بيت الشعر بالشارقة يحتفي بالقصيدة السودانية والسورية
ضمن فعالياته الشعرية نظَّم "بيت الشعر" بدائرة الثقافة في الشارقة الثلاثاء أمسية شعرية صادحة بحديث الأنهار من النيل إلى بردى، جذبت أصداؤها حضورا كبيرا امتلأت به ساحة البيت.
واحتفت الأمسية بالشعراء: د. محمود الجيلي من السودان ومحمد الكامل من سوريا ، بحضور محمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية بدائرة الثقافة، والشاعر محمد عبدالله البريكي، مدير البيت. وقدمها وشارك فيها الشاعر حسن أبو دية الذي رحّب بالجمهور، والمشاركين، وشكر القائمين على البيت مشيدا بجهودهم في رفد الساحة الشعرية بالجديد دوما على مستوى القصائد أو الوجوه الشعرية.
وتجلّى الحب في القصائد التي شدا بها شعراء الأمسية، مصطحبا مشاعر الفقد والغياب، وتنوعت بين ثنائية الشدو للحبيبة والحنين للوطن، تلك الثنائية الموضوعية التي تحتضن بين ضفتيها إلهام الشعراء، وتتجلى بين يديها أجمل إبداعاتهم. افتتح القراءات الشاعر محمود الجيلي الذي استحضر مي/ المرأة الرمز للمحبوبة على عادة الشعراء في تراث الشعر العربي، للحديث عن حبيبة أطلت شمسا في سماء قصيدته، فلا هو يطولها ولا هي بنازلة من تيه عليائها إليه، يقول: أطلّ من المشـــارق وجــه مي بنورٍ مثـلـــما شمــس الضُّحَيْ فوا أســفي إذا هي عارضتني ويا بشـــراي إن نظـــرت إليْ ويحــملها الجمــــــال بكـلّ تيهٍ على الأكــــتاف كي تقسو علي ثم قرأ قصيدة أثار من خلالها تساؤلات وجودية قلقة في تصور فلسفي يبحث عن أجوبة مقنعة، تضيق عن معانيها ثياب اللغات، في محاولة لانتشال ذاته من التيه نحو الحقيقة المطلقة في التسليم للخالق الرحمن,
ويقول: ما الكون والأشياء في تعريفها بل ما هو التعريف والمضمونُ ضيق اللغات عن المعاني مربك ٌ والمفرادات تهون حين تخونُ ما الشيءُ من لا شيءَ غير إجابة لأوامر الرحمن كن فيكونُ ثم واصل في قراءته مغردا بنصوص شنفت ذائقة المستمعين، وحازت إعجابهم.
وتلاه الشاعر محمد الكامل الذي شدا للغياب مناجيا محبوبته التي يبكي فراقها ويصف حياته من دونها في أبيات يحتشد فيها ألم الذي لا يتخلله عتاب بل ثقة بعودة المحبوبة، مما يشف عن فراق قسري حكمته الظروف والأقدار، يقول: مُذْ غِبتِ ودَّعتِ الحياةُ صفاءَها والشَّمسُ لا تقوى على الإشراقِ مُذْ غِبْتِ عرسُ النَّاي أصبحَ مأتماً مُذْ غِبْتِ بيعَ الحُزنُ في الأسواقِ ثم أكمل قراءاته برسالة إلى فقيد ما، ملؤها العتب ومدادها الشوق، خطها على أوراق الذكريات قوافيا من وجع و حنين، يقول فيها: يُنازعُني الحنينُ إليكَ شوقاً لِأيّامٍ تبادَلْنا الودادا تقاسمنا الفُتاتَ على رصيفٍ وبالأحلامِ قدْ طفنا البلادا أنامُ ومنكَ لا مكتوبَ عندي وكنتُ عليكَ أفنيتُ المدادا ثم يواصل مؤملا في عودتها مستلهما قصة عودة سيدنا يوسف لأحضان أبيه قائلا: أشتمُّ رائحةَ القميصِ وإنَّني حَرَضٌ ولا أقوى على استنشاقي ستعودُ من أقصى الغيابِ جميلةً ستعودُ مِثلَ الماءِ والتَّرياقِ ستعودُ إنّي قدْ عَلمتُ بِعَوْدِها ما أعلمَ العُشَّاقَ بالعُشَّاقِ ! ثم قرأ نصوصا تنوع قطافها من شجر المشاعر الإنسانية، جمّلت الأجواء، ولاقت استحسان الجمهور وتصفيقه.
واختتم القراءات الشاعر حسن أبو دية الذي افتتح قراءته بالشدو للغربة، واستلهام ثنائية الحياة والموت، التي تغفو بين أجفانها الأحلام، و يورق العمر على ضفافها، يقول: قد كنت أرنو للحياة صبابةً أتخمت جوف الأرض بالكلماتِ حتى رأيت الحلم يقرب خطوةً فتراجعتْ بين الورى خطواتي أضحت دروب العمر محض خرافة وتبعثرتْ بين المدائن ذاتي ثم قرأ نصا بعنوان "شاعر"، مكتوب بجمر اللغة، بث من خلاله لواعج ذاته وآلامها، مصبحا على أمه رمز الوطن والأمان، يقول: أسابق بسمةً حمقى إلى حلمٍ.. فتسبقني وتكتبُ في جفونِ الموج أنِّي عاشقٌ صبٌّ عشقتُ النظرةَ الحيرى وتعشقني وتعشق جمرة الأشواق في لغتي صباح الصبرِ يا أمي وهل ما زلت حائكةً لي الأحلامَ ألبسها مع الفجر؟ وحاملةً لي البسمات سربالاً.. لأمحو عتمة الليلِ وأطرد سطوة الغيلان من دربي وفي الختام كرَّم محمد القصير الشعراء ومقدم الامسية.
