تحالف دفاعي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو برعاية روسية

إعلان التحالف جاء بعد اجتماع عقده نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف مع وزراء دفاع الدول الثلاث بالعاصمة باماكو، مما يشير إلى أيادي روسية تقف وراءه.

باماكو - اتفقت الدول الإفريقية الثلاث التي تحكمها مجالس عسكرية مالي والنيجر وبوركينا فاسو على تشكيل تحالف دفاعي، حيث تواجه تهديدات مشتركة داخلية وخارجية، وسط الحديث عن دعم روسي لهذا التحالف، فيما تشير الرعاية الروسية لهذا التحالف والدفع نحو تقوية دور المجال العسكرية إلى تحرك موسكو لقصقصة أجنحة فرنسا في منطقة الساحل مستثمرة تنامي موجة العداء الإفريقي للوجود العسكري الفرنسي.

وشهدت الدول الثلاث انقلابات عسكرية أدت إلى مخاوف على مستقبل الديمقراطية في المنطقة. وتبذل جهودا لاحتواء متمردين على صلة بتنظيمي القاعدة وداعش، وتوترت أيضا علاقاتها مع جيرانها والشركاء الدوليين بسبب الانقلابات.وأعلن رئيس مالي المؤقت الكولونيل أسيمي جويتا في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي السبت، توقيع ميثاق يؤسس ما يسمى بـ "تحالف دول الساحل". وجاء في الوثيقة أن "الهدف الذي ينشده الميثاق هو إنشاء هيكل للدفاع الجماعي والدعم المتبادل بين الأطراف الموقعة".

ويربط محللون بين إعلان التحالف واجتماع عقده نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف مع وزراء دفاع الدول الثلاث بالعاصمة باماكو، مما يشير إلى أيادي روسية تقف وراءه.
ويقول هؤلاء أن ملامح التحالف تشكلت خلال زيارة  يفكوروف التي تضمنت تفاهمات بالمجال العسكري، مثل تدريب المجندين والضباط في بوركينا فاسو من جميع المستويات بما يشمل تدريب طيارين في روسيا.
ويعزز هذا التحالف سعي موسكو لتعزيز نفوذها في أفريقيا في أعقاب وفاة قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، الذي بنى من خلال المجموعة المؤلفة من مرتزقة شبكة من المصالح عبر عدد من البلدان في أفريقيا وخارجها.
ويؤكد متابعون أن فرنسا تخسر اليوم علاقات تاريخية قامت على الأمن، الذي كانت تقدمه مباشرة لعدد من بلدان أفريقيا من خلال توفير الحماية الداخلية للأنظمة الحاكمة من خلال الأجهزة، ونشر القواعد العسكرية التي تتولى الحماية الخارجية، وهو الدور الذي باتت روسيا تقوم به اليوم في الدول ذاتها.
وبدا لافتا تغير بوصلة الاهتمام في القارّة السمراء، حيث بدأت الدول الأفريقية تتجه نحو التقارب الروسي هرباً من الاستغلال الفرنسي، وتعتبر مالي وبوركينا فاسو حليفتان لروسيا وحتى قبل الإعلان عن هذا التحالف، حيث عبرتا عن مساندة النيجر والردّ على أيّ تدخُّل عسكري أجنبي في جارتهما، وقد قرَّرتا أيضاً وقف تصدير اليورانيوم والذهب إلى فرنسا وأميركا، كما ألغت بوركينا فاسو في 10 أغسطس/ آب اتِّفاقية مع فرنسا تتيح لشركاتها ممارسة نشاطاتها التجارية في بوركينا فاسو ودفع الضرائب في فرنسا.

كما يجري الحديث عن خطّة روسيا تهدف إلى إنشاء اتِّحاد كونفدرالي موحِّد للدول الأفريقية يُمكِّن روسيا من تحقيق أقصى استفادة من الثروات الأفريقية، وسد كل الطرق أمام فرنسا.

