"بونيت" يتوغل في أعماق عقل طفلة صغيرة

الطفلة الصغيرة تعرضت لحادث سيارة وهي بصحبة أمها، أدى إلى كسر في ذراعها. في بداية الفيلم يبلغها أبوها أن أمها ستموت.
الفيلم بطولة مطلقة للطفلة بونيت - الممثلة الطفلة فيكتوار ثيفيزول
السؤال المهم الذي يطرحه الفيلم هو هل تستوعب بونيت نهاية الموت كما يستوعبها الكبار

عمان ـ يخوض المخرج الفرنسي جاك دولوان من خلال فيلمه المعنون "بونيت"، الذي تعرضه لجنة السينما في مؤسسة شومان، بنجاح مغامرة صعبة تتمثل في تقديم فيلم روائي طويل فيه بطولة مطلقة لطفلة في الرابعة من عمرها، ويتقاسم معها البطولة أطفال من سنها. ليس هذا فقط ما يشكل المغامرة بل أيضا صعوبة الموضوع المرتبط بطفلة تحاول أن تفهم حالة الموت والتعامل مع مشاعر معقدة بعد وفاة والدتها في حادث سير وهي برفقة ابنتها، مشاعر تتطلب منها أداء تمثيليا معقدا قد يعجز عن تنفيذه ممثلون محترفون كبار.
فالفيلم الفرنسي "بونيت" ( 1969)، يتوغل في أعماق عقل طفلة صغيرة في الرابعة من عمرها تدعى بونيت، طفلة ذكية إنما لم تختبر الحياة بعد. تعرضت بونيت لحادث سيارة وهي بصحبة أمها، أدى إلى كسر في ذراعها. في بداية الفيلم يبلغها أبوها أن أمها ستموت. كيف إذن، ستتعامل بونيت مع هذا الخبر؟ ما الذي تفهمه طفلة في الرابعة من عمرها عن الموت؟ 
الشيء الأكثر ميزة في سيناريو فيلم "بونيت" هو القدرة التي يطرح بها، من خلال مجموعة مشاهد متتالية، هذه الأسئلة الإشكالية بلسان طفلة وبطريقة طبيعية مقنعة وحوار لا يتعارض مع منطق الطفولة.
تخرج الطفلة الصغيرة من المستشفى وتتجه برفقة والدها إلى منزل عمتها التي تعيش مع طفل وطفلة في سن بونيت والتي سترعاها.
بعد بضعة أيام يبلغها والدها ان أمها ماتت: "تعرضت كل عظامها للكسور. وعجزوا عن ترميمها". يستغرق والدها في حزنه الخاص، ويلح على بونيت أن تعده بأنها لن تموت، فيما يحمّل امها مسؤولية الحادث ويتهمها بالغباء. "هي ليست غبية. ليست غلطتها"، ترد مونيت عليه.
الفيلم بطولة مطلقة للطفلة بونيت - الممثلة الطفلة فيكتوار ثيفيزول والتي ستصبح بعد سنوات ممثلة محترفة في رصيدها الفني عدة أفلام أشهرها بعنوان "شوكولاته" - وهي طفلة شقراء، مستديرة الوجه، ذات تعبير متجهم طوال الوقت، يتطلب منها دورها في الفيلم أن تفدم أداء حقيقيا، لا كطفلة، بل كممثلة محترفة تؤدي دورا وحوارا معقدا. وهي تبرع في هذا ما يشير إلى موهبة مبكرة نادرة.

أثناء العمل على كتابة الحوار الخاص بالطفلة بونيت وبقية أقرانها، أجرى جاك دوالون، مخرج وكاتب الفيلم، مئات المقابلات مع أطفال، ما جعله يستوعب المنطق الذي يجعل الأطفال ينتقلون من ما لا يعرفونه إلى ما هو جوهر الأمر.
وبينما تتعامل بونيت مع حقيقة أن أمها في تابوت وستكون قريباً تحت الأرض، يشرح  لها ابن عمتها الطفل عن الخشب الصلب والوسائد التي توضع تحت الرأس في النابوت وما يحدث للجثث بعد وقت طويل، ويضيف: "أنا أحب العيش فوق الأرض، أنا حقا أكره الجماجم".
السؤال المهم الذي يطرحه الفيلم هو هل تستوعب بونيت نهاية الموت كما يستوعبها الكبار. من المؤكد أنها تفتقد أمها، ولا تعزيها قصص عمتها عن يسوع والقيامة. إذا صعد يسوع من الموت، فإنها تسأل بشكل معقول، لماذا لا تستطيع أمها ذلك؟ وإذا كان صحيحا، كما قيل لها، أن الموتى يحبون أحيانًا أن يكون لديهم هدايا أو تذكارات صغيرة في نعشهم ليتذكروا الأشياء، فلماذا لا تقدم لأمها هدايا أكبر؟ هناك مشهد حيث تقف بونيت منتصبة تحت السماء الفارغة، تمسك بالهدايا التي اختارتها وترفع صوتها ناطقة بكلمة سحرية، على أمل أن تهبط والدتها من السماء.
الفيلم لا يدور بالكامل حول الموت. موضوعه الآخر هو تطوير الذكاء في مرحلة الطفولة. كيف يتفاعل الأطفال مع بيئتهم ويتعلمون من أصدقائهم ويتلقون المفاهيم ويختبرونها؟ في فيلم "بونيت" نرى كيف من خلال التجربة والخطأ يتعلم هؤلاء الأطفال من الدروس والتجارب التي يخوضونها من أقرانهم.
التعاليم الدينية المسيحية في "بونيت" مباشرة ومثيرة للأسئلة، لكن بونيت تستجيب للعزاء الإيماني المسيحي بطرح أسئلة طفولية قد لا يتمكن فيلسوف من الإجابة عليها. اعتبر أحد النقاد أن مشاهدة هذا الفيلم تشبه التنصت على الأطفال الأذكياء ومراقبة العملية التي يبنى بها ذكاءهم شخصياتهم.
صوّر المخرج فيلمه بواقعية شديدة لم يتخل عنها حتى في المشهد النهائي من الفيلم الذي هو مشهد حلم تلتقي فيه بونيت مع أمها التي تجعلها تتصالح مع الحياة.
الفيلم تعرضه لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان مساء الثلاثاء 8 يناير/كانو الثاني.