تجنب طرح مرشح واحد أمام أردوغان

الاعتماد على قوة المرشح المنافس

بينما تكافح أحزاب المعارضة التركية للعثور على مرشح واحد قادر على هزيمة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقررة في 24 يونيو المقبل، فإن عدم الدفع بمرشح واحد ربما يساعد خصوم الحاكم الحالي على الوصول لعدد أكبر من الناخبين خلال الحملة الانتخابية، ويتيح لهم فرصة أفضل لخوض جولة إعادة.

خلال الشهرين المقبلين سيكون لزاما على أحزاب المعارضة تنظيم حملاتها دون دعم إعلامي مهم ولا موارد مالية كبيرة. فحزب العدالة والتنمية الحاكم يتمتع بأفضلية إعلامية هائلة، خاصة بعد أن بيعت أكبر مجموعة إعلامية خاصة في البلاد الشهر الماضي لمستثمر مؤيد للحكومة.

الآن، حتى حزب الشعب الجمهوري المعارض - وهو أحد أحزاب المعارضة الرئيسة وينتمي ليسار الوسط - سيجد صعوبة في إيصال صوته للناس من خلال وسائل الإعلام.

أمام المقبلين على الحملة الانتخابية خطوتان رئيستان؛ الأولى هي الوصول للناخبين المستهدفين، والثانية إقناعهم بالتصويت لصالح ناخبيهم. وفي ظل حالة الانقسام بين الناخبين فإنهم اليوم طيفان: أنصار رئيسون وناخبون متأرجحون.

لن يجد أي حزب صعوبة في الوصول لأنصاره الرئيسين، والهدف الأساسي هو العثور على مرشح قادر على تحريك هؤلاء الناخبين، وضمان تدفقهم للإدلاء بأصواتهم في يوم الانتخابات.

أما الناخبون المتأرجحون فقد يعطون أصواتهم لأحزاب مختلفة في كل انتخابات، فهم لا يحسبون أنفسهم على أي حزب، كما أن أغلبيتهم غير مسيسين.

هؤلاء المتأرجحون سيجد أي مرشح صعوبة في الوصول إليهم؛ فهم لا يميلون للمشاركة في التجمعات الحزبية، ولا يتابعون بشكل أساسي الأخبار السياسية، ونادرا ما يتحدثون عن أمور السياسة في حياتهم اليومية.

إذا زارت أحزاب المعارضة الناخبين في أحيائهم، فقد يصلون في هذه الحالة إلى الناخبين المتأرجحين. لكن الموارد المتاحة أمام أحزاب المعارضة من أجل تحريك هذه الفئة من الناخبين محدودة. الوقت ضيق كذلك قبل الانتخابات.

وقد تكون الصعوبة أكبر في الوصول إلى الناخبين المتأرجحين في المناطق الريفية، ببساطة لأسباب لوجيستية.

في حملة الانتخابات الرئاسية عام 2014، كان الوقت ضيقا للغاية خلال الحملة الانتخابية، كان المتاح أقل من شهر واحد. كذلك كانت سيطرة الحكومة على الإعلام أقل، ولم يكن مستحيلا على المعارضة تنظيم حملة ترويج فعالة لمرشحها.

خلال تلك الفترة، لم يكن حزب العدالة والتنمية يحتاج تقريبا لتقديم خطابات أردوغان، الذي كانت خطاباته تذاع على التلفزيون كل يوم، تماما مثلما هو الحال حتى اليوم. والآن، وبينما ستبث المؤتمرات الانتخابات لأردوغان على الهواء مباشرة في نفس الوقت عبر العديد من قنوات التلفزيون، فإن أحزاب المعارضة لن تتمتع بهذه الميزة. وبالنظر لأن الأغلبية في تركيا لا تزال تعتمد على التلفزيون بشكل أساسي كمصدر للحصول على الأخبار، فإن التحدي كبير بالنسبة للمعارضة.

غير أن الغلبة في منصات التواصل الاجتماعي، مثل تويتر على سبيل المثال، تبدو لأحزاب المعارضة، رغم وجود الآلاف ممن يطلق عليهم "الجيوش الإلكترونية" المنتمين لحزب العدالة والتنمية. هؤلاء عبارة عن مؤيدين مأجورين يروجون للحزب الحاكم على وسائل التواصل الاجتماعي، وعادة ما يشنون هجمات ضارية على خصومه.