 وعرض تقرير أعده "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" مؤخرا، معلومات عن تنافس الدول الكبرى على أفريقيا سعيا لتحقيق مصالح والحصول على نفوذ في القارة الواعدة، عبر استخدام شركات الأمن الخاصة كأداة لتحقيق أهدافها.
قال التقرير، الذي أعده الصحفي بالمركز أنطون فيسيلوف، أن تحقيق المصالح والخطط الطويلة الأجل للدول الأجنبية يتطلب توفير الحماية، بما في ذلك العسكرية. ففي الظروف التي يصبح فيها التدخل المباشر للجيش النظامي غير عملي أو مستحيلا تلجأ الدول إلى التشكيلات الشبه العسكرية، مثل شركات الخدمات الأمنية.

وأوضح الكاتب أن روسيا أبرمت اتفاقيات رسمية بشأن تطوير القوات المسلحة المحلية مع دول الأفريقية وفي هندسة العلاقات الروسية الأفريقية.

وأوضحت الدول الثلاث أنه بموجب الميثاق، تتعهد الأطراف بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وأضافت أن "أي انتهاك لسيادة أو وحدة أراضي واحدة أو أكثر من الأطراف الموقعة، سيعتبر عدوانا على باقي الأطراف الموقعة الأخرى، وسيلزم جميع الأطراف الموقعة على توفير المساعدة والتصدي... بما في ذلك استخدام القوة المسلحة".

ويعد هذا التحالف ضربة جديدة لفرنسا القوة الاستعمارية السابقة، التي كانت قد قدمت في السابق مساعدات عسكرية ودعما لمكافحة الإرهاب، وبعد النكسة التي منيت بها بسبب خلع حلفائها عن السلطة، أعلنت عن استعدادها لدعم مجموعة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري من أجل استعادة النظام، حيث تأمل بعودة رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم إلى السلطة وإعادة نفوذها في هذا البلد.

وكان رئيس بوركينا فاسو المؤقت، إبراهيم تراوري، وحاكم النيجر الفعلى، عبدالرحمن تشياني، حاضرين أيضا أثناء توقيع الوثيقة، وفقا لصور نشرت السبت.

ولطالما كافحت مالي وبوركينا فاسو والنيجر ضد جماعات إسلامية إرهابية تنفذ هجمات دموية ضد المدنيين وتحكم سيطرتها على أراض، ولا تزال تداعيات الانقلابات مستمرة وكان آخرها في النيجر حيث سيطر الجيش على السلطة في تموز/يوليو. وكان هناك انقلاب في بوركينا فاسو العام الماضي، وشهدت مالي انقلابا في .2021

وتعمل مالي بشكل متزايد مع مرتزقة فاجنر الروسية للحفاظ على النظام ومحاربة الإرهاب.

وينظر إلى الوضع الأمني الآن في الدول الثلاث على أنه أكثر خطورة. وقد يتزايد عدد الهجمات في مالي مع استعداد بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مينوسما) للانسحاب بحلول نهاية العام، وهناك أيضا خطر تجدد الصراع مع جماعة الطوارق الانفصالية.

كما علقت النيجر، أخر شريك ديمقراطي للولايات المتحدة والدول الأوروبية في المنطقة، تعاونها إلى حد كبير مع الشركاء الأجانب منذ الانقلاب.

وكانت الدول الثلاث أعضاء في القوة المشتركة لتحالف مجموعة الساحل الخمس المدعومة من فرنسا مع تشاد وموريتانيا، والتي تشكلت في عام 2017 للتصدي للجماعات الإسلامية في المنطقة.

ومنذ ذلك الحين، تركت مالي المنظمة الخاملة بعد انقلاب عسكري، وقال رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم في مايو أيار من العام الماضي إن القوة أصبحت الآن "ميتة" بعد رحيل مالي.

ومن المرجح أن يكون التحالف بين المجالس العسكرية في مالي وبوركينافاسو والنيجر، بمثابة ضربة مميتة لمجموعة دول الساحل، خصوصا بعد مغادرة ابرز مؤسسيها لمناصبهم.