ترامب يدعم مبادرة القاهرة بشأن ليبيا في اتصال مع السيسي

أنقرة ترفض وقف إطلاق النار الذي دعت له مصر في مبادرة لاقت ترحيبا دوليا والرئيس رجب طيب أردوغان يامر المرتزقة القادمين من سوريا بمواصلة معاركهم مع ميليشيات الوفاق والدخول إلى سرت الغنية بالنفط.

القاهرة - جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم الأربعاء ترحيب واشنطن بالمبادرة التي تقدمت بها مصر لوقف إطلاق النار في ليبيا والعودة لطاولة المفاوضات وذلك خلال اتصال مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، في وقت تسعى فيه تركيا لإفشال المبادرة التي لاقت دعما دوليا وإقليميا واسعا عبر دفع حكومة الوفاق في طرابلس لمواصلة الحرب.

وقالت الرئاسة المصرية في بيان اليوم الأربعاء إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رحب في اتصال هاتفي مع الرئيس عبدالفتاح السيسي باقتراح مصر وقف إطلاق النار في ليبيا.

وصرح المتحدث الرسمي باسم الرئاسة بأن "الرئيس ترامب عبّر عن ترحيبه بالجهود المصرية لتحقيق التسوية السياسية للأزمة ولإنهاء أعمال العنف بدعم وقف إطلاق النار في ليبيا، وتفعيل إرادة الشعب الليبي في تحقيق الأمن والاستقرار لبلاده".

وسبق أن رحبت واشنطن عبر السفارة الأميركية في ليبيا بالمبادرة المصرية يوم السبت الماضي فور إعلانها من قبل السيسي في القاهرة وذلك بحضور قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح.

وقالت السفارة في بيان "نرحّب بجهود مصر لدعم العودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة وإعلان وقف إطلاق النار. وندعو جميع الأطراف للمشاركة بحسن نيّة لوقف القتال والعودة إلى المفاوضات السياسية التي تقودها الأمم المتحدة".

وبينما كانت دول عربية وغربية تشيد بالمبادرة المصرية وتدعو لدعما حقنا للدماء في ليبيا، سارعت حكومة الوفاق إلى إعلان رفضها مستقوية بالدعم الذي تتلقاه من تركيا وواصلت ميليشياتها التقدم نحو مدينة سرت لاقتحامها.
وطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين في لقاء تليفزيوني قواته من المرتزقة القادمين من شمال غرب سوريا بمواصلة معاركهم في ليبيا والدخول إلى سرت الاستراتيجية.

واليوم الأربعاء، ذكرت صحيفة حريت التركية أن أنقرة رفضت اقتراح مصر لوقف إطلاق النار في ليبيا.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لحريت "لا يمكننا تصديق دعوة وقف إطلاق النار هي لإنقاذ حفتر "، مشيرا إلى أن تركيا ستواصل إجراء محادثات مع كل الأطراف للتوصل إلى حل في ليبيا، لكن هذا الحل يتطلب موافقة الطرفين.

وبحث أردوغان مع ترامب الوضع في ليبيا خلال مكالمة هاتفية يوم الاثنين. وقال الرئيس التركي إنهما اتفقا حول "بعض القضايا" المتعلقة بليبيا وإن حكومة الوفاق ستواصل القتال لانتزاع السيطرة على مدينة سرت الساحلية الغنية بالنفط وقاعدة الجفرة الجوية التي تقع على مسافة أبعد إلى الجنوب.

ال
انقرة تريد فرض الأمر الواقع بقوة السلاح

وقال جاويش أوغلو إن أردوغان وترامب عهدا إلى وزراء الخارجية والدفاع وقادة المخابرات والمستشارين الأمنيين في البلدين بحث الخطوات التي يمكن اتخاذها في ليبيا.

وقالت الرئاسة التركية إن أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بحثا الوضع في ليبيا في اتصال هاتفي اليوم الأربعاء.

