تراخي الموقف الدولي من استهداف ناقلات النِّفط يقود لتبعات أكبر

الحرس الثوري الإيراني تحديدًا فهدا الجناح في النظام الإيراني ليس لديه الكثير ليخسره فقد صُنِّف من قبل واشنطن تنظيمًا مسلحًا أجنبيًا فالحلول الدبلوماسية ورفع العقوبات قد يكون على حساب نفوذه الاقتصادي والعسكري والسياسي والأمني في إيران وخارجها.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

بتاريخ 4 يوليو 2018 قال الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارته لسويسرا «لا يمكن تصدير نفط المنطقة من دون تصدير نفطنا». هذا التصريح أثار إعجاب الحرس الثوري فخلال وقت قصير بعث برسالة لروحاني يشكره فيها على هذه التصريحات. وقال قاسم سليماني «إنه مستعد لتطبيق مثل تلك السياسة إذا لزم الأمر». وأضاف سليماني في رسالة نشرتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إيرنا) «أقبّل يدك (موجهًا كلامه لروحاني) للإدلاء بمثل هذه التصريحات الحكيمة التي جاءت في وقتها، وأنا في خدمتك لتطبيق أي سياسة تخدم الجمهورية الإسلامية».

تصريحات مماثلة بعد ذلك تكررت من قبل الجانب الإيراني سواء الحكومة أو الحرس الثوري أو الشخصيات المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي. عندما تم إطلاق تلك التصريحات من قبل روحاني الذي تعُدّه كثير من الدوائر السياسية في الغرب يمثل تيارًا معتدلًا يمكن تقويته وتعزيز مكانته لإضعاف التيار الثوري المتشدد قيل إنَّ روحاني يستخدم هذه التصريحات لثني واشنطن عن اتخاذ قرار تصفير صادرات النِّفط الإيرانية. قبل نحو شهر من الآن تم استهداف أربع ناقلات نفط قبالة سواحل ميناء الفجيرة الإماراتي وبعد ذلك استهدفت مليشيات الحوثي المدعومة من إيران محطتي ضخ وسط السعودية تابعة لشركة أرامكو. وقال تقرير التحقيقات في حادثة السفن الأربع الذي أعلنته السعودية والإمارات والنرويج في نيويورك «من المرجح أن تكون هناك جهة فاعلة من قبل دولة ما وهو الأمر الذي تدعمه الحقائق».

وبتاريخ 4 يونيو 2019، غرد المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبداللهيان قائلًا «إنْ لم تتوقف السعودية عن دعم الحرب الاقتصادية الأميركية ضد إيران فعليها انتظار قرار إيراني مفاجئ جديد ضدها».

وفي صبيحة يوم الخميس الماضي 13 يونيو 2019 تم استهداف ناقلتي نفط في خليج عمان وعلى مقربة من الحدود الإيرانية كانت تنقل نفطًا متجهًا إلى اليابان وسنغافورة. وتحدثت بعض التقارير الإعلامية أنّ إحدى السفن مملوكة لشركة يابانية وإن كانت ترفع علم دولة أخرى، وقد أعلن الإعلام الإيراني، كما حدث في هجوم الفجيرة، عن الحدث قبل غيره من وسائل الإعلام العالمية. وتسبب العمل الإرهابي في خسائر مادية وإصابة أحد قبطان السفينتين.

مجددًا تتجه أصابع الاتهام نحو المستفيد الأول من عرقلة تدفق الطاقة وتتناغم مع التهديدات الإيرانية. في هذا الصدد، تزامنت العملية مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لطهران بهدف الوساطة لتخفيف التوتر بين واشنطن وطهران، وقد رفض علي خامنئي هذه الوساطة وَفقًا لتصريحات رسمية بثتها الصحافة الرسمية الإيرانية. ولإبعاد التهمة عن إيران كالعادة وفي محاولة لاستخدام لغة العقل والمنطق لإقناع الآخرين، كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على حسابه في تويتر تغريدةً نفى فيها التهم الموجهة لإيران على خلفية العملية الإرهابية وقال إنه «يستبعد عقلًا ومنطقًا أن تُستهدف مصالح يابانية بينما يلتقي رئيس الوزراء الياباني في طهران مع خامنئي للعمل على بناء علاقات جيدة مع إيران».

