كانت مقيدة بالرؤية القيمية التعليمية المباشرة، وهو ما انعكس على شخوص الرواية التي باتت أبواقا تبث أفكارا، وبالتالي فإنها باتت فاقدة لحريتها في الحركة والنمو. وبالرغم من ذلك كله فإن هذه الرواية تعبر عن دأب الكاتبة على تطوير أدواتها السردية، وهي تعد إضافة طيبة إلى رصيد الرواية الإماراتية.