ترامب يهادن الديمقراطيين لتجنب المساءلة

عندما يلتئم مجلس النواب المنتخب لن تتوانى الأكثرية الديمقراطية الممسكة بمقاليده عن فتح تحقيقات برلمانية بحق ترامب تشمل تضارب المصالح وثروته الشخصية وتدخلّه في تحقيق مولر.

ترامب يعرض على الديمقراطيين تعاونا مشروطا
أوباما يعتبر نتائج انتخابات التجديد النصفي مجرد بداية للديمقراطيين
فرحة الديمقراطيين نغّصتها هزيمة مرشّحهم إلى منصب حاكم فلوريدا

واشنطن - أكّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء أنّه مستعدّ للتعاون مع الديمقراطيين الذين فازوا بالأكثرية في مجلس النواب في انتخابات منتصف الولاية الثلاثاء، لكنّه اشترط مقابل هذا التعاون تراجعهم عن التحقيقات البرلمانية التي يعتزمون فتحها ضدّه.

لكن الرئيس الأميركي السابق الديمقراطي باراك أوباما اعتبر أن نتائج انتخابات منتصف الولاية تشكل "بداية" بعدما استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب.

وقال في بيان "عملنا مستمر. التغيير الذي نحتاج إليه لن يأتي من اقتراع واحد - إنها بداية. الليلة الماضية أطلق الناخبون عبر البلاد هذه العملية".

وشارك الرئيس الديمقراطي السابق الذي انسحب من الحياة السياسية منذ انتهاء ولايته، في الحملة بقوة.

وقال ترامب خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض "أمس كان يوما كبيرا، يوما رائعا"، مؤكّدا أن "الحزب الجمهوري تحدّى التاريخ لتعزيز أكثريتنا في مجلس الشيوخ وفي الوقت نفسه أفشل بقدر كبير التوقّعات في مجلس النواب".

وانتزع الديمقراطيون نحو ثلاثين مقعدا في مجلس النواب ويتّجهون إلى الحصول على 229 مقعدا مقابل 206 للجمهوريين، بحسب آخر تقديرات صحيفة نيويورك تايمز.

وفي المقابل يتوقّع أن ترتفع الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ من 51 إلى 53 مقعدا من أصل مئة.

وبالنسبة إلى الرئيس الأميركي فإن سيطرة الديمقراطيين على إحدى غرفتي الكونغرس تجعل الأمور "أسهل" إذ سيكون هناك "شلل أقلّ" في الحياة السياسية.

وقال ترامب "سيأتي الديمقراطيون لرؤيتنا ومعهم خطة حول البنى التحتية أو الصحة أو حول أي أمر يريدونه. وسنتفاوض".

ومن وجهة نظر سياسية فإن الرئيس الأميركي يعتبر أنّ التفاوض مع مجلس النواب المقبل سيجعل الأمور أسهل بالنسبة إلى البيت الأبيض بالمقارنة مع ما كانت خلال السنتين الأوليين من العهد حيث كانت الأكثرية الجمهورية في الكونغرس هشّة وتعيش على وقع خلافات بين الجناحين المعتدل والمتشدّد وتهديدات داخلية بالانشقاق.

وقال ترامب إنّ الديمقراطيين بالمقابل "يرصّون صفوفهم" ويصوّتون كتلة واحدة، مضيفا "إذا كانت لدى الديمقراطيين فكرة لخفض الضرائب وأنا من أشدّ المؤمنين بخفض الضرائب، فأنا حتما سأدرس الفكرة"، مشيرا حتى إلى إمكان التوصّل إلى تفاهم مع الديمقراطيين حول ملف الهجرة الخلافي بين الطرفين.

ولكنّ الرئيس الجمهوري الذي لم يفته في مؤتمره الصحافي أن يصبّ جام غضبه على صحافيين طرحوا عليه أسئلة تتعلق بالتكتيك الذي اتّبعه في حملته لدعم مرشحي حزبه إلى الانتخابات النصفية، لم يفته أيضا التعليق على التهديدات التي أطلقها ضدّه أسياد مجلس النواب الجدد.

وقال ترامب في معرض تنديده بالتحقيقات البرلمانية التي وعد بفتحها أقطاب الأكثرية الديمقراطية الجديدة في مجلس النواب ولا سيما بهدف الحصول على تصريحاته الضريبية التي يرفض نشرها "لا يمكن فعل الأمرين معا. هل يمكن فعل كليهما؟ كلا. إذا فعلوا ذلك فلن يفعلوا الباقي".

وأضاف "يمكنهم أن يمارسوا هذه اللعبة الحقيرة ولكننا أفضل منهم"، ملمّحا إلى إمكان الردّ بالمثل.

وكان ترامب قال في تغريدة سبق المؤتمر الصحافي ببضع ساعات إنّه "إذا اعتقد الديمقراطيون أنهم سوف يضيّعون أموال دافعي الضرائب بالتحقيق معنا على مستوى مجلس النواب، فسوف نضطر نحن أيضا إلى التفكير في التحقيق معهم في جميع التسريبات المتعلّقة بالمعلومات السريّة، وبأمور كثيرة أخرى، على مستوى مجلس الشيوخ"، مشدّدا على أن "شخصين بإمكانهما لعب هذه اللعبة".