تباينت الردود على العملية، فهناك فريق تحدث عن أنَّ طرفًا ثالثًا يقف خلف هذه العملية دون تسميته، بينما كثير من الدول أدانت العملية وعدَّتها تصعيدًا خطيرًا. أيضا هناك من اتخذ مسارًا ثالثًا وأعرب عن قلقه من التصعيد وخشية الانقياد نحو خِيارات خطيرة على المنطقة ودعا إلى ضبط النفس. ولنا مع الفريقين الأول والثالث وقفات. فمن يتهم طرفًا ثالثًا دون تسميته صراحةً فيجعلنا نأخذ في عين الاعتبار كل الاحتمالات، فيستحيل أن تقوم دولة عربية بذلك، ولا يمكن اتهام دولة أوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية بذلك أيضًا؛ لأنه ليس لها مصلحة في تصعيدٍ مثل هذا، وإذا ما أرادت واشنطن شنّ عملٍ عسكريٍّ ضد إيران فلن تسعى للوساطة وتُنفذ عملية قبل معرفة نتائج زيارة رئيس الوزراء الياباني لطهران. أما إسرائيل فتقوم بعمليات عسكرية بشكل أسبوعي ضد العناصر الإيرانية في سوريا. فمن يمكن أن يكون هذا الطرف الثالث؟ تبقى لدينا من يسعى لإفشال الوساطة اليابانية أو الحلول الدبلوماسية التي قد تكون على حساب مصالحه الخاصة.

أتحدث هنا عن الحرس الثوري الإيراني تحديدًا، فهدا الجناح في النظام الإيراني ليس لديه الكثير ليخسره، فقد صُنِّف من قبل واشنطن تنظيمًا مسلحًا أجنبيًا، فالحلول الدبلوماسية ورفع العقوبات قد يكون على حساب نفوذه الاقتصادي والعسكري والسياسي والأمني في إيران وخارجها، كما أن الشرخ بين دوائر صنع القرار في إيران أصبحت واضحة جدًا. وبالعودة لتغريدة ظريف فقد يكون منطقيًا فعلًا ألا توافق الحكومة الإيرانية على عملية كهذه لكن الحرس الثوري ليس تحت سيطرة الحكومة ولا يقدم لها أي تقارير حول عملياته، ومثال ذلك زيارة بشار الأسد التي تسببت في تقديم ظريف لاستقالته بسبب عدم اطلاعه مسبقًا على الزيارة، والحرس الثوري أكثر قربًا من خامنئي على عكس الحكومة التي تأتي في مستوى بعيد عن صناعة القرارات الحساسة، وهي الجناح المتطرف الذي لا يمكن تطبيق العقل والمنطق على سلوكه إطلاقًا ولا تعارض هنا بين سلوك الحرس الثوري وتغريدة ظريف كون المنطلقات مختلفة.

أما الفريق الثالث، الذي يدعو إلى ضبط النفس ويعرب عن قلقه فموقفه مبرر بالنظر للحرائق المشتعلة في المنطقة ولا حاجة للمزيد، لكنه في الوقت ذاته يهمل نقطة أشد خطورة تتمثل في أن الاستمرار في هذا النهج سيقود إلى المزيد من العمليات الإرهابية، ومزيد من التوتر في المنطقة وارتفاع احتمالية زيادة العمليات المماثلة، فتجنب اتهام الطرف الأقرب لتنفيذ هذه العمليات وفي ظلال التهديدات الصريحة بمنع تصدير النِّفط من المنطقة، يتم قراءته من قبل إيران على أن العالم عاجز عن مواجهة هذا السلوك العدائي وعدم تسمية إيران كمسؤولة عن عملية الفجيرة، وبالتالي قاد إلى عملية أخرى وعليه فعدم اتخاذ خطوات حقيقية سيقود إلى وقوع حوادث أخرى مماثلة في المستقبل القريب. وإذا كانت هذه الدول تخشى من ارتفاع أسعار الطاقة إلى 200 دولار فالواقع يقول إن هذه المواقف الدبلوماسية الباردة لن تحول دون ارتفاع الأسعار؛ لأنها لن تحول دون تكرار العمليات الإرهابية.

ختامًا، إنَّ مواجهة الإرهاب والدول والجماعات المارقة مسؤولية أممية يتحمل تبعات التهاون معها العالم بأسره. فإن لم تكن من دول المنطقة فإنَّ الضرر سيلحق بمصالحها وأقل ذلك ارتفاع أسعار الطاقة وتهديد الملاحة الدولية وهذه مهددات لا يحتملها الاقتصاد العالمي، فالمسؤولية مشتركة فهل من آذانٍ صاغية قبل فوات الأوان؟

نشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية