ترامب.. وتصنيف الإخوان جماعة إرهابية

خطوة مهمة ستدعم قوى الاعتدال التي عانت كثيراً من المعاملة الناعمة لقوى التطرف وخطابهم في الغرب باسم حرية التعبير ولكنهم في الواقع يبقون ثقافة التكفير حية ومنها تستمد التنظيمات الإرهابية ذخيرتها الأيديولوجية ففصل التكفير والتطرف عن العمل الإرهابي أمر خاطئ.

بقلم: ممدوح المهيني

الإشكالية الأساسية خلف استمرار العمليات الإرهابية، والتي كان آخرها تفجيرات سريلانكا المروعة، هي عدم الوقوف بوجه الجماعات التي تروِّج الكراهية والتعصب. وأم هذه الجماعات هي جماعة الإخوان المسلمين التي كشفت إدارة ترمب عن سعيها لتصنيفها منظمة إرهابية.

ستكون خطوة مهمة لو حدثت، ستدعم قوى الاعتدال التي عانت كثيراً من المعاملة الناعمة لقوى التطرف وخطابهم في الغرب باسم حرية التعبير، ولكنهم في الواقع يبقون ثقافة التكفير حية، ومنها تستمد التنظيمات الإرهابية ذخيرتها الأيديولوجية. فصل التكفير والتطرف عن العمل الإرهابي أمر خاطئ. لا يمكن لأحدهما أن يعمل دون الآخر. ولم نسمع بإرهابي ليس متطرفاً. وبتجريم التطرف ومحاصرة رموزه ووضعهم على لائحة الإرهابيين، سيقل المدد للجماعات الإرهابية التي لن تعثر في المستقبل على مجندين جدد ينضمون لصفوفها.

مع مرور السنوات لم تتراجع العمليات الإرهابية، بل زادت وأصبحت أكثر وحشية، من دهس للمارة بالشاحنات إلى تفجير المطاعم بالفنادق. الجرائم الإرهابية بالأعوام الأخيرة نفذها جيل ما بعد 11 سبتمبر. والسبب يعود بشكل أساسي للمغالطة المستمرة التي تفصل بين الإرهاب والتطرف. عملياً من الصعب أن تؤسس لثقافة الاعتدال والتسامح في الوقت الذي يتصرف فيه التكفيريون بحرية وبدعم من دول، مثل قطر وتركيا وإيران، على هدم أي فرص للتعايش والتحديث.

ومن غير المنطقي أن تطالب جهات ودول غربية الدول أن تتقدم وتتحدث في الوقت الذي تدافع عن جماعات هي أكبر معيق للتقدم. تطالب بحق المرأة والتعددية الدينية في الوقت الذي تدافع وتدعم جماعات ضد المرأة والتعددية. تدعو للتسامح وتحتضن جماعات تكفِّر المتسامحين. وقد شهدنا في المراحل الأخيرة شخصيات سياسية غربية مرتبطة بجماعات الإسلام السياسي، تحرض على الدول التي تتبنى خطاباً ومشروعاً لدعم الاعتدال، مثل: السعودية والإمارات ومصر.

استخدمت المنابر الديمقراطية لدعم أكثر الجماعات شمولية وانغلاقاً ضد دول تحارب المتطرفين على مدار العام. ولكن يبدو أن إدارة ترمب قلبت المعادلة مع تصنيف الحرس الثوري إرهابياً وربما قريباً الإخوان المسلمين.

وهناك في رأيي ثلاثة أسباب تجعل من تصنيف ترمب لـ"الإخوان المسلمين" منظمة إرهابية قراراً صائباً:

السبب الأول: الفكر الإخواني هو تربة التطرف الخصبة وبدونه لن نعرف أخطر القيادات الإرهابية، التي تسببت بالكثير من المآسي ولطخت صورة الإسلام والمسلمين. لو لم يكن هناك إخوان مسلمون فمن المرجح أن بن لادن سيكون مقاولاً ثرياً يقيم في جدة، والظواهري جراحاً يسكن في ضواحي القاهرة. ولكنَّ انتماءهم لهذا الفكر المتشدد هو الذي جعل منهم قتلة، تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء. ربما من المبالغة القول إن الإرهاب سينتهي تماماً بدون الإخوان وستظل هناك جماعات متفرقة تحوِّل ثقافة الكراهية إلى عنف، ولكنهم لن يكونوا مثل الإخوان، الذين جعلوا من التطرف احترافاً ووظيفة، وغذوا الجماعات الإرهابية بعدد لا ينقطع من المجندين. تخيل عالمنا بدون إخوان، وستدرك بوضوح أن الإرهاب لن يكون بهذا الحجم الهائل الذي وصل إليه.

