تجار لبنان يكافحون من أجل البقاء في ظل تأزم الاقتصاد

الوضع المعيشي في لبنان يزداد خطورة أمام عجز الطبقة السياسية عن إجراء إصلاحات بنيوية لإنقاذ انهيار اقتصادي متسارع.
الأزمة في لبنان تهدد التجار بالإفلاس
لبنان يعيش على وقع مشاكل اقتصادية متناثرة بين شح السيولة وارتفاع الأسعار
الوضع في لبنان يهدد الآلاف بخسارة وظائفهم على وقع الأزمة الاقتصادية
لبنان يحتاج إلى حكومة تكنوقراط مستعجلة لإنقاذ الاقتصاد

بيروت - يكافح أغلب التجار في لبنان في الأشهر الأخيرة من أجل البقاء ومواجهة انهيار اقتصادية متسارع اجتاح لبنان على وقع أزمة سياسية واحتجاجات تطالب برحيل النظام الذي يحملونه مسؤولية تدهور الأوضاع إلى الأسوأ منذ الحرب الأهلية (1975-1990).

بعد عقود من الجهد والخبرة المتراكمة، ظنّ روجيه زخور الذي يمتلك معملاً ناجحاً لصناعة الشوكولا أنه سيتركه إرثاً قيماً لابنته، لكنه وجد نفسه فجأة وسط أزمة اقتضادية خانقة تعصف بلبنان.

بدلاً من أن يجني الأرباح في فترة عيد الميلاد كما في كل عام،  ينهمك زخور (61 عاماً) وابنته (29 عاماً) هذه الأيام بتخفيض أسعار كعك العيد المصنوع من المثلجات والذي يشتهر به معملهم.

ويقول زخور في متجره ومن حوله أنواع مختلفة من قطع الشوكولا المزينة، "إذا بقي الوضع على حاله سأفلس خلال أشهر".

وبدأ زخور في فترة التسعينات بصناعة الشوكولا ثم المثلجات. طوال سنوات، كان يحسّن تدريجياً من وصفاته إلى أن بات مقصداً لأفخم الفنادق اللبنانية والزبائن الميسورين.

وعمد مؤخراً إلى إنشاء معمل جديد، لكن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان تبدو وكأنها "ضربة شبه قاضية" بالنسبة إليه، كما يقول.

ويضيف "نتجه نحو مستوً لم نكن نتخيل يوماً أننا سنصل إليه".

قبل الأزمة كان زخور يرسل للفنادق طلبين أو أكثر أسبوعياً وبكميات كبيرة، إلا أنه منذ شهرين لم يرسل سوى طلبية واحدة لكل فندق. كما أن الزبائن الذين اعتادوا على زيارة المحل لم يعودوا يقصدونه إلا في ما ندر. وبات يومه يمر ببطء، فيما يدخل أول زبون إلى المتجر بعد أن يكون انقضى أكثر من نصف النهار.

بعد سنوات من نمو متباطئ مع عجز السلطات عن إجراء إصلاحات بنيوية، يزداد الوضع المعيشي خطورة في لبنان وسط أزمة سيولة حادة وارتفاع في أسعار المواد الأساسية.

وتشهد البلاد منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول حراكاً شعبياً غير مسبوق ضد الطبقة السياسية كاملة التي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي، ويعتبرون أنها عاجزة عن إيجاد حلول للأزمة.

ويجد آلاف اللبنانيين أنفسهم اليوم مهددين بخسارة وظائفهم، فيما تعمد مؤسسات عديدة إلى اقتطاع قسم من الرواتب. وتفرض المصارف منذ أشهر إجراءات مشددة على سحب الأموال وخصوصاً الدولار، ولا يستطيع المواطنون سحب سوى قسم محدود من رواتبهم الشهرية.

وفي بلد يعتمد على الاستيراد بشكل أساسي ومع عدم توفر الدولار وظهور سوق مواز لسعر الصرف، ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية وخصوصاً المستوردة منها بشكل حاد.

