بين التضخيم وواقع مرير تتشكل مأساة لاجئين أفارقة في تونس

مظلومون أو مذنبون كرها وطوعا.. يجد لاجئون أفارقة أنفسهم عالقين بين نظرة عنصرية ووضع اقتصادي متدهور وانعدام حلول لمعالجة مشاكلهم وقرار رسمي بترحيل العشرات منهم.

تونس - بين التضخيم والتهويل وبين واقع معاش أصبح مألوفا في شوارع تونس وعدد من مدنها، يُثير وضع اللاجئين الأفارقة بعد تفكيك مخيمات اللجوء في الجنوب التونسي وتفرقهم في أكثر من منطقة إلى جانب تزايد أعدادهم، الكثير من الأسئلة خاصة بعد أن تم إقحام هذا الملف في مزايدات سياسية وحقوقية وتعالي أصوات تحذر من تداعيات توطين الأفارقة في الأراضي التونسية.

ويأتي ذلك بينما استنكرت منظمة غير حكومية تونسية متخصّصة في قضايا الهجرة يوم الأحد قرار الحكومة الذي وصفته بأنه "لاإنساني وقمعي" بترحيل مجموعة من المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى تونس عام 2011.

وعاد الجدل حول وضعية اللاجئين الأفارقة في تونس بعد سلسلة جرائم نفذها عدد قليل منهم منها عملية خطف رجل أعمال أجنبي في مدينة أريانة قرب العاصمة وأعمال عنف وصدامات بين عدد منهم ومواطنون تونسيون ومنها تلك التي جدت في صفاقس.

واشتكى كثيرون من ممارسات ومن سلوك عنيف لبعض اللاجئين، بينما رأى شق آخر من التونسيين أن هناك عمليات تهويل وتضخيم بعضها تشكل بعد أن سلطت برامج تلفزيونية الضوء على تجمعات للأفارقة خاصة في مدينة صفاقس عاصمة الجنوب التونسي.

وتؤكد منظمات حقوقية أن تلك الأعمال معزولة ولا يجب أن ينظر لها على أنها تعكس طبيعة عنيفة للاجئين الأفارقة، مشيرة إلى معاناتهم من وضع إنساني صعب وإلى تعرضهم للاستغلال بمختلف أنواعه ومنه استغلالهم في أعمال البناء والإنشاءات والزراعة بأجر زهيد.

وحاول البعض ومنهم سياسيون تضخيم تلك الأحداث وتحويل اللاجئين الأفارقة إلى فزاعة، بينما يبرز طابع عنصري لدى كثيرين في موقفهم من أولائك الذين تقطعت بهم السبل منذ فرارهم من ليبيا في العام 2011.

وواجه معظم اللاجئين الأفارقة وضعا صعبا ماديا وإنسانيا بينما غابت الرعاية الكافة لهؤلاء أو احتواؤهم ومنهم عائلات وأبناء حرموا حتى من حق التعليم في ظل غياب قوانين منظمة وفي ظل وضع اقتصادي متأزم تعاني منه تونس منذ العام 2011.

ولا توجد أرقام رسمية لعدد اللاجئين الأفارقة في تونس بينما تقدر منظمات غير حكومية أعدادهم بنحو مليون أو مليون و500 ألف لاجئ غالبيتهم قدموا من ليبيا بعد الإطاحة بنظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.   

ولقي العشرات منهم حتفهم في رحلات هجرة سرية إذا باتت تونس نقطة عبور إلى أوروبا من بوابة ايطاليا. وكثير منهم لفظهم البحر ودفنوا في مقابر بالأراضي التونسية.

وأعلنت حكومة نجلاء بودن خلال مجلس وزاري يوم الجمعة الماضي "ضرورة الشروع في ترحيل مهاجرين نظرا لوضعيتهم غير القانونية على أن تبدأ الإجراءات في أقرب وقت"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الحكومة.

وأضافت رئاسة الحكومة أن مكوث هذه المجموعة من المهاجرين في مركز شبابي تابع للدولة بمدينة المرسى بضواحي تونس العاصمة منذ أكثر من خمس سنوات "تسبب في تعطيل نسق عمل المركّب (المركز)" وذلك "بسبب رفضهم التام مغادرة المكان".

وردا على ذلك، أعرب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان يوم الأحد عن "سخطه على قرار رئاسة الحكومة اللاإنساني والقمعي".

ووفق هذه المنظمة غير الحكومية، يقيم 25 مهاجرا من الذكور بينهم مصريون وسودانيون ونيجريون ونيجيريون تتراوح أعمارهم بين 30 و32 عاما، ممن فروا من التوترات في ليبيا عام 2011، في المُركّب الشبابي منذ عام 2017 بعد إجلائهم من مخيم الشوشة للاجئين في جنوب تونس.

وقال المسؤول في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر إن السلطات رفضت طلبات لجوئهم، مؤكدا أن "عودة هؤلاء المهاجرين إلى بلادهم تهدد حياتهم".

وحذّر المنتدى من "أي محاولة لفرض حلّ بالقوة على فئة مستضعفة استمرت معاناتها أكثر من عشر سنوات". ودعت المنظمة المجتمع المدني إلى التعبئة "ضد السياسات التمييزية والقمعية للحكومة التونسية إزاء المهاجرين"، مؤكدة أنها لجأت إلى "منظمات أممية والاتحاد الأوروبي وكل الدول التي كانت طرفا في الأزمة الليبية في محاولة لإيجاد حلّ ولو استثنائيا للمجموعة المتبقية لكن دون جدوى".

وإثر اندلاع الثورة في ليبيا عام 2011، افتتحت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيّم الشوشة الذي استضاف ما يصل إلى 18 ألف شخص في ذروة الأزمة.

وقررت المفوضية عام 2013 إغلاق المخيّم وبقي المئات من قاطنيه ينتظرون إعادة التوطين في دول ثالثة. وفي حين تمكن البعض من مغادرة تونس، عُرض على البعض الآخر الانتقال إلى مدن تونسية.  ومع ذلك، ظل العشرات من المهاجرين في المخيّم مطالبين برد إيجابي على طلب لجوئهم، قبل إجلائهم من الموقع عام 2017.

وتعرض اللاجئون لأزمات كثيرة من ضمنها تلك التي دفعتهم للاعتصام لنحو شهرين أمام مقر مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تونس العاصمة قبل أن ينهوا اعتصامهم في يوينو/حزيران الماضي بعد أن أخلت الشرطة التونسية بالقوة مخيمات الاعتصام التي أقاموها.

وقالت المفوضية حينها إنها أمنت السكن للغالبية منهم، بينما ندد المنتدى التونسي بتعامل السلطات العنيف مع المهاجرين، مؤكدا على أن تونس ليست دولة آمنة للاجئين.

وكان نحو 200 لاجئ قد اعتصموا كذلك في فبراير/شباط الماضي في مدينة جرجيس بالجنوب التونسي احتجاجا على إخراجهم من قبل مفوضية اللاجئين من مراكز إيواء وشقق سكنية وتنديدا بتردي أوضاعهم وطالبوا بإعادة توطينهم في بلد آخر وذلك قبل أن ينقل نحو 100 منهم اعتصامهم إلى العاصمة التونسية.