بيت الزبير تحلق بالقراء في فضاءات عربية وعالمية
عمان - تحليقٌ في فضاءات الفكرِ والمعرفة، وسياحة ثقافية تتيحُ إطلالة واسعة على مفاصل مهمّة من الواقع الثقافي، العالمي والعربي من جانب، والعُماني من جانب آخر، هذا ما تكشف عنه إصدارات مؤسسة بيت الزبير لعام 2025 التي صدرت حديثا ضمن مشروع التعاون المشترك مع "الآن ناشرون وموزعون" الأردنيّة.
تتنوّع الحقولُ المعرفيّة التي تجترحُها الإصدارات التي ستُطلق خلال معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، بما يستجيب لاهتمامات القارئ العربيّ، على اختلافها، إذ تتيحُ العناوين العشرة تواصلاً مختلفاً ومغايرا مع الثقافة العالمية، ومنها ما يثيرُ أسئلةَ الثقافة العربيّة، على صعيديْ النقدِ والفلسفةِ، ومنها ما يتأمّل بكثيرٍ من العمقِ، جوانب مفصلية من الثقافة في سلطنة عُمان.
إذ يبحث كتابُ "النقد الثقافي" في مسائل النقد الثقافيّ وإشكالياته النظريّة والتجريبيّة، من خلال دراسات علميّة لنخبة من الباحثين والمفكرين والنقاد العرب، انطلاقاً من كون مجال النقد الثقافيّ ما زال مجالاً حييّاً في الثقافة العربيّة، ويحتاج إلى مزيد من ضبط المفاهيم والرؤى والأدوات، وما زال يحتاج إلى اختبارات وتطبيقات ليتسنّى له أن يحتلّ منزلة من النقد الأدبيّ وأن تتوضّح رؤيته ذات المرجعيّات المتعدّدة لعلّ الفلسفة وعلوم الإنسان هي رأسها.
يتأمّل د.عبداللّه الغذّامي من السعودية في ورقته بهذا الكتاب مشهدَ النقد الثقافي والنقد الأدبيّ والدراسات الثقافيّة، ويقدّم د. إدريس الخضراوي من المغرب عرضاً نظريّاً لدراسات ما بعد الكولونيالية، واقفاً على الأفق النظري لهذه الدراسات وأثره في إعادة تشكيل مفهوم الأدب، وفي إطارٍ من التنوّع والثراء يقدّم د. خالد البلوشي من سلطنة عُمان ورقة بحثيّة بعنوان "النقد الثقافي في عُمان: القصّة القصيرة أنموذجاً". أمّا القاصّ د. محمود الرحبي من سلطنة عُمان، فيشارك بدراسة بعنوان "الذاكرة النسوية موضوعا للنقد الثقافي" من خلال قراءة في كتاب "نساء في غرفة فرجينا وولف" للكاتبة الكويتية سعاد العنزي.
في حين يثيرُ كتاب "هلْ نحتاجُ إلى الفلسفةِ في حياتِنا؟" الذي قام بتحريره د. محمـد زرّوق، الأسئلةَ القديمةَ حول الإنسان والوجود، في ظلّ التحوّلات العلميّة والجيوسياسيّة والاقتصاديّة التي تعصفُ بالعالم من حولنا، أما الإجابات فقد قدمها عدد من الفلاسفة والمفكرين والباحثين العرب.
فقد عاين د. عبدالسلام بنعبد العالي من المغرب صلة الترجمة بالفلسفة، وقُدرة النصّ المُترجَم على التموضع في مقامات تختلف عن مقامه الأصل، وتحدث د. الزواوي بغورة من الجزائر عن ضرورة الفلسفة في عصرنا، ورجع محمد شوقي الزين من الجزائر إلى "أصل التفلسف"، مُظهراً الترابط بين تجربة روحيّة ميتافيزيقيّة، هي التصوّف، وتجربة منطقيّة عقليّة هي فعل التفلسف.
وطرح مشير باسيل عون من لبنان عددا من الأسئلة والإشكالات المعرفيّة، منها، "إشكاليّات التعدّديّة الثلاث"، في أصولها الفلسفيّة؛ التأويليّة والإبستمولوجيّة والأنثروبولوجيّة. وبحث محمد المصباحي من المغرب في "ضرورة المكان المحايد لتجاوز انسداد الأفق"، وتوجّه رضوان السيّد من لبنان إلى دراسة منزلة العقل في التصوّرين الفلسفيّ والأصوليّ، وعاين محمد العجمي من سلطنة عمان العلاقة بين فلسفة ما بعد الإنسانيّة واللامركزيّة الأوروبيّة.
وبحث عبدالله ولد أباه من موريتانيا عن الحلول التي تجعل الفلسفة العربيّة الراهنة تستوعب مكاسب الكونيّة من خلال النظر في العقل الفلسفي المعاصر. ونهض علي الرواحي من سلطنة عُمان بالتعريف بأعمال هابرماس، راصداً الفارق الزمنيّ بين صدور الكتاب الأصلي وبين تلقّيه العربي من خلال الترجمة مع إلقاء الضوء على أعمال أخرى للكاتب لم تُتَرجم إلى اللّغة العربيّة. وتضمن الكتاب بحثين يتناولان فكر صادق جواد من خلال بيان القضايا التي همّته وشغلته وتفكيك رأيه فيها، أولهما بحث لمحمد بن رضا اللّواتي من سلطنة عمان بعنوان "صلة الإنسان بالثقافة والدين"، وثانيهما بدر العبري من سلطنة عمان قدم فيه قراءة وصفيّة في فكر صادق جواد.
