تركيا أردوغان.. برنامج بناء المساجد حول العالم

نظرة حزب العدالة والتنمية الحاكم تتناقض حول الدور العثماني في نشر الازدهار في المنطقة، مع رأي سكان الدول التي كانت خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية آنذاك.

بقلم: دوريان جونز

يأتي المشروع التركي الطموح لبناء مسجد في كوبا كأحدث خطوة في مساعي تركيا لوضع نفسها في مركز العالم الإسلامي. وعبر الرئيس التركي إردوغان خلال زيارته لكوبا في فبراير/شباط 2015، عن رغبة بلاده في السماح لها ببناء مسجد في هافانا في الوقت الذي تقوم فيه تركيا حاليا ببناء 18 مسجدا كبيرا حول العالم، من الصومال إلى كازاخستان. دوريان جونز يحلل لموقع قنطرة الطموح التركي ورد فعل دول الشرق الأوسط عليه.

ينظر المراقبون إلى المشروع التركي لبناء مسجد في كوبا كجزء من استراتيجية أكبر. وتحلل أسلي آيدينتاشباش هذه الخطوة في عمود سياسي بصحيفة ميليِّت التركية بقولها: "يهتم إردوغان كثيرا بتراثه التاريخي وإرثه العالمي وهو أمر مرتبط في ذهنه بجهده من أجل المساعدة على نمو الإسلام". وتضيف المحللة بقولها: "يرغب إردوغان في أن ينظر إلى تركيا وإلى نفسه على المستوى العالمي، كشخص يعمل على مصالح الإسلام والمسلمين، لذا فهو يهتم كثيرا بمشروع بناء مسجد في كوبا والعديد من الأماكن الأخرى حول العالم".

هناك طموحات إمبريالية وراء هذا الهدف، فإعادة تركيا لأمجاد الماضي العثماني كانت نقطة مشتركة في خطاب أردوغان طوال فترة حكمة في تركيا كرئيس وزراء أولا ثم كرئيس حاليا. ومنذ عام 1453 كان الخليفة، وهو القائد الروحي للمسلمين، سلطانا للدولة العثمانية التي سيطرت آنذاك على العالم الإسلامي، إلى أن حدثت نقطة التحول عام 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الدولة العلمانية في تركيا والذي ألغى الخلافة ونفى الخليفة وبدأ في إعادة توجيه تركيا بشكل قوي تجاه أوروبا.

مع اهتزاز الأساس العلماني على نطاق واسع في تركيا، بدأ أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في التشكيك العلني – إن لم يكن الرفض- لقرابة القرن من الحكم العلماني وتصويره كفترة انحراف في تاريخ البلاد. وهنا تأتي فكرة إعادة تركيا لمركز العالم الإسلامي، مناسبة تماما لهذا السياق الجديد.

ويشرح يوكسيل تاسكن الأستاذ المساعد بجامعة مرمرة الأمر قائلا:" هناك تعبير معروف (داخل حزب العدالة والتنمية) وهو "مدنيِّتجيليك" ويعني الحضارات في العصر الذهبي للإسلام بقيادة العثمانيين". ويضيف: "إنهم يحاولون زرع صورة أن الحضارة الإسلامية ستزدهر مجددا. وبالطبع سيكون الأتراك قادة هذا الميلاد الجديد، وهي مسألة تستخدم كثيرا على المستوى المحلي في تركيا كما هو الحال على نطاق العالم الإسلامي".

الحنين لدور "الأخ الأكبر"

برنامج بناء المسجد ما هو إلا جزء واحد من استراتيجة تركيا لاسيما وأن رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت) قد وسعت من مكاتبها على المستوى العالمي بشكل ملحوظ خلال فترة حكم إردوغان. وترصد البروفيسورة إستار غوزايدن الخبيرة في شؤون الدين والدولة في تركيا، هذا التوسع بقولها: " زاد نطاق تأثيرها (ديانت) منذ عام 2005 في منطقة البلقان والقوقاز لاسيما في دول مثل مقدونيا وألبانيا والأهم في البوسنة، هذا جزء من حنينهم للحقبة العثمانية وللعودة لدور ما يطلق عليه /الأخ الأكبر/ في تلك الدول".

وبفضل الازدهار الاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ مطلع الألفية، صار لدى أنقرة الفائض المالي لدعم مثل هذه المبادرات. وبالإضافة إلى بناء المساجد، يأتي تعزيز التعليم الديني كركيزة أساسية لتحريك عجلة النفوذ وذلك من خلال عروض لمنح دراسية في الجامعات التركية وبرامج تبادل طلابي.

لعبت وكالة التنسيق والتعاون الدولي التركية (تيكا) دورا مشابها في العالم الإسلامي إذ زادت ميزانيتها بشكل كبير للغاية في ظل حكم إردوغان لتصبح رابع أكثر جهة تقدم المساعدات في العالم حاليا. وتأكيدا على أهمية الوكالة، تم اختيار رئيسها السابق هاكان فيدان لرئاسة جهاز الاستخبارات. وأعلن فيدان مؤخرا استقالته لخوض الانتخابات البرلمانية.