صراع نفوذ بين روسيا وتركيا

وتعجز روسيا وتركيا اللتان تتواجهان في ليبيا حيث يدعم كل منهما طرفا في النزاع المحلي، عن التحرّك من دون حلفائهما بعد ان أصبح التدخل التركي في ليبيا عبر المرتزقة والسلاح يهدد مصالح روسيا وأيضا أوروبا والولايات المتحدة في المنطقة، ولكن حتى وأن استطاعا التوصل إلى توافق في بلد تتداخل فيه المصالح والتدخلات عبر نقل سيناريو سوريا إلى ليبيا، فإن بلدان الاتحاد الأوروبي لن تبقى مكتوفة الأيدي.

وحققت قوات حكومة الوفاق التي دعمها أردوغان بالسلاح والمرتزقة السوريين انتصارات عسكرية في الأسابيع الأخيرة، في حين تراجعت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، المدعوم من روسيا وأيضا فرنسا والذي يشن منذ 14 شهرا هجوما لاستعادة طرابلس من الميليشيات.

ويقول مدير الأبحاث في معهد البحث الاستراتيجي في الكلية الحربية (إرسيم) في باريس بيار رازو "روسيا وتركيا تبدوان الطرفين العسكريين الأكثر التزاما كلّ إلى جانب حليفه".

ويوضح الخبير في الشؤون الليبية في في معهد المجلس الأطلسي للدراسات عماد بادي "لا أقول إنهما صانعتا ملوك لأن ثمة أطرافا أخرى يمكن أن تعرقل اتفاقا ثنائيا، لكنهما تملكان أفضل أدوات ضغط سياسي"، مضيفا "بإمكانهما نسف حلّ سياسي إذ اعتبرتا أنه لا يخدم مصالحهما".

وعلى عكس أردوغان الذي أقر الثلاثاء بأهمية نفط ليبيا يالنسبة لتركيا، يعتبر الباحث في معهد إفريقيا في كلية العلوم الروسية ألكسندر تكاتشنكو أن "لا مطامع لموسكو لإقامة إمبراطورية في ليبيا. يجب ألا نبالغ بأهمية ليبيا في السياسة الخارجية الروسية".

أما أنقرة فرهانها كبير في ليبيا التي كانت حتى 1912 جزءا من الإمبراطورية العثمانية. وقدمت تركيا طائرات مسيرة وعتاد وأسلحة لدعم قوات حكومة الوفاق وأرسلت مرتزقة سوريين، ما أتاح قلب موازين القوى لصالح حكومة السراج.

ويقول المحلل السياسي علي باكير من أنقرة إن لتركيا "روابط تاريخية مع الليبيين ومشاريع بنى تحتية بمليارات الدولارات".

ويشير إلى أن نفوذا قويا في ليبيا من شأنه أن "يعزز موقع أنقرة في رهانات إقليمية أخرى ويسمح لها ببسط نفوذها بشكل أكثر فاعلية خارج محيطها المباشر"، بالنسبة لملفات حيوية مثل تقاسم المناطق النفطية في شرق المتوسط والنزاع في سوريا والهجرة إلى أوروبا.

ويشير العديد من المراقبين بهذا الصدد إلى "مكابرة" أردوغان في الخارج. فهو طموح وعلى خلاف مع الأوروبيين. ويدفع في اتجاه قيام نظام إسلامي متشدد في طرابلس يكون قاعدة لجماعة الإخوان المسلمين التي يدعمها ويسيطر فرعها في ليبيا على حكومة السراج.

السرا
السراج يأتمر لأردوغان

لكن الخبراء يؤكدون كذلك أنه ليس من مصلحة موسكو ولا أنقرة أن تتواجها بشكل مباشر. ويقول بادي "بإمكانهما التوصل إلى أرضية توافق سياسي وعسكري في آن واحد، من خلال تحديد دوائر النفوذ"، لا سيما بعد ان أصبح احتمال حصول حسم عسكري مستبعدا بالرغم من التقدم الذي أحرزته قوات حكومة الوفاق مؤخرا.

