ترسيم الحدود عقبة على طريق إعادة بناء الثقة بين لبنان وسوريا

ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية يبقى مرتبطا بشكل مباشر بالسيادة والعلاقة المستقبلية بين بيروت ودمشق، في وقت تتغير فيه ملامح المنطقة بشكل سريع

دمشق/بيروت - أعادت التحولات السياسية والأمنية التي يشهدها الشرق الأوسط، ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا إلى الواجهة، وسط نقاش متجدد بشأن ضرورة تنظيم العلاقة الحدودية بين البلدين.

ومع استمرار التحديات الأمنية ووجود معابر غير نظامية تستخدم لأغراض متعددة، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى خطوات عملية تنهي حالة الغموض في كثير من النقاط الحدودية، خصوصا أن هذا الملف يبقى مرتبطا بشكل مباشر بالسيادة وضبط الحدود والعلاقة المستقبلية بين بيروت ودمشق، في وقت تتغير فيه ملامح المنطقة بشكل سريع.

وفي 19 يونيو/حزيران الماضي، زار المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك، لبنان حاملا مقترحات إلى المسؤولين اللبنانيين من ضمنها تحسين العلاقة مع دمشق على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية وضبط الحدود وصولا إلى ترسيم الحدود وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، وفق ما صرح به مسؤول لبناني للأناضول الأربعاء.

وقال المسؤول اللبناني، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن المقترح الذي قدمه باراك إلى بيروت يتمحور حول 3 عناوين أولها حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

وأردف أن "العنوان الأول سحب السلاح وثانيا إنجاز الإصلاحات المالية والاقتصادية، وضبط الحدود ومنع التهريب وزيادة الجباية الجمركية وتشديد الإجراءات على المعابر والمرافق العامة".

وتابع أن "العنوان الثالث إصلاح العلاقة مع سوريا على المستويات المختلفة الأمنية والسياسية وضبط الحدود وصولا إلى ترسيم الحدود وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية".

ولفت المسؤول اللبناني إلى أنه "لا معلومات حتى الآن حول موقف حزب الله إذا وافق على حصر السلاح بيد الدولة وهو ما ننتظره الأيام المقبلة"، مشيرا إلى أن "المبعوث الأميركي سيزور لبنان الأسبوع المقبل".

ولم يتأخر رد "حزب الله" طويلا، ففي مساء ذات اليوم، أعرب نعيم قاسم، الأمين العام للجماعة، عن رفضه أي تدخل إسرائيلي في النقاش داخل لبنان بشأن "موضوع السلاح"، مشددا في كلمة له بإحدى الفعاليات، على أن الحزب "لن يسلم سلاحه للعدو الإسرائيلي".

وتضم الحدود بين لبنان وسوريا الممتدة على طول 375 كيلومترا، معابر غير نظامية، غالبا ما تستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح، وشهدت أواخر مارس/آذار الماضي توترا أوقع قتلى من الجانبين.

وتعود جذور النزاع الحدودي بين بيروت ودمشق إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين خضعت المنطقة للانتداب الفرنسي الذي رسم الحدود بين "دولة لبنان الكبير (1920)" وسوريا، وعند استقلال لبنان عام 1943، تم اعتماد هذه الحدود التي رسمها الفرنسيون، إلا أن بعض النقاط بقيت غير واضحة أو محل خلاف.

وتُعد منطقة مزارع شبعا، من أبرز المناطق المتنازع عليها، حيث بقيت تحت سيطرة إسرائيل التي انسحبت من جنوب لبنان عام 2000، باعتبارها أرضا سورية بينما تصر بيروت على أنها لبنانية.

كما تسجل خلافات على مناطق في شرق لبنان مثل القموعة والعديسة ومناطق في بعلبك الهرمل، بسبب عدم وضوح المعالم الحدودية.

أما بحريا، فلا تزال الحدود غير مرسّمة ما يثير إشكاليات بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز، ويؤكد خبراء أن الترسيم يجب أن يتم استنادا إلى خط الوسط (مبدأ التماس) بين السواحل اللبنانية والسورية، وفق القانون الدولي.

