تبون يختبر صمود حكم الأمر الواقع في انتخابات مبكرة

الرئيس الجزائري يحدد يوم الثاني عشر من يونيو المقبل موعدا لأول انتخابات تشريعية في عهده بعد انتخابات رئاسية واستفتاء على الدستور أثبتا شرعية مهتزة فيما يكابد لترسيخ سلطته وسط حراك شعبي يقاوم محاولات لتفكيكه.
سيناريو مقاطعة واسعة للانتخابات التشريعية المبكرة أمر وارد
الحراك الشعبي يأبى الاستسلام لسلطة تأبى الرحيل
الانتخابات التشريعية ستجري في أجواء مشحونة سياسيا واقتصاديا
الجزائر العضو في أوبك تئن تحت وطأة أسوأ أزمة مالية

الجزائر - حدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يوم 12 يونيو/حزيران موعدا للانتخابات التشريعية المبكرة والتي ستجري على الأرجح وسط أجواء مشحونة مقاطعة على غرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة وعلى الاستفتاء على التعديل الدستوري، في تطور شكل في حينه استفتاء على شرعية تبون ذاته، فالمقاطعة كانت رفضا شعبيا لتوليه الرئاسة على اعتبار أنه جزء من النظام الذي يطالب الحراك الشعبي برحيله.

وكان تبون قد أعلن الشهر الماضي حل البرلمان في خطوة لاستكمال المسار السياسي الذي بدأ بعيد انتخابه رئيسا للجمهورية خلفا لعبدالقادر بن صالح وهو المسار الذي وعد فيه ببناء جزائر جديدة وبتحسين الحريات وحقوق الإنسان، إلا أن فترة حكمه القصيرة كشفت عن تصاعد مقلق لوتيرة القمع واعتقال نشطاء الحراك وتضييق الخناق على الحريات.

تأتي الانتخابات التشريعية المبكرة في إطار الإصلاحات السياسية التي وعد بها تبون بعد احتجاجات عامة أجبرت الرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة في 2019 بعد أن قضى 20 عاما في سدة الحكم.

وعلى الرغم من ضعف المشاركة في استفتاء أُجري العام الماضي صوّت الناخبون الجزائريون لصالح إجراء تعديلات في الدستور تمنح مزيدا من السلطات لرئيس الوزراء والبرلمان.

وكان حلفاء بوتفليقة يمثلون أغلبية ساحقة في مجلس النواب المنحل الذي انتُخب في مايو/أيار 2017 لمدة خمس سنوات.

وتعهد تبون الذي انتُخب في ديسمبر/كانون الأول 2019، بإجراء تغييرات سياسية واقتصادية في مسعى لإنهاء الحركة الاحتجاجية التي تطالب برحيل النخبة الحاكمة كلها.

وأمر تبون الشهر الماضي بالإفراج عن 59 معتقلا من الحركة الاحتجاجية المعروفة باسم الحراك الشعبي في محاولة لوقف الاحتجاجات التي تفجرت أولا في 22 فبراير/شباط 2019.

غير أن الاحتجاجات استؤنفت منذ ثلاثة أسابيع بعد توقف بسبب إجراءات العزل العام التي فرضتها الحكومة للحد من تفشي فيروس كورونا في مارس/آذار 2020.

ويعتقد نشطاء ومعارضون أن الإجراءات التي يقوم بها تبون محاولة لترسيخ سلطته وليس تعزيز لمسار ديمقراطي، معتبرين أنها إجراءات لتلميع صورة النظام الذي هو امتداد في الأصل لنظام بوتفليقة.

وتبون كان واحدا من رجال السلطة المخلصين للرئيس الأسبق إلا انه تولى لفترة وجيزة رئاسة الحكومة في عهد بوتفليقة، لكن سرعان ما تم عزله لإثارة قضية حساسة في تلك الوقت تتعلق بالمتعشين من النظام من رجال الأعمال ومن المحيطين بالرئيس (بوتفليقة).

وقيل حينها إنه تجاوز خطا أحمر لاقترابه من عش الدبابير، وهو ما حسب له حينها، لكن عودته للسلطة وتبنيه النهج ذاته للنظام السابق جعلته محل قلق بالنسبة للحراك الشعبي الذي يطالب برحيل المنظومة السياسية وليس استبدال وجوه بأخرى.

ويواجه تبون (76 عاما) والذي تعرض لوعكتين صحيتين في بدايات حكمه بعد أن أصيب بكورونا ثم بآلام في أحد قدميه أجبرته على الانتقال إلى ألمانيا للعلاج في مناسبتين، ضغوط شديدة على أكثر من جبهة، فالجزائر البلد النفطي العضو بمنظمة أوبك تئن تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية بفعل تراجع إيرادات الطاقة وتداعيات الاغلاقات التي فرضتها السلطات لمكافحة تفشي فيروس كورونا.  

كما أن شرعيته تبدو مهتزة بعد أن قاطع غالبية الجزائريين الانتخابات الرئاسية التي جاءت به للحكم والاستفتاء على تعديلات دستورية حاول من خلالها تعزيز موقعه.

وستشكل الانتخابات التشريعية المبكرة أيضا اختبارا لمدى تجاوب الجزائريين مع حكم الأمر الواقع الذي أرسته انتخابات رئاسية وإن كانت منقوصة الشرعية.

ويرجح أن تكون نسبة المقاطعة للاستحقاق الانتخابي في يونيو/حزيران كبيرة في ظل حالة الشدّ والجذب بين النواة الصلبة للسلطة وبين حراك يأبى التسليم بحكم الأمر الواقع ويقاوم لعزل النظام.

وكلاهما في وضع مشابه فالحراك يقاوم محاولات التفكيك والسلطة تكابد لترسيخ أقدامها على أرض غير صلبة وفي ظرف دقيق بالنسبة للجزائر التي تحيط بها مخاطر الإرهاب العابر للحدود.

وتبقى الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات طالما لم تعلن الأحزاب السياسية مواقف صريحة تجاه المشاركة أو المقاطعة، وهو مسار لا يمكن الجزم باتجاهه في الوقت الحالي.