ترامب لم يجد أفضل من أردواغان لتجديد حملته الانتخابية

الرئيس الأميركي أراد الاستفادة انتخابيا من الجلبة التي أحدثها حول انسحاب القوات الأميركية من سوريا ويورط نظيره التركي في القيام بعملية عسكرية ضد الأكراد.
ترامب يجبر القيادة التركية على القيام بعملية عسكرية تخلصها من الحرج
تباين واضح في بياني واشنطن وأنقرة حول مكالمة ترامب وأردواغان
الرئيس الأميركي يسعى لاقناع لناخبيه بأنه يعمل على سحب بلاده من الحروب

واشنطن - على الرغم من أن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن العملية العسكرية التركية شرق الفرات قد فاجأ المؤسسات السياسية والأمنية والأميركية، إلا أن الأمر، وفق خبراء في الشؤون الأميركية، لم يتجاوز الخطوط الكبرى التي تضعها المؤسسات الأميركية في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية.

واعتبر هؤلاء أن إعادة ترامب تصويب قراره من خلال وضع ضوابط للتحرك التركي، يكشف تدخل المؤسسات التي حذر بعضها (البنتاغون) بشكل علني تركيا من القيام بعملية عسكرية في سوريا.

ورأى الخبراء أن التحذيرات والتحفظات التي تصدر عن دوائر الأمن والعسكر في الولايات المتحدة، ليست مواقف إعلامية، بل أنها ستتحول مهنياً إلى إجراءات ميدانية كآليات تعرفها أنقرة بحكم عضوية تركيا التاريخية داخل حلف شمال الأطلسي.

ودعا مراقبون في واشنطن إلى حسن تلمس الخيط الرفيع الذي يفصل موقفيّ  ترامب الرئيس عن ترامب المرشح في ما يصدر وسيصدر عنه خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

ورأى هؤلاء أن الحملة الانتخابية التي يخوضها ترامب للتجديد لنفسه داخل البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، تتطلب منه رفع جرعات الشعبوية التي وقفت وراء فوزه المفاجئ برئاسة الولايات المتحدة في انتخابات عام 2016.

ويلفت هؤلاء إلى أن ترامب أجاد منذ تبوئه منصب الرئاسة عدم تجاوز القواعد الكبرى للسياسة الخارجية التي تضع المؤسسات قواعدها، وأنه وإن أقدم على اتخاذ قرارات بصفتها تحولات كبيرة يفخر في تحقيقها، إلا أنها جاءت من صلب المزاج الأميركي الداخلي الذي يحظى بإجماع داخل الكونغرس.

ويذكر المراقبون بأن قراراته بشأن القدس والجولان مثلاً لم تلاق أي اعتراض داخلي طالما أن الكونغرس كان أصدر قانونا بشأن القدس عام 1995 يعترف بها عاصمة لإسرائيل، فيما غالبية أعضاء الكونغرس يوافقون ترامب قراره بشأن الجولان.

ويعتبر خبراء في شؤون الشرق الأوسط أن قرار ترامب الأخير بسحب القوات الأميركية من على الحدود التركية السورية، يصب داخل الحملة الرئاسية التي تركز على أن الرجل يفي بوعوده التي قطعها أمام ناخبيه بإخراج بلاده من حروب الخارج التي يصفها بالعبثية. 

غير أن هؤلاء يرون أن ترامب يقوم بإحداث ضجيج باتخاذ قرار من هذا النوع، على منوال ما أعلنه في ديسمبر 2018 عن قراره سحب القوات الأميركية بشكل كامل من سوريا، قبل أن يعود عن قراره بعد تدخل البنتاغون ومؤسسات الأمن القومي. 

الحدث يوحي بتسوية كبرى حصلت بين واشنطن وموسكو تتخطى الصراع السوري لتصل إلى فينزويلا

ويقول خبراء الحملات الانتخابية أن وقع القرار بالانسحاب يبقى قوياً لدى الكتل الناخبة بسبب الضجيج الذي يثار حوله، فيما أن هذه الكتل لا تتأثر بالعودة عن هذا القرار، وحتى تعظيم التواجد العسكري الأميركي، بسبب الشكل الرتيب الذي لا يثار غبار حوله لاتفاقه مع أجندة الكونغرس والمؤسسات.