لعل القليل من الناخبين المتأرجحين غير المسيسين يهتمون بمتابعة السياسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة إذا استثنينا الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما.

لكن رغم هذه القيود، فإن أحزاب المعارضة، مرة أخرى، ستحقق أفضلية مهمة، إذا فشل أردوغان في الحصول على أكثر من نصف عدد أصوات الناخبين في الجولة الأولى من التصويت، وبالتالي تم الاحتكام لجولة إعادة بين المرشحين صاحبي أعلى الأصوات.

من المقرر إجراء جولة الإعادة بعد أسبوعين من الجولة الأولى. سيكون يوم الانتخابات نفسه هو اليوم الذي سيحظى فيه مرشحو المعارضة بأعلى نسبة من المشاهدة والتغطية في وسائل الإعلام التقليدية. وفي النهاية سيكون لدى الناخبين، حتى المتأرجحين منهم، فرصة للتعرف على المرشحين بما في ذلك من سيحصلون على أعلى الأصوات.

وبسبب المناخ الملتهب عادة في يوم التصويت، فإن كلا من أولئك الناخبين الذين لم تتوفر لهم إلا القليل من المعلومات عن المعارضة سيجدون أنفسهم يتناقشون حول المرشحين مع الأصدقاء وأفراد العائلة، ويعرفون المزيد عن أفكارهم وانتماءاتهم ووعودهم الانتخابية. في يوم التصويت ستصل نسب المشاهدة التي سيحظى بها مرشحو المعارضة إلى الذروة.

بالتأكيد فإن تقديم مرشح لناخب ليس سوى الخطوة الأولى. أما الخطوة التالية هو إقناع الناخبين بالمشاركة في جولة الإعادة. إذا كان المرشح الذي سيصل لخوض جولة الإعادة يتمتع بجاذبية لدى شرائح كبيرة من الناخبين، فسيكون أمامهم أسبوعان للوصول لأعداد أكبر من هؤلاء الناخبين، وستقل بالتالي فرص الرئيس الحالي في البقاء في المنصب.

لن يعدم الحزب الحاكم حينها بالتأكيد فرص الاستفادة من الأفضلية النسبية التي يتمتع بها في الوصول للناخبين المتأرجحين غير المسيسيسن، لكن الفائدة ستكون أقل مقارنة بمستوى ما تحقق في الجولة الأولى.

بالإضافة إلى ذلك فإن الانتخابات إذا وصلت لجولة إعادة، فستمتد فترة الحملة الانتخابية بنسبة 25 بالمئة، من شهرين إلى شهرين ونصف. وستحتاج المعارضة هذه الفترة الإضافية لتنظيم حملات أكثر مما تقوم به الحكومة. من هذا المنطلق، فإن دفع المعارضة بمرشح واحد والسعي لتحقيق الفوز في الجولة الأولى سيمنعها من الوصول لقطاعات كبيرة من الناخبين المتأرجحين. على نفس القدر من الأهمية، يجدر هنا التحذير من أن أحزاب المعارضة، وبسبب هذه الاستراتيجية، تخاطر بمشاركة ضعيفة من أنصارها الرئيسين.

إذا فاز أردوغان بالانتخابات من الجولة الأولى، فربما سيكون السبب ضعف الإقبال من أنصار المعارضة التي لن يتسنى لها الاستفادة من أفضلية تتيحها لها زيادة المشاهدة في يوم التصويت. ولقد مرت المعارضة التركية بالأمر نفسه في انتخابات 2014.

مهما كانت قوة المرشح الذي قد تنجح أحزاب المعارضة في الدفع به أمام أردوغان، فإن فرصها في الفوز بالانتخابات ضعيفة جدا، بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى الناخبين المتأرجحين. إن أسوأ سيناريو ممكن بالنسبة لأردوغان، هو أن يقدم كل حزب معارض مرشحا خاصا به يمكنه المساهمة في زيادة الإقبال من قبل أنصاره الرئيسين في الجولة الأولى. إذا اختارت أحزاب المعارضة مرشحين يتمتعون بقاعدة تأييد أكبر، فإنّهم سيمثلون تحديا أكبر لأردوغان في جولة الإعادة.

عبد الله أيدوغان

نشر في أحوال تركية