السبب الثاني: لا دولة مع الإخوان. المقصود هو الدولة المدنية الحديثة، التي بدونها لا يمكن أن ينهض أي شعب. الإخوان هم ألدُّ أعداء هذه الدولة ويطمحون لتأسيس الدولة الدينية أو الخلافة ولهذا سر إعجابهم بالرئيس التركي أردوغان. وفي كل مرة وصل الإخوان إلى السلطة دمروا مفهوم الدولة، كما حدث في عهد مرسي والمرشد والشاطر، الذين دفعوا مصر لأول مرة إلى حافة الانهيار والسقوط في الظلام والفوضى. شتائم الإخوان مركزة بشكل مستمر على الدولة الحديثة في محاولة لنزع شرعيتها بشكل كامل. فالحكام طواغيت ورجال الأمن قتلة والقوانين المطبقة غير إسلامية وعلماء الدين وعَّاظ سلاطين. وليس غريباً هذا الفهم الإخواني، لأنه يعتمد على تعاليم قديمة ومؤسسة نشرها منظرو الفكر الإخواني، مثل المودودي وسيد قطب وغيرهما الذين رسخوا مفاهيم، مثل الحاكمية وجاهلية المجتمعات (أثرت أفكارهم على منظري وقادة النسخة الإخوانية الشيعية متمثلة في الخميني وبعده خامنئي مترجم قطب للإيرانية). القضاء على الإخوان بشكل كامل يعني انتصاراً لفكرة الدولة المدنية بشكل كامل ونهائي بدون أي تهديد مستقبلي. مثلما هزم الغرب النازية والفاشية والشيوعية ليتقدم ويزدهر بلا عراقيل، من المهم إلغاء الأيديولوجية الإخوانية بشكل نهائي حتى يطوى آخر فصل من كتابهم.

السبب الثالث: لا تقدم علمياً وفكرياً وثقافياً وحضارياً مع الإخوان وفكرهم. الإخوان هم من سيطروا على مؤسسات تعليمية في دول عربية عديدة ودمروها تماما. سمَّموا عقول الطلاب بفكر الكراهية والمؤامرات، التي تحاك ضد الشعوب من الغرب، خالقين حالة حادة من الفصام والصدام بين المسلمين والعالم، حتى بات التعايش والاندماج فكرةً صعبة. كما أنهم خلقوا حالة فصام داخلية فيما يسمى بمفهوم العزلة الشعورية، الواجب أن يتخذها الأتقياء داخل مجتمعاتهم الجاهلة، وهذه العزلة هي التركيبة النفسية لأي إرهابي مبتدئ أو محترف. تعساء الحظ من درَّسهم إخوانيون لأنهم لم يتذوقوا طعم الرواية الأدبية، فكيف يقومون بذلك ونجيب محفوظ زنديق وعلماني؟ ولم يفهموا جمال الشعر، وأدونيس ونزار قباني وغازي القصيبي حفنة من المتهتكين! أما كبار المفكرين من شرقيين وغربيين المتخصصين في التراث الإسلامي، مثل جورج طرابيشي فهو مجرد مسيحي مندس، أو مستشرق صهيوني عدو للإسلام مثل برنارد لويس. قضوا على فكرة العلم التجريبي والمحايد وسعوا لتديينه على طريقة زغلول النجار الخرافية. لا يمكن أن تنهض أمة تعليمها مدمر ومهجوسة بفكر المؤامرة وأدبها مشبوه وعلمها أضحوكة. هذا بالضبط ما يتخصص به الإخوان المسلمون، ولا يمكن المضيّ خطوة واحدة للإمام بوجودهم.

الفكر الإخواني خزان للأفكار المتطرفة وضد الدولة المدنية والعلم والثقافة الحديثة. وهناك أسباب أخرى تجعله في صدام مباشر مع التحضر والتقدم ولا يمكن عملياً المضي للأمام بدون هزيمة ثقافة التعصب وعلى مصنعها الأكبر الجماعة الإخوانية.

نُشر في العربية نت