ترافع المغرب أمميا ومحاولة طعن بروتوس للقيصر!

لا يهم الوفد الجزائري واقع تطور حقوق الانسان في المغرب بقدر ما يهمه تعزيز السردية الانفصالية والسؤال المغرض حول عائدية الصحراء.

مسار الترافع عن حقوق الإنسان شاق ومؤلم، وقد تنهار أحلام الدول في الدفاع عن المظلومين ومباشرة شكاواهم وتقديم حلول لمعاناتهم وتظلماتهم تتوافق مع القوانين والتشريعات السارية المفعول، بفعل تداخل الكثير من العوامل والمؤثرات الضارة بحسن تنفيذ إجراء قد يحسن حالة فرد أو ينصف جماعة في علاقة بحقوقها وحرياتها.

فالمساهمة في الحوار التفاعلي بين لجان المعاهدات والدول الأطراف في تلك الاتفاقيات، يعد امتحانا بحق للمسؤولين الحكوميين والمؤسساتيين وتمرينا ميدانيا لمكونات المجتمع المدني الحقوقي لإبراز التطور التشريعي والمؤسساتي للدول المعنية، في تناغم مع مقتضيات تلك الاتفاقيات الدولية، والمثال الواضح على ذلك، استجابة المملكة المغربية لفحص تقريرها الجامع امام لجنة القضاء على التمييز العنصري، بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وكذا الانكباب على مدارسة الممارسات الفضلى الوطنية في مجال اشتغال جميع الفاعلين الوطنيين للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري.

ورغم قربنا من اشتغال اليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان بشقيها التعاقدي وغير التعاقدي منذ مدة ليست بالقصيرة، فإننا لم نهتد قط الى فهم ذهنية بعض مكونات الحركة الحقوقية، التي لا تتورع عن الإعراب عن كراهيتهم للمغرب من أي موقع تشغله، وإن كان واجب التحفظ يفرض ذلك.

ومناسبة هذا الانزعاج من هكذا سلوكيات لأشخاص لم يستطيعوا التطهر من سرديات الكراهية اتجاه شعوب وحكومات، لم ترتكب من إثم سوى التعبير عن إرادتها نحو التقدم والتطور والنماء والانطلاقة بسرعة عكس ما يتمناه هؤلاء، ويأتي حديثهم مغلفا بلبوس حقوقي أحيانا، وبالبكاء والتحسر على ماض جميل مشترك، لم يحفظوا ود من أصلوا له.

لم نكن متحمسين للسفر الى مدينة جنيف لأسباب تقنية وتنظيمية تتعلق بالمشاركة في أشغال فحص تقرير المملكة المغربية الجامع للتقارير من 19 إلى 21 أمام اللجنة الأممية المعنية بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، غير أننا اتخذنا قرار المشاركة في هذا الاستحقاق في اخر لحظة، لأننا اعتبرنا أنه سيشكل فارقا في تجربتنا الميدانية المتعلقة بالترافع الدولي حول حالة حقوق الإنسان بالمغرب. ولطالما تعرضنا لمواقف تستدعي من المدافعين عن حقوق الإنسان الإعداد الجيد لمثل هذه الاستحقاقات، في علاقة بالإلمام والمعرفة الجيدة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنسان ومدى انطباقها وطنيا وبتقنيات ومهارات الترافع لأن التفاعل مع الخبراء يكون دائما محفوفا بالمخاطر، ولذلك يتوجب على الفاعلين المدنيين اتخاذ الكثير من الحيطة والحذر في علاقة بتفاعلهم مع الخبراء، سواء تعلق الأمر بالرد على الأجوبة أو تبادل جمل الود والتقدير بين الطرفين، تفاديا للخطأ الموجب للسقوط أحيانا.  

أثناء تفاعل مكونات المجتمع المدني مع خبراء اللجنة حول مدى وفاء المغرب بالتزاماته الدولية بموجب اتفاقية القضاء على التمييز العنصري، بادرنا خبير جزائري بالقول أن كلام النشطاء تتخلله أخطاء في المعجم المفاهيمي لا يعرف إن كانت مقصودة أم لا، بخصوص تسمية المجال الصحراوي، فتارة ينعت بالأقاليم الجنوبية وتارة أخرى بالصحراء، وما يجب أن يقال هو لفظ الصحراء الغربية، مضيفا بأنه عضو لجنة قانونية وتشتغل على قضايا مرتبطة بالقضاء على التمييز العنصري بالدول الأطراف في الاتفاقية، وكان لزاما ان ندلي بتوضيح لبقية أعضاء اللجنة ليس من باب التعصب لموقف، ولكن من أجل تفسير أن اختصاصات الخبير في اللجنة المعنية تنصب حول فحص واستعراض تقرير الدولة الوطني بخصوص وفائها بالتزاماتها الواردة في الاتفاقية ذات الصلة، وليس تحديد للمركز القانوني لدول بعينها أو أقاليم تخضع لسيادتها، وهو دأبت عليه جميع اللجان التعاهدية أثناء فحصها لتقارير الدول الاطراف.

يضاف الى ذلك، أن الفاعلين المدنيين الحاضرين، لا يهمهم كثيرا إن كانت الصحراء جنوبية أو شرقية، بقدر ما ينصب تركيزهم على مدى تقيد السلطات المغربية بمواد الاتفاقية وبتشريعاتها الوطنية التي تنص على القضاء على التمييز العنصري والتدابير والإجراءات المتخذة حال التوصل بمزاعم حول حدوث انتهاك على ترابها الوطني، وهل يتم احترام حقوق مختلف المكونات الثقافية للهوية الوطنية في إطار بوثقة التعددية الثقافية الجامعة.