وفي 2008، أعلنت البلدان الحاران تشكيل لجنة مشتركة لترسيم الحدود، لكن التقدم كان بطيئا بسبب التوترات السياسية والأمنية. ومع اندلاع الأزمة السورية والثورة ضد نظام بشار الأسد عام 2011، توقفت معظم الجهود الرسمية، رغم وجود مؤشرات على استمرار بعض قنوات التواصل.

وعقب تسلم الإدارة السورية الجديدة زمام الحكم بعد الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 عادت مشكلة ترسيم الحدود مع لبنان للظهور مجددا.

وأعلنت الإدارة السورية الجديدة، في 29 يناير/كانون الثاني 2025، أحمد الشرع رئيسا للبلاد خلال فترة انتقالية تستمر 5 سنوات. وفي 28 مارس/آذار 2025، أكدت وكالة الأنباء السعودية "واس" توقيع وزيري الدفاع اللبناني والسوري في مدينة جدة غربي المملكة، اتفاقا بشأن ترسيم الحدود وتعزيز التنسيق الأمني، بعد اشتباكات عنيفة وقعت مطلع الشهر نفسه بين الجيش السوري ومجموعات مرتبطة بحزب الله على الحدود.

ولم يمثل الاتفاق ترسيما مباشرا للحدود، بل يُعد خطوة تمهيدية، إذ جرى التعهد بتشكيل لجان قانونية وفنية مشتركة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التهديدات الأمنية.

وفي هذا الإطار، قال رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في تصريح له الأربعاء إن بيروت تواصل جهودها لبسط سلطتها الكاملة على جميع أراضيها بقواها الذاتية بهدف حصر السلاح في يدها وحدها.

وأضاف أن الحكومة "أطلقت تعاونا مباشرا مع الجانب السوري لضبط الحدود، ومكافحة التهريب، وتأمين العودة الآمنة والكريمة لللاجئين السوريين من لبنان".

وفي 14 أبريل/نيسان الماضي، بحث سلام مع الشرع، في دمشق ملفات عدة أهمها ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وجرى الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية لمتابعة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفق بيان لسلام.

وعقب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، انتُخب جوزيف عون، رئيسا للبنان وتشكلت حكومة جديدة برئاسة سلام، تعهدت بتطبيق القرارات الدولية، لا سيما القرار 1680 الصادر قبل حرب 2006 (استمرت 34 يوما بين جزب الله وإسرائيل) الذي دعا سوريا إلى التجاوب مع طلب لبنان ترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية ومنع تهريب السلاح.

ولم يكتمل ترسيم الحدود بين البلدين بعد، خاصة في المناطق المتداخلة، حيث يعيش لبنانيون داخل الأراضي السورية والعكس، ما يعقد الترسيم بسبب التداخل الجغرافي والديمغرافي.

وقالت خبيرة النفط والغاز بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان، إن "العلاقات اللبنانية السورية السياسية والأمنية والاقتصادية، يجب أن تكون أولوية لدى حكومة نواف سلام والرئيس جوزيف عون".

وأضافت، في حديث سابق للأناضول، "هناك تغيرات تحصل في المنطقة، ولبنان جزء منها، وهناك أيضا نظام جديد في سوريا وكثير من الدول تتواصل معه، وإن كان ذلك بشروط أو تحفظات".

وأكدت أن "الحكومة اللبنانية يجب أن تكون واحدة من هذه الحكومات التي تتواصل مع الحكم الجديد في سوريا، وأن تنطلق المناقشات على المواضيع التي تهم البلدين وخاصة بعد المواجهات الحدودية بين العشائر اللبنانية والجيش السوري".

وشددت هايتايان، على "وجوب تعاطي الدولة اللبنانية بجدية مع السلطات السورية الحالية"، معتبرة أن الاتفاقيات التي أبرمت خلال عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد (حكم ما بين 1971 و2000)، وخاصة المتعلقة بترسيم الحدود البرية والبحرية، بحاجة إلى مراجعة وتحديث، لكنها لفتت إلى أن "لبنان لا يستطيع المضي في هذا الملف دون إعادة بناء الثقة مع الجانب السوري، عبر مسار دبلوماسي نشط".

وذكرت أن سوريا اليوم تولي اهتماما متزايدا بملف التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، ما يستدعي من لبنان توطيد العلاقات والسعي الحثيث إلى ترسيم الحدود البحرية، بوصفه جزءا من تفاهمات أوسع.