'تخيل' رحلة فنية متكاملة تفتتح مهرجان الأغنية التونسية

كريم الثليبي يسعى في عرضه إلى تفكيك أبعاد الصراع الإنساني عبر تقديم رؤية موسيقية تعكس التوترات النفسية والوجودية.

تونس - افتتح العرض الموسيقي "تخيل" للمؤلف والملحن كريم الثليبي فعاليات الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية، السبت، بمسرح الأوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة، بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، إلى جانب ثلة من أهل الموسيقى والشعر والثقافة عموما.

وقدم الثليبي عرضه المستوحى من رواية الأديب محسن بن نفيسة "غدا ...يوم القيامة" أمام جمهور غفير حضر من فئات عمرية مختلفة لاكتشاف العرض الذي اصطحبهم في رحلة فنية متكاملة جمعت بين الأدب والموسيقى والفكر والفن البصري.

وجمع هذا العمل الموسيقي الفريد من نوعه، والذي بثّته مؤسسة التلفزيون التونسية مباشرة على قناتها الأولى، بين الإبداع الموسيقي والتجريب الفرجوي في مقاربة فلسفية للصراع الإنساني. وقد أعاد صاحبه صياغة العلاقة بين الإنسان وذاته والآخر، حيث اختار كريم الثليبي معالجة درامية ونفسية للموسيقى بأسلوب أوركسترالي معاصر. وهذا العرض هو نتاج بحث موسيقي وعلمي معمّق وكتابة أركسترالية معاصرة، يعكس رؤية فلسفية للصراعات التي يعيشها الإنسان في رحلته الوجودية بين المعاناة الداخلية والبحث عن المعنى والكينونة والخلود.

واستلهم كريم الثليبي المادة الموسيقية لعمله من رواية "غدا... يوم القيامة" التي تتناول مواضيع الصراع الداخلي والتناقضات التي تسكن الإنسان، فطوّعها إلى مقطوعات موسيقية تمزج بين الحنين والقلق وبين الأمل والتوجّس، مقدّما رؤية موسيقية تحاكي المشاعر الإنسانية في أكثر حالاتها تعقيدا.

وكان الثليبي قال على هامش حفل اختتام فعاليات الدورة الثامنة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي وفق ما نقلته عنه وكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن العرض ينغمس بمقاطعه في الهوية الموسيقية التونسية الحبلى بالمعاني "ليطرق البعد النفسي للموروث الموسيقى التونسي أبواب الموسيقى التصويرية وليفتح نوافذ جديدة ومجددة على الموسيقى التجريبية فيكون محملها الموسيقى الكلاسيكية وتتعدد أبعادها ومضامينها".

وجاء العرض من الناحية الفنية متكاملا، حيث جمع بين الموسيقى وعناصر الفرجة. وقد لعبت العناصر البصرية والتشكيلية دورا هاما في دعم الرؤية الموسيقية من خلال توظيف شاشة خلفية تعرض مشاهد تجريدية ورمزية تعكس العوالم النفسية للصراع الإنساني، فكان العرض أشبه بلوحة سينمائية تتلاقى فيها الألحان وتتناغم مع الإضاءة والتصورات البصرية. أما من الناحية الموسيقية، فقد جمع العرض بين الآلات التقليدية والحديثة، حيث تفاعل صوت الطبل والناي والبندير مع البيانو والكمنجة، في محاولة لإحداث انسجام بين الأصالة والحداثة، مما جعل الموسيقى في هذا العرض لغة عالمية تلامس وجدان الحضور.

وتضمّن العرض 15 مقطعا موسيقيا ترجم كل مقطع منها لحظة من لحظات التوتر أو الصفاء في رحلة الإنسان النفسية. وقد أبدع في أدائها نخبة من الفنانين والعازفين المتميزين، من بينهم الفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي ومحمد علي شبيل وعازف الكمان زياد الزواري وعازف الناي حسين بن ميلود وهادي فاهم وصابر رضواني وسيرين هرابي وحمدي الجموسي وعازف الإيقاع على الطبل نصر الدين الشبلي، بمرافقة للأوركستر السمفوني التونسي وأصوات أوبرا تونس بقيادة المايسترو محمد بوسلامة.

وعرض "تخيّل" جاء مفتوحا على قراءات وتأويلات متعددة، حيث جسّد الصراع الداخلي للإنسان سواء في علاقته بذاته أو بالمجتمع أو حتى بموروثه الثقافي. وقد سعى كريم الثليبي إلى تفكيك أبعاد هذا الصراع الإنساني عبر تقديم رؤية موسيقية تعكس التوترات النفسية والوجودية التي يعيشها الفرد في بحث دائم عن الحقيقة والخلاص. ومن خلال التناغم بين الإيقاعات الموسيقية والمؤثرات البصرية، استطاع العرض أن يكون مرآة تعكس مختلف أوجه الصراع والمعاناة الإنسانية دون فرض تأويل محدد على الجمهور.

وتتواصل فعاليات الدورة 23 لمهرجان الأغنية التونسية إلى غاية الحادي عشر من مارس/آذار الحالي، حيث سيتم تقديم عروض المشاركين في المسابقات الثلاث وهي "الأغاني الجديدة" وتشهد مشاركة 13 عملا و"مسابقة المعزوفات" التي يشارك فيها 10 أعمال و"مسابقة الأداء الفردي" ويتسابق ضمنها ثلاثة أصوات.

وتستضيف الدورة 23 لمهرجان الأغنية التونسية إلى جانب عروض المسابقة، كلا من الفنانتين نجاة عطيّة ونوال غشام اللتين ستشاركان في سهرتي عروض المسابقات يوميْ 9 و10 مارس/آذار وكذلك الفنانة نبيهة كراولي التي ستشارك في حفل اختتام التظاهرة يوم 11 مارس/آذار.

ومهرجان الأغنية التونسيّة تأسس عام 1986، وكان يقام سنويا احتفاء وتكريما للأغنية التونسية، ليتم تغيير تسميته سنة 2005 لتصبح مهرجان الموسيقى التونسية.

وانقطع المهرجان عام 2008، وتم تغييره بمهرجان أيام قرطاج الموسيقية الذي احتضن أنماطا موسيقية عدة، ولم يعد يقتصر فقط على الأغنية التونسية والموسيقى الوترية والفنانين التونسيين، وإنما انفتح على الموسيقى العربية والغربية وشهد مشاركات لعدة فنانين وفرق من دول عربية وأجنبية.