بينما يمثّلُ كتابُ "مراوغات غير متوقَّعة/ عن مارادونا، والأدب، وكرة القدم" محاولةً جادّةً لردم الهوّة المصطنَعة بين الثقافة والرياضة، وبناء الجسور بين الأدب وكرة القدم.
تضمّن هذا الكتابُ مشاركاتٍ لكوكبة من الباحثين والدّارسين، الذين قدّموا أوراقاً علميّة، قام بجمعها وتحريرها سليمان المعمري، وتحدث كل من حسن مدن من البحرين، وسيد محمود ومحمد الفولي من مصر، وسليمان المعمري ومنى حبراس من سلطنة عمان، باستفاضة عن علاقة هذه اللعبة بالأدب؛ العالمي منه، والعربي، والعُماني. كما تضمّن الكتاب ورقة للروائي والكاتب السوداني أمير تاج السر، بعنوان "الحياة الثقافية في وسط الكرة".
ويوفّر كتابُ "مهمّةُ المترجم" ترجمة ثلاثية متعدّدة الوجوه لمقالة نظريّة وفلسفيّة دقيقة، كتبها الفيلسوف والناقد والمترجم الألماني فالتير بنيامين (1892-1940)، سنة 1921، وهي مقالة تضطلعُ بمكانة متميزة في الثقافة العالمية الحديثة، إذ تُرجمت مرات عديدة إلى لغات عدّة، لأنها نصّ نظريّ وفلسفيّ دقيق فيما يخصّ الترجمة ومهمّة المترجم بصفة خاصة. وقد ترجمها، عن الألمانية والإنكليزية والفرنسية، أ. د. أحمد بوحسن من المغرب، وراجعها د. رضوان ضاوي من المغرب. وبيّن بوحسن جانبا من أهميّة الكتاب بالإشارة إلى أنّه قدّم فيه "ترجمة ثلاثية متعدّدة الوجوه لنصّ فلسفي شديد الصعوبة"، مؤكدا أن إعادة ترجمة هذا النص وتدقيقه وتحقيقه ومراجعته تتيح فهما مضمونيّا أقرب إلى المعنى الأصلي.
ويتيحُ كتابُ "التّوغلُ داخل المغرب المظلم... يوميات رحلة فنان سويسري 1858" تتبّعاً لرحلة الرسّام السويسري فرانك بوكسر، التي اتجه فيها إلى فاس انطلاقاً من طنجة، مصوِّراً ملامحَ من المشهد الثقافيّ والاثنوغرافيّ للمغرب، وموثِّقاً تجاربه وتفاعلاته مع الثّقافة المغربيّة. وتكمنُ أهمية ترجمة هذا الكتاب التي أنجزها عن اللغة الألمانية د. رضـوان ضـاوي من المغرب، في أنه يقدّم لدارسي الأدب المقارن والدّراسات الثقافيّة والاثنوغرافيّة وأدب الرحلات، نصّاً اثنوغرافياً سويسريا مكتوباً باللغة الألمانية في أصله، في ظل أن القارئ العربي كان يكتفي بقراءة النصوص السويسرية المكتوبة باللغة الفرنسية أو المترجمة عنها فحسب.
ويتأمّلُ كتابُ "الفن والتأويل/ دراسات نقدية في الفن التشكيلي العُماني" الذي حررته وراجعته أ. د. فخرية اليحيائية من سلطنة عمان، المُنجَز الفني العُماني، الحديث والمعاصر، وفق مناهج ومداخل تهدف إلى فحص ظواهرِه في تناميها التاريخي، وفي علاقتها بالجاري على ساحة الفن العالمي. ويشكّل الكتاب إضافة جديدة في قائمة الدراسات النقدية الفنية، إذ يضمّ الكتابُ ثلاث دراسات لباحثين معتبَرين في تاريخ الفن والنقد الفني، الأولى بعنوان "النحت العُماني والمغربي/ مقاربة جمالية في المشابهة والاختلاف" للناقد الفني إبرهيم الحيسن من المغرب، والثانية بعنوان "الفن العُماني: تأويلات التلاقي والتقاطُع في سياق الفن العالمي" للفنان والناقد الفني د. ياسر منجي من مصر، والثالثة بعنوان "الفـن والتأويـل" للفنان والناقد السوري طلال معلّا.
ويسبرُ كتاب "مناديل لأجنحةِ الفراشةِ" الذي راجعت الدراسات المتضمّنة فيه وحررتها أ. د. فخرية اليحيائية من سلطنة عمان، أغوار الفن التشكيلي العُماني، واضعاً هذا الفنّ في المكانة التي تليق به ضمن خارطة الفن العربي، ونقله عبر مناطقَ تلقٍّ جديدة، من خلال إعادة قراءته بعيون عربية من جهة، ومن خلال مقارنة التجربة الفنية العُمانية بمثيلتَيها العربية والعالمية، من جهةٍ أخرى.
