تركيا.. أردوغان وإخراس الإعلام

الطريقة التركية في إخراس أصوات المنتقدين محلياً مع إنفاق الملايين على الدعاية في الخارج يدعمها بشكل كبير تلفزيون (تي. آي. تي. وورلد) ففي عام 2015 تم تدشين القناة التي تبث إرسالها على مدار الساعة ومقرها في إسطنبول.

بقلم: ستيفن ستالينسكي

لا يعلم كثير من الأميركيين حالياً أن شبكة (تي. آر. تي. وورلد) الدولية التلفزيونية الناطقة بالإنجليزية تمثل ذراعاً دعائية لنظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي الأسابيع التالية على الغزو التركي لشمال شرق سوريا، الذي عرف باسم عملية «نبع السلام» قدمت شبكة (تي. آر. تي. وورلد) تدفقاً منتظماً من التغطية «المتحمسة» تضمنت ظهور سياسيين ومشاهير يشيدون بالهجوم العسكري، وتأييداً من المدنيين الأتراك للعملية ومن جماعات أقلية تركية ولاجئين سوريين.

لكن «لجنة حماية الصحفيين» ذكرت أن الحكومة التركية حظرت النشر المحلي للتقارير الإخبارية والتعليقات الانتقادية للعملية العسكرية. وأعلن وزير الداخلية في منتصف أكتوبر الماضي أن الحكومة اتخذت «إجراء ضرورياً» ضد 500 شخص واحتجزت 121 «أهانوا عملية نبع السلام» على مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها غزواً. وذكرت الوزارة أن صحفييْن اعتقلا بسبب ما نشراه على مواقع التواصل الاجتماعي وأُطلق سراحهما مع الخضوع للمراقبة وحُظر عليهما السفر للخارج.

والطريقة التركية في إخراس أصوات المنتقدين محلياً مع إنفاق الملايين على الدعاية في الخارج يدعمها بشكل كبير تلفزيون (تي. آي. تي. وورلد)، ففي عام 2015 تم تدشين القناة التي تبث إرسالها على مدار الساعة ومقرها في إسطنبول، ولها مراكز بث في لندن وواشنطن وسنغافورة. وتشير (تي. آر. تي. وورلد) إلى أن قمرها الاصطناعي وخدمتها عبر الكابل ومنصتها الرقمية تصل إلى 260 ألف منزل في 190 دولة. وهي متاحة على نطاق واسع في الولايات المتحدة ضمن الخدمات الكابلية لشركات «كومكاست» و«كوكس» و«فيرايزون».

والمحتوى الذي تنتجه وتوزعه (تي. آر. تي. وورلد)، التي يتابعها 2.1 مليون حساب على «فيسبوك» يستهدف إلى حد كبير كسب تعاطف الجمهور الدولي الناطق بالإنجليزية لصالح أهداف السياسة الخارجية والداخلية لحكومة أردوغان. ورغم أن ميزانية (تي. آي. تي. وورلد) ليست معلنة لكن صحيفة «فاينانشيال تايمز» ذكرت أن محللي الصناعة يقدرون كلفة إدارتها السنوية بما يتراوح بين 77 و155 مليون دولار.

وتدرك الدول السلطوية جيداً قيمة الحفاظ على وجود قوي في واشنطن في محاولة للتأثير على رأي النخب في الكونجرس وفي المراكز البحثية ووسائل الإعلام.

ويظهر بانتظام في برامج «تي. آر. تي. وورلد» خبراء السياسة ونشطاء حقوق الإنسان والأكاديميون والصحفيون الأميركيون الذين ربما لا يدركون أن التلفزيون يمثل بوقاً لأردوغان. والضيوف ينتمون لطائفة واسعة من المنظمات تتضمن «معهد بروكينجز» و«مجلس الأطلسي» البحثيين و«منظمة العفو الدولية» وجامعتي «هارفارد» و«ستانفورد» ودورية «فورين بوليسي» ومجلة «نيوزويك» وصحيفة «وول ستريت جورنال».

وحتى حين يشارك هؤلاء الضيوف في قصص معينة لا تدعم صراحة نظام أردوغان، يظل موقفهم غريباً بالمساهمة في قناة إخبارية تملكها وتديرها دولة تسحق حرية الصحافة في الداخل. فوفقاً للتصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2019 لمنظمة «مراسلون بلا حدود» حلت تركيا في المرتبة 157 بين 180 دولة شملها التصنيف. وفي سبتمبر، انضمت «لجنة حماية الصحفيين» إلى 12 جماعة أخرى تدافع عن حرية الصحافة وحرية التعبير في مطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لحث تركيا على «إنهاء عدوانها على حرية الإعلام والفضاء المدني» مشيرة إلى أن «132 صحفياً ومشتغلاً بالإعلام على الأقل خلف القضبان وهناك مئات آخرون يُحاكمون باعتبارهم إرهابيين لمجرد قيامهم بعملهم الصحفي».

وربما تكون زيارة أردوغان لواشنطن فرصة جيدة للخبراء الأميركيين والمنظمات كي يتوقفوا عن المشاركة في برامج «تي. آي. تي. وورلد»، وهذا قد ينقل رسالة لا يخطئها الفهم وفي موعد ملائم إلى نظام أردوغان الذي يستفيد من حرية التعبير في الخارج لكنه يقمعها في الداخل ولذا يستحق تجاهله. ويتعين ألا ننسى صحفيي تركيا المعتقلين.

نشر في الاتحاد الإماراتيَّة