'بيت أبو عبدالله' يستنطق الجسد على ركح قرطاج المسرحي

المخرج العراقي أنس عبدالصمد يقدم عرضا وصف بأنه يشكل منعرجا بالمسرح العربي.

تونس - تتلاشى الجدران في "بيت أبو عبد الله" ليحل محلها الوطن بكل أزماته ومعاناته، فهذا المنزل ليس إلا مرآة مصغرة عن المجتمع الذي يتعرض للتآكل والانهيار. تعيش الأسرة التي تمثلها الشخصيات في عزلة داخل جدران هذه البناية المهددة وتبدأ معاناتهم الإنسانية تتكشف تدريجيا في صمت مهيب.

و"بيت أبو عبد الله" عنوان مسرحية من العراق وهي من إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل، وعن نص وإخراج وسينوغرافيا لأنس عبدالصمد الذي وظف الجسد كأداة رئيسية للتعبير عن المأساة الإنسانية، بعيدا عن الحوار الكلاسيكي، فكان بناء العرض قائما على لغة الجسد.

ففي رؤية إخراجية استندت إلى الجسد واعتمدت على الميتا مسرح، كشف الممثلون عذابات الروح والجسد وفضحوا قسوة السلطة.

ويضم "بيت أبو عبد الله" الفنان ماجد درندش، د محمد عمر، وثريا، ويحمل البيت آهات ووجع البيوت العراقية في أوطانهم عبر تساؤلات ورسائل عدة أراد بها مخرج العمل تحطيم جدار البيت لإيصال أصوات العوائل العراقية إلى الجهات المسؤولة عبر أدوات امتلكها أنس عبدالصمد وكادره الشجاع في مسرح المستحيل الذي لا يعرف المستحيل في التحدي وصولا إلى النجاح، وفق ما نشرته صفحة دائرة السينما والمسرح بفيسبوك.

وكما دَون أنس عبدالصمد في أحد منشوراته على صفحته بفيسبوك "حاملا 'الميتا مسرح الصامت' إلى العالم بمسرح جديد ... مدربا ومخرجا وممثلا وحالما ..."، أطل، الثلاثاء، من قاعة سينما مسرح الريو بتونس العاصمة في إطار مشاركته ضمن المسابقة الرسمية للدورة 25 من أيام قرطاج المسرحية بمسرحيته "بيت أبو عبد الله"، التي تركت أصداء رائعة لدى الجمهور والمختصين، حيث وصفها بعض المتدخلين في ندوة مناقشة العروض بأنها "مسرحية خرجت عن التصنيفات المسرحية"، كما قال عنها مخرج مسرحي جزائري "لا نستطيع تصنيفها سوا هي منعرج بالمسرح العربي".

وعلى مدى نحو ساعة يلفت انتباه المتفرج في "بيت أبو عبد الله" غياب الحوار بين الشخصيات التي لم تنبس بكلمة واحدة. وقد ترجم غياب الحوار حالة من انقطاع التواصل والتفاهم بين الأفراد. لكن في مقابل غياب اللغة اللفظية، تتحدث الأجساد وتتحرك الإيماءات والحوارات غير المباشرة، فجاءت الرسالة المتعلقة بفقدان القدرة على التعبير أكثر صدقا.

ويكشف هذا الصمت المشبع بالمعاناة عن صراع داخلي مستمر بين هذه الشخصيات التي لا تستطيع إلا أن تتشبث بالحياة رغم المأساة المستمرة التي تعيشها.

وتمثل الشخصيات الثلاثة التي تسقط جثثا هامدة بعد إطلاق الرصاص تجسيدا للصراع الوجودي والروحي الذي يعيشه الأفراد في ظل القهر ولكنهم ينهضون مجددا بفعل جديد وهو ما يترجم تمسكهم بالحياة على الرغم من حدة المأساة.

ويبدو هذا التوجه الذي اعتمده المخرج من حيث الخصائص الفنية المميزة للمسرحية القائمة على لغة الجسد مقصودا وبقوة، فكان الصوم عن الكلام السمة التي خيمت على العرض لاعتقاد المخرج أن الصمت أبلغ من الكلام أحيانا، ووفق ما نشرته وكالة تونس أفريقيا للأنباء، فإن أنس عبدالصمد حتى يتفادى سقوط إيقاع العرض في الرتابة وتدحرج نسق الأحداث، كانت أجساد الممثلين تنبض بالحركة والأداء لتترجم صراعا داخليا مستمرا يعبر عن التوترات التي يعيشها الإنسان في ظل القيود المفروضة عليه.

وجاء العرض مشبعا بالرموز والدلالات لاسيما مشاهد الفئران التي كانت بمثابة استعارة للحالة الاجتماعية والسياسية التي يعيشها أفراد الأسرة. وهذه الفئران التي كانت تحاصر البيت منذ البداية، مثلت التسلل التدريجي للفوضى والاضطهاد إلى حياة هؤلاء الأشخاص وانتشار الفساد في الدولة والمجتمع ما أدى إلى تفكك الدولة وخرابها.

وتأتي مشاركة مسرحية "بيت أبو عبد الله" في المسابقة الرسمية للدورة الـ25 من أيام قرطاج المسرحية المنتظمة في العاصمة التونسية من 23 إلى 30 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استكمالا لمشاركات محلية وعربية للعرض بعدة مهرجانات، إلى جانب حصول المسرحية على عدة جوائز.

وتعد دورة 2024 لأيام قرطاج المسرحية استثنائية على صعيد المشاركات الدولية، حيث سيكون لجمهور الفن الرابع موعد مع 125 عرضا من 32 بلدا من مختلف القارات. وتشمل العروض 12 عرضا في المسابقة الرسمية من تونس ولبنان وفلسطين والعراق ومصر والأردن والإمارات والمغرب وقطر وبنين والسنغال، و35 عرضا في الأقسام الموازية، بالإضافة إلى 13 عرضا في قسم مسرح العالم، وعرضين في تعبيرات مسرحية في المهجر و10 عروض موجهة للطفل و4 عروض في مسرح الإدماج، إلى جانب 11 عرضا في مسرح الحرية الذي يخصص لنزلاء السجون.