بين عائشة غول وإسراء..طاغوت طوائفنا

نعم في لبنان كل شيء مباح إلا السخرية من قديسينا ولكل مجموعة دينية وحزبية قديسوها يستباح المواطن يومياً يضرب بأبسط حقوقه عرض الحائط ولا مشكلة أن حرم من الكهرباء لأكثر من 30 عاماً أو أكلته النفايات وأغرقته الديون أو أهين على باب المستشفيات أو ترجى ألف نائب ووزير من أجل وظيفة فالأهم أن الزعيم بخير والعقيدة الطائفية أيضاً!

بقلم: يارا الأندري

بلا إحراج، قالها وزير الطاقة اللبناني قبل يومين، على الهواء، "غيروا اسم باخرة الكهرباء التي كان من المفترض أن تتوجه إلى الجنوب من عائشة غول إلى إسراء حفاظا على مشاعر البعض". لك أن تتخيل مدى السخرية والانحطاط الذي وصلنا إليه.

طبعاً لم نعلم من هم الذين تعدوا على الاسم المسكين، ولا علم المشاهد اللبناني في هذا السيرك الهزلي كيف لمشاعر ما أن تستفز من مجرد اسم. ففي لبنان لا نزال نستفز بعد حروبنا الدامية والتافهة، لأي شيء إلا لحقوقنا المهدورة، ومتطلبات معيشتنا اليومية. الأسماء أهم، لا سيما إن كانت ذَات لون ديني ومذهبي معين.

كشفت قصة الباخرة هشاشة الوضع اللبناني، وعيشنا المشترك المزعوم. الكل متأهب، ويده على الزناد وهيهات أن تهان الطائفة أو زعيمها.

رضا البيك أو الزعيم أو الريس يغنينا ويسد جوعنا، فهو الممسك بأعناقنا وأرزاقنا، ونحن نتلهى بالفتات، بما يرميه السياسيون، بالتفاهات، فتارة "فجر القرود" وطوراً "شرف المواجهة"، "همروجة" فيسبوكية هنا، وترند تويتري هناك، وسياسيونا يقهقهون، ويمعنون في تدجيننا، واستنفارنا جماعات وفرادى كلما دعت حاجتهم.

في العاصمة الكئيبة المكتظة، التي باتت تفيض بؤساً وقهراً، تنام بلديتها عن شواغلها، ويعلن المجلس البلدي لبيروت أنه قرر "تزيين الشوارع الرئيسية للعاصمة والأسواق التجارية لثلاث سنوات مقبلة بما يتناسب مع كل عيد ومناسبة، بتقنيات ومواصفات عالمية"!

نعم حفلات بمقاييس عالمية، وملف نفاياتنا يقبع في الأدراج منذ أكثر من سنتين. بعد، يأتيك توحش السلطة الدينية، وهي لا تنفصل بتاتاً عن هذا "الاستعباد" السياسي من قبل الأحزاب وأمراء الحروب الذين تحولوا سياسيين مع انطفاء المدافع، وبات أزلامهم "رأياً عاماً" وناشطين ومحازبين، يهتفون باسم الزعيم، ويغطون سقطاته وفساده. فللسلطة الدينية جبروتها وحاشيتها أيضاً، تتبعها، تُمارس "دكتاتوريتها" وداعشيتها على من يجرؤ على هز أسس الهيكل السلطوي الأبوي!

لعل قضية الشاب شربل خوري، و"نكتته" التي هزت عصب بعض المؤمنين "المؤتمنين" على تنفيذ الأحكام "الإلهية" على ما يبدو، خير مثال. مجرد "نكتة" على حساب شخصي في فيسبوك، استفزت أحد المتلصصين الصغار، وتأهبت لها جيوش مشحونة. ضرب الناشط الشاب في مكتبه، أجبر على إقفال حسابه الفيسبوكي، أما المضحك المبكي فهو أنه طرد من عمله في حين أبقى مديره "البار " على الموظف "الصالح" الذي ضربه دفاعاً عن القديسين!

نعم في لبنان، كل شيء مباح إلا السخرية من قديسينا، ولكل مجموعة دينية وحزبية قديسوها! يستباح المواطن يومياً، يضرب بأبسط حقوقه عرض الحائط، ولا مشكلة أن حرم من الكهرباء لأكثر من 30 عاماً، أو أكلته النفايات، وأغرقته الديون، أو أهين على باب المستشفيات، أو ترجى ألف نائب ووزير من أجل وظيفة، فالأهم أن الزعيم بخير، والعقيدة أيضاً!

في لبنان، لم نتعلم أن من يمسك بخناقنا هم أنفسهم منذ الحرب الأهلية، عناصر ميليشيات ببزات "سياسية" باهظة. في لبنان، جماعات تهتف بقبضات عالية عاش "حامي الطائفة ورأس الحزب، عاش البيك والزعيم والسيد..." وقوافل الصفقات تسير، فوق كرامات المواطنين وأكتاف المقهورين.