وفي ما يخصّ تصريحاته الضريبية التي يرفض منذ ما قبل الانتخابات نشرها خلافا لما دأب عليه أسلافه، أكّد ترامب مجدّدا الحجّة السابقة بأنّه لا يزال قيد التدقيق المالي بأنّ "لا أحد ينشر تصريحه الضريبي أثناء تدقيق مالي"، محذّرا من أنّه إذا ما أصرّ الديمقراطيون على موقفهم "فالدولة ستشلّ".

وشدّد على القواسم المشتركة التي تجمع بين الحزبين وقال "يجمعنا الكثير من القواسم المشتركة حول البنية التحتية. نريد أن نفعل شيئا بالنسبة إلى الرعاية الصحية وهم يريدون القيام بشيء بالنسبة إلى الرعاية الصحية. ثمة أمور كثيرة عظيمة يمكن أن نقوم بها معا".

وفي ما خصّ التحقيق الذي يجريه المحقّق الخاص روبرت مولر في قضيّة تدخّل روسيا في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الملياردير الجمهوري قبل عامين وفي إمكان وجود تواطؤ بين حملته الانتخابية وموسكو، أكّد ترامب أنّه "ليس قلقا".

وقال "لست قلقا من شيء في ما خصّ التحقيق الروسي لأنّه خدعة"، مشدّدا على أنّه لن يوقف هذا التحقيق الذي يصفه منذ أشهر بأنه "اضطهاد" له.

وأضاف "يمكنني أن أفاجئ الجميع هنا الآن، لكنني لا أريد أن أوقف التحقيق لأنني لا أرغب سياسيا في وقفه"، مجدّدا التأكيد أنّه "لم يحصل تواطؤ" مع موسكو.

وبالإضافة إلى فوزهم بمجلس النواب حقّق الديمقراطيون سبعة انتصارات في انتخابات حكام الولايات ولكنّ فوزهم هذا نغّصته هزيمة مرشّحهم إلى منصب حاكم فلوريدا، الولاية التي ستشكل أحد المحاور الرئيسية للانتخابات الرئاسية في 2020 والتي كان الحزب الديمقراطي يعتقد أنّ الثمار التي زرعها فيها أينعت وحان له أن يقطفها.

وما يزيد من شرعية ما حقّقه كلا الحزبين في انتخابات الثلاثاء هو نسبة المشاركة المرتفعة التي شهدتها والتي زادت كثيرا عن النسب المعهودة في الانتخابات النصفية وإن ظلّت أدنى من نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

ترامب يشدد على القواسم المشتركة التي تجمع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول البنية التحتية

وفي غياب سلطة انتخابية مركزية تجمع أعداد المقترعين قدّرت صحيفة نيويورك تايمز أعداد الذين أدلوا بأصواتهم الثلاثاء بنحو 114 مليونا أي أكثر بنحو 30 مليون مقترع بالمقارنة مع من انتخبوا في 2014 والذين بلغ عددهم يومها 83 مليونا.

وبحسب مايكل مامدونالد الخبير في جامعة فلوريدا فإن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت الثلاثاء 47 بالمئة.

واعتبارا من الثالث من يناير/كانون الثاني 2019، موعد بدء ولاية الكونغرس الجديد، لن يعود بإمكان ترامب أن يمرّر القوانين من دون التفاوض بشأنها مع الديمقراطيين.

 وبات الحزب الجمهوري يمتلك حق الفيتو في مجموعة من المسائل المهمة أبرزها الميزانية الفدرالية. أمّا الجدار الذي يريد الرئيس الجمهوري أن يبنيه على الحدود بين بلاده والمكسيك لوقف الهجرة غير الشرعية فسيبقى على الأرجح في ظل الكونغرس الجديد مجرد حلم.

وعندما يلتئم مجلس النواب المنتخب لن تتوانى الأكثرية الديمقراطية الممسكة بمقاليده عن فتح تحقيقات برلمانية بحق ترامب تشمل تضارب المصالح وثروته الشخصية وتدخلّه في تحقيق مولر.

ومنذ مساء الثلاثاء حدّدت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الخطوط العريضة لخارطة الطريق التي سيسلكها حزبها في هذا الإطار، مؤكّدة في خطاب النصر أنّ المجلس النيابي "سيعيد العمل بالواجب الدستوري بمراقبة إدارة ترامب".

وقال لاري ساباتو أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا إنّ "المعركة أصبحت أكثر شدة، وهناك الآن فيتو في النظام لإيقاف ترامب ومجلس الشيوخ".

ولكنّ الرئيس الملياردير بدا مرتاحا بشأن الخط المتشدّد الذي تبنّاه طيلة حملة الانتخابات التشريعية والذي ركز فيه على الخطر المتمثّل بالهجرة غير الشرعية.

وبدأ ترامب مؤتمره الصحافي بتعداد المرشّحين الجمهوريين الذين نأوا بأنفسهم عنه خلال الحملة الانتخابية وخسروا.

لكنّ الرئيس البالغ من العمر 72 عاما يعلم أيضا بأنّ انتخابات منتصف الولاية لا يمكن أن تكون مؤشّرا على الانتخابات الرئاسية المقبلة. فسلفه باراك أوباما مني بهزيمة "مهينة" في الانتخابات النصفية في 2010 ولكن أعيد انتخابه بسهولة في 2012.