تحليل: نظام الدفاع الصاروخي الاميركي يهدد بعسكرة الفضاء

موسكو - من بوريس بتروف
الاختبارات الاميركية على منظومات الصواريخ مستمرة

منذ 35 سنة بالتحديد اي في 27 كانون الثاني العام 1967 وقع الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة وبريطانيا بوصفهم دولا عظمى على اتفاق وافقت عليه الجمعية العامة للامم المتحدة حول مبادئ نشاط الدول في مجال البحث واستخدام المجال الفضائي ومن ضمنه القمر والاجرام السماوية الاخرى.
ووضع الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الاول من العام نفسه الاسس القانونية الدولية لنشاط الدول في الفضاء، والأهم ان الدول المشاركة في التوقيع على الاتفاق تعهدت بعدم نشر اجسام في المجال الفضائي تحتوي على اسلحة نووية او غيرها من اسلحة الدمار الشامل. بكلمة اخرى كان يفترض استخدام الفضاء للاهداف السلمية حصرا.
ويلحظ الاتفاق موضوعا آخر، البحث واستخدام المجال الفضائي يجب ان ينفذا "لمصلحة ورخاء الدول كافة" بغض النظر عن التفاوت في نموها الاقتصادي والعلمي وهما يعتبران "انجازا للبشرية كلها".
والمهم الاشارة الى مسألة اخرى ايضا، بموجب الاتفاق ينفذ نشاط الدول في الفضاء استنادا الى القانون الدولي ونظام الامم المتحدة وفي صالح الحفاظ على السلم الدولي والامن وتنمية التعاون الدولي والتفاهم المشترك.
وهكذا فان الاتفاق الموقع في العام 1967 كان مدعوا ليشكل القاعدة الحقوقية الاممية لتحويل الفضاء الى منطقة سلام دائم.
الا ان "قواعد التصرف" في الفضاء المذكورة آنفا معرضة للخرق الفعلي في المستقبل القريب وذلك من قبل احد الموقعين وهي الولايات المتحدة.
وتشكل الرؤية التي تلتزم بها ادارة الرئيس جورج بوش حول انشاء نظام خاص للدفاع ضد الصواريخ في جوهر الامر محاولة عملية لتحقيق برنامج "حرب النجوم" الذي وضعته ادارة الرئيس السابق رونالد ريغان.
وفي حينها كان برنامج ريغان بسبب كلفته "الفضائية" الباهظة وتعقد تقنياته لا يعدو كونه مجرد فزاعة للاتحاد السوفياتي وكان موضوعا على الرف حتى يحين الوقت.
ويظهر ان الوقت بدأ يحين. فادارة جورج بوش بخروجها منفردة من اتفاقية الدفاع المضاد للصواريخ للعام 1972 بدأت وبشكل واع بقصف مجمل الاتفاقيات الخاصة بالرقابة والحد من الاسلحة الهجومية الاستراتيجية. ويتم فعل ذلك من اجل هدف واحد، التحرر من الاتفاقيات القانونية الدولية وتوفير التفوق العسكري - السياسي للولايات المتحدة لعدة سنوات الى الامام.
مع ان اتفاقية الدفاع المضاد للصواريخ كانت تشكل هي أيضا للولايات المتحدة وسيلة جيدة للتوصل الى التفوق الاستراتيجي على غيرها من الدول الاخرى.
ولا تشهد الايام الحالية كلاما كثيرا حول امكانية عيش النظام الخاص للدفاع المضاد للصواريخ او واقعية تحققه في الحياة واخيرا فعاليته، ولا مجال هنا للجدل، فالاسئلة هنا تفوق الاجوبة بكثير، ولكن من غير المفترض هنا ان نتناسى امرين مهمين:
اولا ان الادارة الاميركية قد قامت بتخصيص مليارات عديدة لبرنامج الدفاع الصاروخي الخاص، وهذه المبالغ سوف تنمو في المستقبل، وجورج بوش بذلك يقوم باعادة ديون الحملة الانتخابية الى مجمع الصناعة العسكرية المحلي الذي "صنعه" رئيسا في الواقع.
وبسبب ذلك بالذات تقدم جورج بوش من الكونغرس الاميركي بمقترحات حول زيادة النفقات العسكرية بمعدل 48 مليار دولار دفعة واحدة في العام المالي القادم الذي يبدأ من شهر تشرين الاول من العام الجاري وهي "الزيادة الاضخم خلال السنوات الـ 20 الاخيرة". ويتضمن مشروع الموازنة الفيدرالية الى جانب مسائل اخرى مسألة "الاستثمار في الاسلحة الاكثر دقة واسلحة الدفاع المضاد للصواريخ"، ومن المنتظر ان يصل اجمالي النفقات على الدفاع في مشروع الموازنة الى مستوى 380 مليار دولار.
ثانيا : قامت الولايات المتحدة بعدد من التجارب في اطار النظام الخاص المضاد للصواريخ وسوف تقوم في هذا الصيف بتجارب اخرى، وهكذا فان القافلة تسير.
والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه ما دخل الفضاء هنا؟ والجواب هو ان النظام الخاص للدفاع المضاد للصواريخ يتركب من 4 مركبات هي : نقاط القيادة، وشبكة الرادارات الارضية، والصواريخ المضادة ذات التمركز الارضي، ومجموعة اقمار مدارية عالية للانذار المبكر عن الاعتداءات الصاروخية النووية.
ولذلك فان الفضاء يصبح جزءا عضويا من اجزاء النظام الاميركي للدفاع ضد الصواريخ، ونظام الانذار المبكر ليس الا البداية.
وبرأي عدد من الخبراء العسكريين الروس ان الاميركيين بانشائهم نظامهم الخاص للدفاع فانهم لا يفكرون كثيرا بحماية اراضيهم من الاعتداءات النووية المحتملة، فالهدف الرئيسي هنا انشاء شبكة فضائية شاملة للمعلومات والتجسس تحت ستار الدفاع المضاد للصواريخ بواسطة 200 قمر صناعي فوق الارض يمكنهم بواسطتها في المستقبل اجراء حرب مع اية دولة من الدول باسلحة بالغة الدقة.
ان اي نظام دفاع مضاد للصواريخ يمكن مواجهته كما يعتقد الخبراء، فتقنيا ذلك ممكن، ولكن "شبكة العنكبوت" الفضائية الاميركية التي تحيط بالعالم باسره والتي تكلف 50 مليار دولار وتحت شعار نظام الدفاع الخاص المضاد للصواريخ ليست الا تهديدا بعسكرة الفضاء.