ويستنطق الكتابُ اللوحةَ واللّونَ، وقد جاء حصادا لندوة حملت عنوان "النبش في مخيلة اللون"، أقامها بيت الزبير لتقديم قراءات نقدية لما اختزلته مخيّلة الفنان العُماني وما حاول التعبيرَ عنه بفرشاته وأدواته.
وفي المسعى لأن يحقّق الفن التشكيلي العُماني معانيه المتعددة التي يستحقّها بطبيعة الحال، ومن أجل سدّ ثغرة الشُّحّ في الكتابات النقدية المتخصصة في التجربة الفنية العُمانية التي قطعت أشواطاً كبيرة وأثّرت في المشهد الفني العربي عموماً، يأتي كتابُ "نافذة واحدة وأبواب متعددة"، متضمّنا الدراسات الآتية: "نحو توجه معاصر لبناء حركة نقدية في الفن التشكيلي العُماني" (أ. د. فخرية اليحيائية/ سلطنة عمان)، و"قراءة نقدية في تجارب النحاتين الشباب في سلطنة عُمان" (أ. د. محمد العامري/ سلطنة عمان)، و"بين التعبيرية التلقائية والنفس الأمارة بالإبداع: التجربة الخزفية التشكيلية العمانية الحديثة" (د. بدر المعمري/ سلطنة عمان)، و"قراءة في التجارب الفنية البصرية العُمانية" (د. أحمد محي حمزة ود. جهاد محمد شريت/ مصر)، و"التجريد العُماني المُعاصر وأزمةُ النقد التحليلي" (د. مروان عمران عبدالمجيد)، و"دراسة تتبعية للكتابات النقدية في الفن التشكيلي العُماني: صحيفة (الوطن) أنموذجاً في المدة 2003-2008" (نائلة المعمرية/ سلطنة عمان).
ويتوقّف كتاب "شعريّة اللّغة في القصّة العُمانيّة القصيرة"، للباحثة العُمانيّة خالصة بنت خليفة السعدي، عند محاولات الجيل الجديد من كتّاب القصّة العُمانية القصيرة لتطوير لغة كتابتهم، التي اتّخذت صورة شعرية في بعض المجموعات. الكتاب نفسه، تكمن أهميّته في كونه أولى الدراسات التي تتناول موضوع شعرية اللغة في القصة القصيرة العُمانية بشيء من التفصيل، وقد غطّت فيها الباحثةُ الموضوعات التالية: الشعرية وحضورها في القصة العُمانية القصيرة، ولغة العتبات، ولغة الأسلوب، ولغة الصورة الشعرية.
بينما يضمّ كتاب "أراجيح تتأمّل صورتها في النبع" مجموعة من الدّراسات المتعلّقة بالنتاجِ الثقافيّ الموجَّه للطفل، تتناول الفضاء السردي في القصة المُوجَّهة للطفل، والقصص الموجَّهة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وصناعة شخصيات قصص الأطفال في زمن الألفية، والمبادرات الثقافية الموجَّهة للطفل، ومسرح الطفل العماني بين بواكير النهضة وتأكيد الحضور. وضمّت قائمة المشاركين: خلود البوسعيدي من سلطنة عُمان، نورة الهاشمية من سلطنة عُمان، د. محمود كحيلة من مصر، محمد شمشاد عالم القاسمي من سلطنة عُمان، يونس بن علي بن سالم المعمري من سلطنة عُمان، ليلى عبدالله من سلطنة عُمان، محمد الغزي من تونس، شيخة الفجرية من سلطنة عُمان.
وقالت الدكتورة منى حبراس، المدير العام لمؤسسة بيت الزبير، بمناسبة صدور هذه الكتب: "تصدر هذه الكتب العشرة عن مؤسسة بيت الزبير لتضيف لبنات أخرى في رصيد الإنتاج المعرفي الذي سعت المؤسسة إلى مراكمته منذ سنوات، حتى بلغت تلك الإصدارات مجتمعةً نحو 40 كتابا في حقول ثقافية متنوعة، ما بين أدب، وفكر، وترجمة، وأدب رحلات، ودراسات ثقافية، وأدب طفل، ومنجز فلسفي، ونقد فني".
وأضافت "نحسب أن هذه الإصدارات تسد فجوة مهمة في المكتبتين العمانية والعربية؛ نظرا لشح الإصدارات غالبا في المجالات المعرفية التي اشتغلت عليها، وقد شارك فيها باحثون وكتّاب أسهموا بفكرهم وجهدهم فرادى ومجموعات في صنع هذا الأثر".
وتابعت بقولها إن هذه الإصدارات العشرة "جاءت بتعاون مقدّر مع دار الآن ناشرون وموزعون الأردنية، التي كان لجهدها بالغ الأثر في أن ترى هذه الكتب النور بالكيفية التي تليق بالقارئ العزيز".