ولفت خبراء في الشؤون العسكرية أن ترامب أعلن انسحاباً للقوات الأميركية ما أحدث ضجيجاً داخليا في الولايات المتحدة كما في الإقليم وبقية دول العالم المهتمة بالشأن السوري، كما أثار ردود فعل غاضبة ضد أي تدخل عسكري تركي شمال سوريا، قبل أن يوضح البنتاغون أن سحب القوات الأميركية يشمل 50 جندياً أميركيا فقط ولا يشكل انسحابا أميركيا من سوريا.

وفيما يستفيد ترامب انتخابيا من الجلبة التي أحدثها بالتأكيد لناخبيه بأنه يعمل على سحب بلاده من حروب الآخرين، سيضيف على هذا الموقف بضاعة انتخابية أخرى من خلال المواقف المهددة لتركيا والتي تتناقض مع مضمون المكالمة الهاتفية التي أجراها مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان التي سبقت قراره سحب الجنود الأميركيين من أمام حملة تركية عسكرية في شرق الفرات في سوريا.

ونقلت منابر إعلامية أميركية عن مصادر في وزارة الخارجية الأميركية لم تسمها أن هناك لغطا في فهم السياق الذي دفع ترامب إلى اتخاذ قراره. وقالت المصادر إن أردوغان أراد إقناع ترامب برعاية واشنطن للعملية العسكرية التي يتوعد بها، إلا أن أردوغان فوجئ بموقف الرئيس الأميركي في أن الولايات المتحدة لن تدعم مثل هذه العملية شكلا أو مضمونا وأنها فكرة سيئة جدا وأنها لن توفر أمنا أفضل لتركيا وأبناء المنطقة في القتال مع داعش.

وقالت مصادر دبلوماسية أن ترامب قدم لأردوغان هدية مسمومة من خلال تبرؤ الولايات المتحدة من العملية العسكرية التركية، وبالتالي الإيحاء بأن موقف البنتاغون الميداني يحظى بضوء أخضر للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة إذا ما تعدى أردوغان حدودا معينة لهذه العملية. 

وتضيف المصادر أن موقف ترامب أحرج القيادة التركية لجهة اجبارها على القيام بعملية عسكرية تخلصها من الحرج من جهة، على أن تكون تلك العملية محدودة ولا تمس "المحرمات" التي عاد ترامب للتحذير من تجاوزها من جهة ثانية، وبالتالي أن لا تكون وفق التصور القديم لتركيا بشأن عرض المنطقة الآمنة وعمقها.

ودعت مصادر دبلوماسية إلى قراءة التباين جيداً في خطاب أنقرة وواشنطن حول نفس الحدث. لفت مصدر وزارة الخارجية إلى التباين الوارد في بياني البيت الأبيض والرئاسة التركية حول مضمون الاتصال.

وأوضح أن الرئاسة التركية أوردت أن أردوغان تلقى دعوة لزيارة واشنطن و"هذا صحيح"، غير أن بيان البيت الأبيض لم يلحظ مثل هذه الدعوة بعد انتهاء المكالمة. وقالت المصادر أن التحالف الدولي أعلن أنه يسيطر على أجواء المنطقة ما سيحرم تركيا من تفوق جوي يرفد قواتها البرية ويجبر أنقرة على الاكتفاء بعملية متواضعة محدودة.

يخلص بعض الخبراء في الشؤون الدولية إلى قراءة الحدث في بعد يتجاوز العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة. وتتحدث عن أن إعادة إثارة مسألة الانسحاب الأميركي من سوريا، توحي بأن تسوية كبرى قد حصلت بين واشنطن وموسكو ستؤدي حتما إلى إنسحاب كامل القوات الأميركية من سوريا، إضافة إلى الاعتراف بأن القرم جزء من الأراضي الروسية، في مقابل ذلك على موسكو أن تسحب دعمها وغطاءها السياسي عن فينزويلا، إذا إن الأخيرة تهم واشنطن أكثر بكثير من الصراع القائم في شمال سوريا وشرقها.