فالزعم بتصنيف تسمية الصحراء بالمغربية أو بالأقاليم الجنوبية، خطأ اصطلاحيا، أمر مجانب للصواب، لأن السيد الخبير، لم يتحدث قط خلال ثلاثة أيام من الحوار التفاعلي البناء حول الموضوعات المطروحة خلال التفاعل ولا على التوصيات المقدمة من طرف المجتمع المدني، بل ينتظر تسجيل هدف في مرمى الوفد المغربي، بإلقاء سؤال مغرض حول الصحراء.

وفي خضم التفاعل مع أسئلة الخبراء، تقدمت الخبيرة الكاميرونية بسؤال لتوضيح استفهام زميلها السابق في صيغة وجوب احترام مقتضيات المادة 15 من الاتفاقية، والتي تنص على تتمتع اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، بصلاحية فحص نسخ الالتماسات ونسخ التقارير وغيرها من المعلومات المتعلقة بالأقاليم المشمولة بالوصاية والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي وأي أقاليم أخرى ينطبق عليها قرار الجمعية العامة 1514 (د-15)، المرسلة من قبل أجهزة الأمم المتحدة المختصة، غير أننا أوضحنا أن اللجنة نفسها انتهت الى خلاصة خلال تقييمها الى تفعيل مقتضيات المادة 15، إلى أن ما يردها من التماسات ومعلومات بخصوص الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي، لا يفي بغرض فحص وتتبع إنفاذ الالتزامات الواردة بالاتفاقية، ويتوجب على الدول الأطراف أن تقدم معلومات دقيقة عن تنفيذ الاتفاقية في تقاريرها الدورية المقدمة إلى اللجنة.

ويجب أن نقر بأن مرافعات رئيس الوفد الرسمي المغربي الموجهة للرد على مداخلة للسيد نورالدين امير، خبير جزائري باللجنة، حول تصنيفه للأقاليم الجنوبية بغير الخاضعة للفحص الدوري، وأنها يجب أن تدرج في إطار المادة 15 من الاتفاقية، كانت شافية لتوضيح فشل وانحسار موجات السعار التي تجتاح بعض الإخوة الجزائريين أثناء تناول الحديث عن التقدم المحرز الذي يشهده المغرب في كافة المجالات، بما في ذلك تعزيز وحماية حقوق الإنسان على كافة التراب الوطني بما يشمل منطقة الصحراء، بل وفي مشاركة المغرب المكثفة في التعاون الدولي المتعدد الأطراف لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

جاء في معرض حديث السيد عبداللطيف وهبي، أن ما يقوم به الإخوة الجزائريون اتجاه إخوتهم المغاربة، شبيه حد التماهي مع ما تعرض له القيصر يوليوس من هجوم قاتل من طرف بعض مجلس الشيوخ الروماني، والذي لم تألمه طعنات السكاكين من مهاجميه، بقدر تأثره بخيانة أعز أصدقائه بروتوس، والذي كان سببا مباشرا في موته من فرط التأثر بغدر الأعزاء، موجها له الكلام "حتى أنت يا بروتوس!".

وهي إشارات دالة من مسؤول رفيع المستوى في إطار حوار تفاعلي أممي، يوضح بما لا يدع مجالا للشك أن النزاع حول الصحراء تدور رحاه أمميا ودوليا ومحليا بسواعد جزائرية في كل نواحي تمركزها بمناطق النفوذ والمسؤولية، حتى وإن ذلك محظور بموجب قواعد تقلد المناصب الدولية، لكن خدمة عقيدة جنود قصر المرادية أقوى بكثير من مدونات السلوك والامتثال لقواعد النزاهة والاستقلالية والحياد الواجب التي يجب ان يتصف بها المرشحون لتقلد مناصب باليات الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان.

ومهما يكن من أمر، فإن التفاعل بشأن القضايا الحقوقية المتعلقة بالمغرب عموما أو بالصحراء أثناء الاستحقاقات الأممية، أو تفاعلا مع أحداث ووقائع تستوجب الرد والتوثيق والتقرير بشأنها، يجب أن يتم بمقاربة تشاركية واسعة النطاق بين الفاعلين المؤسساتيين وأعضاء المجتمع المدني المؤهلين معرفيا وممارساتيا للقيام بهذه المهمة الشاقة على اكمل وجه، لأن من شأن هذا التنسيق أن يؤسس لدينامية قوية في الدفاع عن حقوق الانسان بمرجعية وطنية ودولية، وسيساعد على امتلاك الفهم العميق لقضايانا وكيفيات الترافع بشأنها وشرحها لمختلف أصحاب المصلحة الراغبين في فهم من نحن وماذا نريد.

إن استفحاص تقرير المملكة المغربية أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري في دورتها 111، يعتبر درسا غنيا بأسباب النجاح وأدوات الترافع الجيد، ويجب تقاسمه في الأوساط البحثية والأكاديمية والمدنية، لتذليل العقبات امام هؤلاء المتدخلين للعب أدوار ريادية في المستقبل القريب واكتساب مناعة معرفية تؤهل من يرغب في خوض غمار العمل في مجال القانون الدولي وطرائق اشتغال منظمة الأمم المتحدة.