ويستورد زخور كل المكونات التي يحتاجها في عمله من الخارج ويدفع سعرها بالدولار أو اليورو. أما اليوم ونتيجة إجراءات المصارف، لم يعد بإمكانه تأمين العملة الأجنبية لدفع مستحقاته.

ويقول "حين تنفذ المكونات المطلوبة لصناعة أحد الأصناف، ينتهي الأمر دون تجديده".

القيود البنكية تدفع محتجين للإضراب داخل أحد المصارف في بيروت
القيود البنكية تدفع محتجين للإضراب داخل أحد المصارف في بيروت

على غرار زخور يعاني لبنانيون كثر من انهيار الوضع المالي والاقتصادي ومنهم من اضطر إلى إغلاق مصدر رزقه ومنهم من تعرّض للصرف من عمله. وقد تقدمت عشرات الشركات لوزارة العمل بطلبات صرف جماعي.

إزاء هذا التدهور فكّرت معلمة الحضانة ليا كريدي وعائلتها بحلّ وتقدمت بمبادرة تقضي بالترويج للمنتجات اللبنانية.

وأطلقت العائلة حملة على موقع 'فيسبوك' بعنوان "صنع في لبنان - نبض لبنان صناعته" لمساعدة المنتجين المحليين على الترويج لبضائعهم.

وخلال شهرين فقط استقطبت الصفحة 32 ألف عضو، يعرض كثر منهم منتجات مصنعة محلياً أو حتى منزلياً ويسأل آخرون عن بضائع محلية بديلة عن منتجات معينة كانوا يشترون عادة المستورد منها.

وتقول كريدي "كنا معتادين إذا ذهبنا إلى السوق أن نشتري من دون أن ننظر ما إذا كان المنتج صنع في لبنان أو لا".

وخلال جلسة عائلية اتفقت مع أقربائها على الذهاب إلى السوبرماركت للبحث عن البضائع المصنعة في لبنان على اختلاف أنواعها، قائلة "تفاجأت بكمية البضائع التي لم نكن نعرف عنها".

وبدلاً من الذهاب إلى السوبرماركت الضخمة للتبضع، باتت كريدي تفضل محل البقالة الصغير في بلدتها الواقعة شمال بيروت.

في عيد الميلاد الحالي ونتيجة الأزمة اكتفت كريدي وأقربائها بشراء الهدايا لأطفال العائلة فقط وجميعها صُنعت في لبنان.

على خط آخر وجد راني الحج (43 عاماً) نفسه مضطراً للتأقلم مع الواقع الجديد في الحانة الصغيرة التي يديرها، وعمد إلى التقليل من استخدام المشروبات الروحية المستوردة الغالية الثمن حتى لا يضطر إلى رفع الأسعار.

ويقول "غالبية الزبائن يحصلون على رواتبهم بالليرة اللبنانية (...) لذلك أحاول قدر المستطاع أن أقلل من وطأة الأمر لكي لا يشعر الزبون أنه خسر كثيراً من قدرته الشرائية ولم يعد قادراً على الخروج للترفيه عن نفسه".

ولتحقيق هذا الهدف عمد وأصحاب الحانة إلى البحث عن بضائع بديلة مصنعة محلياً من مشروبات روحية أو مواد تستخدم في الطبخ.

ويقول "لا يمكننا أن نستبدل كل شيء، لكن يمكن أن نعيد الحياة إلى المنتج اللبناني أكثر ونشجع على استهلاكه".

لكن بالنسبة إلى آخرين، لا يمكن اختصار الوضع باستبدال منتجات بأخرى، فالوضع الاقتصادي صعب والأعباء المعيشية تتفاقم.

في متجر في بيروت تتنقل مريم رباح (35 عاماً) من ممّر إلى آخر. تنظر بتمعّن إلى أسعار المنتجات التي ارتفعت بشكل حاد لشراء ما يلزمها من دون أن تضطر إلى إنفاق الكثير.

وتقول "كل شيء بات أغلى، فيما انخفضت رواتبنا إلى النصف".

وتضيف "ما يهمنا اليوم هو أن نشتري منتجاً جيداً ورخيصاً، إن كان مستورداً أو لبنانياً".