بيت السحيمي.. شاهد عيان على حقبة قاهرية

بيت السحيمي يمثل حقبة تاريخية وإسلامية ذات تأثير بليغ على مصر في العصر العثماني الذي اتخذ من هذا البيت رمزا لعمارة القاهرة.
عندما علم الملك فؤاد الأول بأهمية البيت أصدر مرسوماً ملكياً ينص على تخصيص مبلغ 6 آلاف جنيها لشرائه
تم ضم البيت إلى لجنة حفظ الآثار العربية والإسلامية

القاهرة ـ من أحمد مروان

تعتبر منطقة القلعة من أكثر المناطق الأثرية والحضارية في مصر، حيث كانت إحدى مقار الممالك المصرية القديمة بمختلف ثقافتها، وقد حوت هذه المنطقة أكثر المقتنيات الأثرية على مر العصور، وبجانب الثراء الأثري والحضاري يوجد هناك بيت يعتبر نموذجاً متفرداً من مخلفات نماذج عمارة البيوت السكنية الخاصة وهو بيت السحيمي.
ويمثل بيت السحيمي حقبة تاريخية وإسلامية ذات تأثير بليغ على مصر في العصر العثماني الذي اتخذ من هذا البيت رمزا لعمارة القاهرة (1517 – 1798) تبلغ مساحة البيت الذي ينسب إلى الشيخ محمد أمين السحيمي آخر سكانه ما يزيد على ألفي متر مربع، تم بناؤها على نظام الجدران الحاملة، فقد كان الشيخ السحيمي أحد رواق الأتراك بالأزهر الشريف، وعندما توفي عام 1928، رأت السيدة أرملته ضرورة استبداله خاصة بعدما أصبح غير صالح للسكن، وعندما علم الملك فؤاد الأول بأهمية البيت أصدر مرسوماً ملكياً ينص على تخصيص مبلغ 6 آلاف جنيها لشرائه وضمه إلى لجنة حفظ الآثار العربية والإسلامية، وقد اعتبرته اللجنة أثراً في عام 1980.
محمد أمين السحيمي
يقع بيت السحيمي بمنطقة الجمالية أقدم أحياء القاهرة القديمة وتحديداً في حارة الدرب الأحمر التي تربط بين شارعي المعز لدين الله الفاطمي وشارع الجمالية، ويجاور هذا البيت خانقاه بيبرس الجاشنكير، ويرد البعض إنشاء هذا الأثر إلي الأمير فيطاس بك عام 1040هـ ولكن علماء الآثار والبحوث التاريخية يرون أن هذا المنزل كان عبارة عن منزلين منفصلين قام بإنشاء الأول الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي عام (1058 هـ – 1648) في الجزء الجنوبي الشرقي، بينما أنشأ الثاني الحاج إسماعيل شلبي في عام ( 1113 هـ – 1701) والذي كان يقع في الجزء الشمالي الغربي، ثم قام الشيخ محمد أمام القصبي والذي كان يشغل شيخ جامع الأحمدي بشرائه وضم الجزءين الجنوبي الشرقي والشمالي الغربي ليصبحا منزلاً واحداً بعدها أجرى الشيخ محمد أمين السحيمي بعض التجديدات بالبيت بين عامي (1331 هـ – 1335 هـ) (1913 – 1917).