ويشدد بيار رازو من جهته على مدى تداخل السياسات الإقليمية المختلفة. فتركيا وروسيا تتواجهان أيضا في سوريا، والمفاوضات الجارية على جبهة يحكمها منطق منبثق من الجبهة الأخرى.

ويرى أن "بإمكان موسكو وأنقرة التفاهم على التسوية التالية: أن تدع تركيا روسيا والنظام السوري يستعيدان السيطرة على جيب إدلب (في شمال غرب سوريا) مع التلويح بإمكان انسحاب جيشها من جزء من شمال سوريا، فيما تتخلى روسيا عن طرابلس وخليج سرت لحكومة الوفاق المدعومة من تركيا".

لكن حتى هذا السيناريو لا يمكن لأوروبا متمثلة خصوصا في فرنسا وألمانيا وإيطاليا أن تسمح به في ليبيا الواقعة على ضفاف المتوسط حيث تأتي قوارب المهاجرين الغير شرعيين نحو حدودها ويمكن استخدامها كورقة ابتزاز كتلك التي استخدمها أردوغان من اليونان خلال الحرب في سوريا.

أوروبا تتحرك

والتقى السفير الألماني لدى ليبيا أوليفر أوفتشا اليوم الأربعاء مع المشير خليفة حفتر بمقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي في الرجمة، قرب بنغازي لبحث إعلان القاهرة وتنفيذ وقف إطلاق النار.

وقال أوفتشا أعربت عن قلقي حيال المواجهات العسكرية المستمرة وتأثيرها المثير للقلق على السكان المدنيين".

وأضاف في تغريدة عير حسابه بموقع تويتر: "لقد شجعت على استئناف محادثات اللجنة العسكرية 5+5 من أجل وقف إطلاق نار موثوق به، وبالتالي معالجة المخاوف الأمنية الهيكلية".

وسبق لألمانيا أن أعلنت تأييدها لإعلان القاهرة، حيث أثنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال مكالمة أجرتها الاثنين مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على المبادرة المصرية التي رأت فيها امتدادًا لمسار مؤتمر برلين بإضافة عناصر وأبعاد جديدة فعالة إلى العملية السياسية الليبية.

من جهة أخرى اعترضت سفينة يونانية، الأربعاء، سفينة شحن تركية على متنها أسلحة وذخيرة قبالة سواحل ليبيا ضمن العملية الأوروبية 'إيريني' التي تقوم به مراقبة حظر السلاح الذي يفرضه مجلس الأمن على ليبيا.

وذكرت وكالة نوفا الإيطالية أن السفينة اليونانية المشاركة في العملية "إيريني" البحرية، والتي ترأسها إيطاليا، رصدت سفينة شحن تركية قبالة سواحل ليبيا وعلى متنها أسلحة وذخائر، فيما لم يعرف وجهة رسوها بأي المواني غربي ليبيا. 

يأتي ذلك بعد يوم من توقيع وزيري خارجية اليونان وإيطاليا، في أثينا، اتفاقاً لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر الأيوني الذي يفصل البلدين المجاورين، في خطوة إضافية تقطع الطريق أمام مطامع أنقرة في غاز المتوسط وتبطل الاتفاقية التي وقعها أردوغان مع السراج ولاقت رفضا دوليا وإقليميا واسعا بسبب انتهاكها للقانون البحري الدولي، فضلا عن أنها لا تتماشى مع مبدأ حسن الجوار.

ومن المتوقع ان يزور وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس مصر يوم 18 يونيو، لاستئناف المفاوضات مع السلطات المصرية حول اتفاقية مماثلة لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.

وأمس الثلاثاء، حث مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل جميع أطراف الصراع في ليبيا على وقف العمليات العسكرية على الفور والانخراط بفاعلية في مفاوضات سلام.

ودعا بوريل في بيان مشترك مع وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وإيطاليا أطراف الصراع الليبي إلى الموافقة سريعا على وقف إطلاق النار وسحب القوات الأجنبية والمرتزقة والعتاد العسكري.