بيروت نموذج عن لبنان المنهك بالأزمات

بيروت المعروفة بالبهجة تحولت إلى بلدة كئيبة وتغيرت ملامحها الجميلة بأخرى متعبة من تأثير الأزمات.
مدينة الحياة أصبحت كئيبة وحزينة
لبنان يشهد إحدى أسوأ موجات الكساد في التاريخ الحديث.

بيروت – بيروت عاصمة تضج بالحياة والحب والأمل، هكذا كانت عاصمة الفن العربي الأخرى إلى جانب القاهرة لكنها اليوم أصبحت مدينة "كئيبة" تحولت إلى مدينة منهكة وحزينة حالها يعكس حال كل البلد الغارق في العجز.

يقول النادل اللبناني علي درويش وهو يقف في شرفته يتأمل المباني المقابلة والقريبة: "بيروت التي تعني لنا الكثير.. التي تعني حياتنا.. عشنا وتربينا فيها.. اشتغلنا.. ليالي سهر.. أكل وشرب... أصبحت كئيبة".

عندما يستقبل درويش يوما جديدا من حياته، يبدأ في إعداد حساباته للحوادث المؤسفة التي سيلقاها في مدينته التي تعصف بها الأزمات، بدءا من انقطاع الماء والكهرباء وصولا إلى نقص الوقود والسيولة.

وتعصف بلبنان أزمة مالية يصفها البنك الدولي بأنها إحدى أسوأ موجات الكساد في التاريخ الحديث. وفقدت الليرة اللبنانية 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار منذ اندلاع الأزمة في 2019، مما دفع أكثر من ثلاثة أرباع السكان إلى هاوية الفقر. وأُصيب النظام المصرفي في البلاد بالشلل، وأدت أزمة العملة الصعبة إلى نقص واردات المواد الأساسية، بما فيها الوقود.

وفي يوم عادي من أيام بيروت، يواجه الشاب البالغ من العمر 27 عاما عقبات متتالية حتى أصبح يشعر كأنه محارب في ساحة معركة. ولا تفرق الحياة في لبنان في معاملتها بين علي وكثيرين غيره من اللبنانيين الذين يتقلبون على جمر الأزمة.

وفي الوقت الذي يستكشف فيه سبل الرحيل من لبنان، يضطر درويش لعمل مواءمات يومية في مواجهة قسوة الحياة مثل اقتناء مروحة قابلة لإعادة الشحن لتساعده على النوم في الليالي الحارة بلا كهرباء، ومضخة قابلة لإعادة الشحن، والتنقل بدراجة نارية لتوفير استهلاك الوقود، والاحتفاظ بجالونات إضافية، والتي غالبا ما يشتريها في السوق السوداء مع إغلاق محطات الوقود.

ليلاً، تغرق شوارع بيروت، التي تشهد منذ أشهر طويلة احتجاجات شعبية متقطعة على الوضع المعيشي، في الظلام جراء تقنين قاس تفرضه مؤسسة كهرباء لبنان من جهة وأعمدة إنارة وأضواء أنفاق تلفظ أنفاسها الأخيرة في انتظار صيانتها من جهة ثانية. وفي المناطق التي تضررت من انفجار مرفأ بيروت ، الذي تسبّب بمقتل أكثر من مئتي شخص وبدمار هائل في الأحياء القريبة، مازلت رائحة الموت تنبعث بقوة فيما حركة الترميم بطيئة.

عند تقاطع شارع رئيسي، تنتظر صديقتان داخل سيارة أن تجدا السبيل للمرور، فيما إشارة السيرة مطفأة. وتقول إحداهن "طبعاً ما من إشارة سير"، فتجيبها الثانية "ما من بلد". ويقول المسؤول في البلدية "اذا بقي الوضع على حاله.. فالبلدية حتماً في طريقها إلى الإفلاس، كما هو وضع البلد".