الأثر التاريخي
ويوصف هذا الأثر بالتاريخي، لأنه شيد على مساحة تبلغ ألفي متر مربع تقسم هذه المساحة 110 فراغات تختلف في تنوعاتها ما بين فراغات وقاعات للاستقبال توجد بالدور الأرضي، ويعلوها قباب ثم قاعات، وأخرى تتخللها غرف صغيرة وكبيرة استخدمت بغرض المعيشة تشكل الدورين الثاني والثالث، أما فناء البيت فتبلغ مساحته 200 متر، وفي داخل البيت يوجد حمام متكامل أعد بطريقة كانت تناسب سكان هذا البيت فقد حرص مجددوه علي وضع قبتين بالحمام وقاموا  بتزيين القبتين بمضاوي زجاجية ملونة كما توجد بالمنزل آبار للمياه وحديقة خصصت خلف المبني.
مداخل البيت
يضم البيت مدخلين الأول في الجزء الأوسط من الواجهة الجنوبية الغربية، ويعتبر هذا المدخل، المدخل الرئيسي للبيت. أما المدخل الثاني فيقع في إحدى طرفي الواجهة، ويعتبر المدخل الرئيسي أحد النماذج الحضارية والأثرية التي تمثل خلود الحضارة الإسلامية في فن المعمار، وقد حرص مصممو هذا البيت ألا يؤدي الباب الرئيسي إلى فناء البيت مباشرة حيث كان يحرص النساء على الجلوس بهذا الفناء وحتى لا يتمكن وافد الدار من رؤيتهن، ويوصف المدخل وصفاً دقيقاً فهو عبارة عن دخلة معقودة بعقد نصف دائري يوجد خلفه باب خشبي يؤدي إلى سلم يهبط إلى الدركاة، وهي مربعة الشكل زينت أرضيتها بالبلاط، كما خصصت بهذه الدركاة مصطبة لحارس المنزل للجلوس بها، أما بالجزء الجنوبي لهذه الدركاة فهناك فتحة معقودة تؤدي إلى دهليز ينتهي إلى الفناء الرئيسي للمنزل.
ويتميز البيت من الداخل والخارج بوجود نماذج متنوعة ومتفردة من أشكال الفنون الزخرفية والإسلامية، حيث توجد جدران ومشربيات وأسقف خشبية تعود إلى العصر الإسلامي في أشكال صناعاته الزخرفية، ويوجد بالدور الأرضي أربع قاعات واحدة بالجهة الشمالية الغربية وأخرى بالجنوبية الغربية، وأنشئت بالجهة الجنوبية الشرقية. يوجد بالبيت رواق يمكن التوصل إليه من باب يوجد بالركن الشرقي للفناء الرئيسي حيث يتم صعود درجتين من السلم تؤديان إلى رحية مستطيلة يوجد بها بابان الأول يؤدي إلى الرواق والآخر يؤدي إلى ملحقات الرواق.

ورش عمل لتعليم الشباب
رحية مستطيلة بها ثلاثة أبواب

قاعة الكاشاتي
يمكن الدخول إلى هذه القاعة بواسطة مدخل يقع في الجزء الشمالي للفناء، حيث يؤدي هذا الجزء إلى سلم يصعد إلى الدور الأول من البيت فنجد هناك رحية مستطيلة بها ثلاثة أبواب؛ الأول يؤدي إلى دهليز يربط جميع أرجاء المنزل والباب الثاني عبارة عن دخلة بها مشربية تطل على الفناء الرئيسي بينما يؤدي الباب الثالث إلى قاعة مستطيلة الشكل تحوي الأعمدة الرخامية وفرشت أرضيتها بالرخام، تؤدي إلى قاعة الكاشاتي.
السبيل والكتاب
هناك أيضاً سبيل ملحق بالبيت من الجهة الشمالية الشرقية، ويعلو هذا السبيل كتاب أحدهما يطل على شارع الجمالية وهو الأكثر اتساعاً، أما الآخر فهو في واجهة صغيرة من جانبي السبيل، وتعتبر واجهة السبيل أكثر بروزاً حيث تقدر بحوالي متر ونصف المتر عن مثيلاتها بمنطقة الدرب الأحمر لتعتبر واجهة ثانية لهذا السبيل الذي تم فتح شباك في  الجانب الأسفل للسبيل. 
ويتكون السبيل من حجرة مستطيلة الشكل بها شباكان نجد في مقابل أحدهما دخلة الشادوف ذات الطاقية الخشبية المقرنصة وتوجد على الجانب الأيمن لهذه الدخلة حجرة وإلى اليسار هناك دخلة صغيرة بها بيارة الصهريج ذات الحلق المستدير.
ويتميز السبيل بأن أسقفه ما زالت على حالتها الجيدة، حيث تم تصنيعها من الخشب المسطح ويقام على خمسة براطيم قسمت السقف إلى ستة تحويطات طولية مزخرفة بالألوان وقد شغلت المساحة التي بين البراطيم بمستطيلات هندسية مزخرفة بينما زينت البراطيم بأشكال بيضاوية، ويعرف هذا السبيل بسبيل وقف فيطاس بك الذي اشتهر بسبيل بيبرس والذي يعود تاريخه إلى 1040 هـ – 1630 بيت السحيمي شهد أكبر عملية ترميم أجريت عليه بأسلوب علمي حديث انتهت في عام 2000 .
حالياً يستخدم بيت السحيمي كمتحف مفتوح لفنون العمارة الإسلامية، وكمركز للإبداع الفني التابع لصندوق التنمية الثقافية، حيث يستضيف فرق التراث الشعبي بمختلف أنواعها من فنون موسيقية وفن الأراجوز وفن خيال الظل، كما تقام به ورش عمل لتعليم الشباب أصول هذا الفن، بهدف الحفاظ على الموروث الثقافي المصري وحمايته من الاندثار. (وكالة الصحافة العربية)