ومن ناحية أخرى صدر العدد 38 من مجلة القوافي عن بيت الشعر في دائرة الثقافة بالشارقة وجاءت افتتاحية المجلة تحت عنوان " الشعر العربي.. إيقاعات مصحوبةٌ بعذوبة الألحان"، وفيها: يقودنا الشّعر العربيّ دائماً إلى غايات منشودة، تحت ظلال إيقاعات مصحوبة بعذوبة لحنٍ خفيّ، فتهتزّ الأفئدة لهذا الوهج الذي يتّسع ولا يضيق في كلّ الأزمنة؛ فقطاره المزدحم بالمجازات، وطابعه الذي يختزل البلاغة المفتونة بذاتها، هما مصير الإبداع العربيّ، وبابه المفتوح على الحكايات والتأويل والتراكم التي أدّت إلى نقلات نوعية في التُّجّارب التي تقفز بنا من عصر إلى عصر، فنظلّ في ترحال، بحثاً عن اكتشاف قصيدة جديدة، ومبدع نفتح له الحواسّ كاملةً، لنلمس كنزاً آخر، وننتظر من سيأتي بعده. إ
طلالة العدد حملت عنوان: " صرخة الرجاء الأخير في القصيدة الأندلسيّة" وكتبه د. أحمد شحوري. في باب "مسارات" كتبت الدكتورة حنين عمر عن "شعراء تذكروا شبابهم.. فتغنوا بالماضي وجدارياته". وتضمن العدد لقاء مع الشاعر السوري الدكتور حكمت حسن جمعة، وحاوره الإعلامي أحمد حسين حميدان.
واستطلع القوافي، آراء الشعراء حول "الكلمات المتكررة في قصائدهم ودلالاتها.. في باب "مدن القصيدة" كتبت الشاعرة منى حسن عن "الأبيّض السودانية.. عروس الرمال". في باب "أجنحة" حاور الشاعر الإعلامي المختار السالم، الشاعرة الموريتانية السالكة بنت المختار.
وتنوعت فقرات "أصداء المعاني" بين حدث وقصيدة، ومن دعابات الشعراء، وقالوا في، وكتبها الإعلامي فواز الشعار. في باب مقال كتبت الباحثة موج اليوسف عن "الشاعرات العربيات بين الخيال وتأنيث الصورة". في باب "عصور" كتب الشاعر الدكتور حكمة شافي الأسعد عن الشاعر "البهاء زهير.. شاعر الغزل والغناء".
وفي باب "نقد" كتب الشاعر رابح فلاح عن "الليل في الشعر ودلالاته الجمالية"، وفي باب "تأويلات" قرأ الشاعر محمد العثمان قصيدة "ظمأ" للشاعر محمد عبدالوهاب عثمان. كما قرأت الشاعرة الدكتورة باسلة زعيتر قصيدة "طفلتان وكوكب" للشاعرة الدكتورة عائشة الشامسي. في باب "استراحة الكتب" تناول الشاعر الدكتور خليف غالب الشمري ديوان "أنثى الحرية" للشاعر إبراهيم حلوش. أما "الجانب الآخر" فقد تطرقت الشاعرة أسيل سقلاوي إلى موضوع "الشعراء التجّار" وزخر العدد بمجموعة مختارة من القصائد التي تطرقت إلى مواضيع شعرية شتى. واختتم العدد بحديث الشعر لمدير التحرير الشاعر محمد البريكي بعنوان: "الشاعر حارس الجمال" وجاء فيه: الشّاعر لا يتوقّع السّقوط المباغت، لأنّه صديق الكائنات، وملهم الأغنيات، فبعزفه تدور رحى الأيّام، وتتجلّى النّجوم في أعين العشّاق بهمسه، وينشد البحّارة للموج نبضه؛ إنه رفيق الحياة وأنيس الوحشة، وصديق الهارب من قسوة الأحوال، وملجأ من ضاقت عليه الأرض بما رحبت، يحلّق في سماوات التجلّي غير آبهٍ بالعيون التي تطارده، ولا بالسّهام التي تتمنّى أن يقع صريعاً؛ فهناك عيونٌ أخرى ترى تحليقه حياةً، وتغريده نجاةً، ولغته ماءً يفيض أصالة وهويّة وحضارة، ففي ديوانه تتجلّى الألفاظ، وتفخر ظلال المعاني، وتعلن العربية حضورها الذي لا يغيب، فالشاعر حارس العربية والجمال.هكذا هي أحوال الشعر ببيت الشعر بالشارقة لقاءات و اصدارات و مجلة في بساتين الشعر و حدائقه الغناء.