لكن تركيا وجدت نفسها في منافسة مع دول إسلامية أخرى، خاصة السعودية وسط غياب شبه تام للمنافسين الحقيقين. وجاء العرض التركي لبناء مسجد في كوبا بعد عرض مشابه من السعودية.

أعلنت رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانت) عن خططها الرامية لبناء أكبر مسجد في منطقة البلقان بمدينة تيرانا مبررة ذلك بأن مسجد أدهم بيه الموجود حاليا لا يناسب عدد المسلمين في المدينة والبالغ عددهم أكثر من 300 ألف شخص. ومن المقرر أن يتسع المسجد الجديد لنحو 4500 شخص.

تتركز المنافسة بين البلدين على منطقة البلقان وهو أمر يرصده البروفيسور غوزايدن الذي سافر كثيرا لتلك المنطقة وكتب عنها: "كانت هناك منافسة في البداية خاصة في البوسنة فيما يتعلق ببناء المساجد التي تحاول الحصول على دعم، لاحظت بعد ذلك توصلهم لنوع من التفاهم وتطوير علاقة تكاملية، لكن المنافسة تعود من جديد الآن".

يظهر تجدد المنافسة بين تركيا والسعودية بوضوح فيما يتعلق بالملف المصري. ففي الوقت الذي تدعم فيه أنقرة بقوة الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي أزاحه الجيش عن السلطة والذي مازال خصما قويا للرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، تتقدم الرياض مقدمي الدعم المالي للنظام المصري الجديد. في الوقت نفسه يمثل الدعم القوي من قبل أردوغان للإخوان المسلمين في المنطقة، نقطة توتر إضافية مع السعودية.

ظلال الماضي الاستعماري التركي

تتناقض نظرة حزب العدالة والتنمية الحاكم حول الدور العثماني في نشر الازدهار في المنطقة، مع رأي سكان الدول التي كانت خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية آنذاك. ويفسر الأستاذ المساعد تاسكن هذا الأمر بقوله: "النخبة السياسية التركية الموجودة في دائرة حزب العدالة والتنمية لا تكاد تفهم الشرق الأوسط واستياء الناس هناك فيما يتعلق بماضيهم الاستعماري".

يتذكر أكاديمي فضل عدم الكشف عن هويته، كلمة ألقاها رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو في مؤتمر بالخليج وعدد فيها مزايا الحكم العثماني وهو ما دفع أحد المشاركين العرب في المؤتمر ليهمس في أذن زميله قائلا: "ألا يفهم (داوود أوغلو) أننا لا نحب العثمانيين". وتتفق البروفيسورة غوزايدن مع هذا الرأي مشيرةً إلى وجود الكثيرين ممن تربكهم الإشارة لفترة الحكم العثماني نتيجة لعدم حبهم لها.

وكان من الممكن أن تقضي آثار الربيع العربي ودعم أنقرة للإخوان المسلمين بالإضافة إلى النظرة التاريخية لها كمستعمر سابق في منطقة الشرق الأوسط، على أي حلم تركي بقيادة العالم الإسلامي. ويقول تاسكن إن "تركيا لم تعد محبوبة في الشرق الأوسط ربما باستثناء فلسطين، بسبب أخطاء سياسية ارتكبتها بعد الربيع العربي".

لكن يبدو أن الرئيس إردوغان يبحث عن لغة يخاطب بها رجل الشارع ليتجاوز هذه العقبات وهو ما يظهر بوضوح في خطاباته التي يبدو وكأنها تستهدف رجل الشارع المسلم سواء في تركيا أو الخارج، بلهجة شعبوية ثقيلة مخلوطة دائما بلمسة قوية معادية للغرب. ويبدو هذا واضحا في كلمة إردوغان التي ألقاها أمام اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري (كومسيك)، إحدى لجان منظمة التعاون الإسلامي، في كانون الأول/ديسمبر 2014 والتي قال فيها: "صدقوني، إنهم (الدول الغربية) لا يحبونا. ربما يظهرون في صورة الصديق لكنهم يرغبون في قتلنا. إنهم يحبون رؤية أولادنا يموتون".

ينشغل الرئيس التركي في الوقت الحالي بحشد التأييد لفكرة حصول دولة مسلمة على مقعد دائم في مجلس الأمن، في الوقت نفسه تعد قضية مكافحة "الإسلاموفوبيا" (رهاب الإسلام) مشروعا آخر يطرحه إردوغان وحكومته في كل مناسبة. ويرى البعض أن إردوغان يعتقد أنه حقق هدفه بالفعل كما كتبت آيدينتاشباش في تعليقها: "يرى إردوغان أن الأمر لو كان بيد الناس، فإنهم سينتخبوه كقائد للعالم الإسلامي في انتخابات حرة ونزيهة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، إذن هو يصدق هذا الأمر بالفعل".

ترجمة: ابتسام فوزي

نُشر في قنطرة الألمانيَّة