ترتيبات وضغوط خارجية وراء استحداث منصب نائب الرئيس الفلسطيني

مفهوم الإصلاح في السلطة لا يتم وفق رؤية فلسطينية بحتة، بل ضمن رؤية إقليمية ودولية لمراحل قادمة غامضة.

رام الله - أثارت موافقة المجلس المركزي على استحداث منصب نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ولرئيس دولة فلسطين، جدلا سياسية وذهب محللون إلى اعتبارها استجابة لضغوط داخلية وخارجية لإعادة هيكلة النظام السياسي، إلا أن الضغوط الإقليمية والدولية كانت الأكثر تأثيرًا باتخاذ القرار، مع احتمالات ملء فراغ في قيادة السلطة الفلسطينية.

وينظر إلى هذا القرار على أنه يأتي ضمن ترتيبات سياسية مرتبطة بالمرحلة المقبلة، وسط ترجيحات بأن أمين سر اللجنة التنفيذية الحالي حسين الشيخ هو الأوفر حظًا لتولي المنصب الجديد.

والخميس، وافق المجلس المركزي الفلسطيني بالأغلبية على استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين.

وينص القرار، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، على أن يُعيَّن النائب من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة ومصادقة أعضائها، ويُخوّل له تكليفه بمهام أو إعفاؤه من منصبه، وقبول استقالته.

والمجلس المركزي هو هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية) التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومخوّل ببعض صلاحياته.

الشخصية الأوفر حظا هي حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة حيث تردد اسمه كثيرا في الأيام الأخيرة

وعن دوافع استحداث المنصب، يرى رئيس مركز القدس للدراسات أحمد رفيق عوض، أن هذه الخطوة جاءت في إطار "مطالبات فلسطينية بتجديد الهيكلية داخل منظمة التحرير، والعودة إلى مؤسساتها الفاعلة، في ظل الخطر الشديد الذي يتهدد السلطة الفلسطينية، خاصة مع الموقف الإسرائيلي المناهض لها، واحتمال السعي لشطبها".

وأضاف عوض في حديث لوكالة الأناضول "أن هناك أيضًا مطالبات دولية وإقليمية بإصلاح وتطوير السلطة الفلسطينية"، معتبرًا أن ذلك "يمس بنيتها وهياكلها، ويستلزم مراجعة شاملة لحيثيات الحكم، بما في ذلك تطبيق قواعد الحوكمة والشفافية، وتداول السلطة".

وأشار إلى أن استحداث المنصب يأتي في وقتٍ "تجري فيه عملية إعداد السلطة الفلسطينية لأدوار سياسية وعسكرية قادمة، في سياقات معقّدة، تتعلق بعلاقتها المحتملة مع الضفة الغربية وقطاع غزة، وما إذا كانت قادرة على ملء الفراغات المتوقعة، أو سيتم تقليص أو توسيع صلاحياتها".

وأكد أن "مفهوم الإصلاح الجاري لا يتم وفق رؤية فلسطينية بحتة، بل ضمن رؤية إقليمية ودولية لمراحل قادمة غامضة، وغير مضمونة، وقد تكون معقدة".

وعن مهام نائب الرئيس، أضاف عوض أنها "حتى الآن غير واضحة، ويبقى المنصب شرفي بروتوكولي، ويتوقف حجم وأهمية وصلاحية النائب على قوة الشخصية التي تتولى المنصب، فكل شخص يصنع قوته بيده".

وفي هذه المرحلة لا يرى عوض أن للمنصب "دورا تنفيذيا" معتبرا أن "الشخصية الأوفر حظا هي حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة حيث تردد اسمه كثيرا في الأيام الأخيرة".

واختتمت الخميس، اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في دورته الـ 32 والتي استمرت على مدار يومين، بمقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.

من جهته، قال المحلل السياسي سامر عنبتاوي إن المطلوب فلسطينيا في كافة المؤسسات "أن يكون هناك فعلا تغييرات جذرية وانتخابات وتجديد للمواقع، ومن الطبيعي أن يكون لكل قائد نائب".

لكنه أضاف أن "المشكلة هنا تتعلق بالتعيين والأسلوب الذي تم من جهة، ووجود قضايا أهم للشعب الفلسطيني من قضية نائب الرئيس من جهة ثانية".

وتابع "مثلا (أكثر من) 18 شهرا من الإبادة والعدوان كانت تتطلب، وقبل فترة طويلة أن ينعقد المجلس المركزي، وأن تجرى مشاورات لعقده بين كافة الأطراف للخروج بموقف موحد يواجه هذه الهجمة المصيرية على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال".

وأشار عنبتاوي إلى ما وصفها بـ"إشكالية قانونية"، موضحًا أن الحديث يدور حول تعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين في آنٍ واحد. "ما يعني ضمنيًا أن هذا النائب قد يكون الرئيس القادم لدولة فلسطين، وهو ما يتعارض مع النظام الأساسي الفلسطيني الذي ينص صراحة على أن الرئيس يُنتخب من قبل الشعب"، وفق المتحدث.

ويرى المحلل أن نائب الرئيس "كان يفترض أن يُختار بشكل واضح وديمقراطي من قبل الشعب الفلسطيني، والمجلس الوطني، وفصائل منظمة التحرير"، مشيرًا إلى أن "ذلك لم يحدث"، في ظل "انسحابات ومقاطعات من عدة فصائل خلال جلسة المجلس المركزي".

وعقدت اجتماعات المجلس المركزي وسط مقاطعة فصائل فلسطينية رئيسية، حيث بررت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدم مشاركتها في الاجتماعات باعتباره "خطوةً مجتزأة، لا يمكن أن يكون بديلا عن الخطوات التي حدّدتها جولات الحوار ومخرجاتها المُكررة، والتي جرى تعطيل تنفيذها أكثر من مرة".

وتعد الجبهة الشعبية ثاني أكبر فصيل بعد حركة فتح، في منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني داخل وخارج البلاد، والتي تأسست عام 1964 لتمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية.

كما أعلنت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (ثالث أكبر فصيل بمنظمة التحرير) الانسحاب من اجتماعات "المركزي"، بدعوى "عدم تحقق الحد الأدنى من الحوار المطلوب قبيل انعقاده".

فيما أرجعت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مقاطعتها لاجتماعات المجلس المركزي إلى كونها "متأخرة"، قائلة إن هذا الاجتماع "كان يجب أن يعقد منذ شهور لبلورة استراتيجية وطنية كفاحية موحّدة للتصدي لحرب الإبادة والتجويع والتهجير في غزة والضفة الغربية".

يشار أن الرئيس محمود عباس أعلن خلال كلمته أمام القمة العربية الطارئة بشأن فلسطين بالقاهرة التي عقدت في 19 مارس/آذار، عن توجه القيادة الفلسطينية نحو "إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة".

ولفت عباس إلى ضرورة "ضخ دماء جديدة في منظمة التحرير وحركة فتح وأجهزة الدولة" لمواجهة التحديات المتصاعدة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

وقال "في هذا السياق، قررنا استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك".

وتأتي هذه القرارات بعد 4 أشهر من إصدار عباس إعلانا دستوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، يقضي بأن يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (روحي فتوح حاليا) منصب رئيس السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت في حال شغور المنصب.